ما يؤلمني هو قوله أنه لم ير شيئًا واحدًا حسنًا في البلد على مدار سنتين .. “ماشي يا لؤي”!
هكذا اختتم قائد الانقلاب العسكري المصري “عبد الفتاح السيسي” إجابته، الاثنين الماضي، على إجابة لشاب مواطن من محافظة الشرقية، وذلك ضمن فعاليات ما يسميه النظام المصري بـ”مؤتمر الشباب الرابع”، وهو يُعقد في هذا العام في محافظة الإسكندرية .. أو الثغر المصري المحتضن البحر الأبيض المتوسط “لزوم تصييف النظام”، وادعاء اهتمامه بالشباب، بواسطة مؤتمر تمثيلي من الدرجة الأولى يقوم فيه كبراء النظام بتقديم وصلة كذب بل بجاحة جديدة، ثم يخلدون إلى البحر والراحة من هموم الشعب المصري المطحون، وذلك كله على طريقة اليهودي الذي نعا ولده بالقول: “كوهين ينعي ولده ويصلح ساعات”.
أما النعي فهو ما أعلنته الداخلية المصرية المجرمة الآثمة من قتلها، يوم الاثنين نفسه، في نفس يوم المؤتمر الثاني من قتلها ثمانية من خيرة شباب مصر في مدينة “سنورس” بمحافظة الفيوم تحت زعم وادعاء أنهم كانوا يقومون بالتدريب على حمل السلاح في الصحراء، وهو ما فندته شخصيات ومراكز حقوقية بالأدلة .. إذ إن الشباب كان مقبوضًا عليهم قبل أن تقتلهم الشرطة المصرية ويستشهدوا بأيام، أي إنهم كانوا محتجزين لدى النظام الإرهابي وقام بإزهاق أرواحهم، بما لا يقره عرف ولا شرع ولا قانون ولا دين، ثم خرج النظام في بيان للداخلية ليقول إنهم إرهابيين، ومن العجائب بالإضافة إلى التبجح وقلب الآية وإظهار المقتول إرهابيًا والقاتل مدافعًا عن البلد، ومن العجائب أن النظام الانقلابي يدعي كل مرة أنه يقتل الشباب، بوجه خاص، في مواجهات بالسلاح، وما من مرة أعلن فيها عن جرح صغير بأصبع ضابط أو جندي من القتلة المفترض انهم تبادلوا إطلاق الرصاص مع الضحايا الأبرياء!
قائد الانقلاب لا يقبل حتى تمثيلية الديمقراطية الركيكة المكشوفة
وأما “إصلاح الساعات” في النكتة اليهودية المذكورة سابقًا فمنه توالى فصول المشاهد الهزلية المصرية السوداء يومًا بعد يوم، فالنظام الذي يتعمد قتل زهرة شباب مصر، حتى ليتعدى رقم الشهداء الآلاف خلال نحو أربع سنوات، وهو يصر على حبس عشرات الآلاف الآخرين، ومطاردة أضعافهم ويدعي النظام المصري إقامة مؤتمر للشباب يحضره رئيسه فيما يداه ما تزالان تقطران دمًا متجددًا، حتى في يوم حضوره المؤتمر المُدعى، وإمعانًا في الاستخفاف بالمصريين وبالشرفاء المُشاهدين في العالم يعلن قائد الانقلاب، في أجواء ملؤها الترفيه ومكبرات الصوت والضحك والصخب والديكورات والفتيات الجميلات، لزوم التدليس .. يعلن تلقيه الأسئلة عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” والإجابة عليها بنفسه تحت عنوان “اسأل رئيس”.
وفي بداية الفعالية المخابراتية بامتياز، أعلنت المذيعة أنه تم تلقي 300 ألف سؤال، هكذا 300 ألف بالتمام والكمال لا ينقصون سؤالًا ولا يزيدون .. وأن أسئلة العام الماضي كانت 172 ألفًا فحسب، مما عدته نجاحًا للمؤتمر، ولم يعد معها أحد الأسئلة، ولم يجب قائد الانقلاب عن سؤال ذاكرًا الحقيقة فضلًا عن أن يتوقف عن إدمانة قتل واحتجاز الشباب، أما مفاجأة العام فليست أنه لن يقتل شابًا مصري أيام المؤتمر، أو حتى مجرد التوقف عن إزهاق أرواح الشباب؛ في أيام مؤتمر الشباب الداعي لتمكينهم فيما وشرفاؤهم المخلصون يتمنون النجاة من الموت فحسب وأن يبيتوا في بيوتهم، مفاجأة العام كانت أن أسئلة السيدات جاءت بنسبة 53% متفوقة على أسئلة الرجال .. مما دفع قائد الانقلاب للضحك ملء فيّه طويلًا في صخب لا تعرف معه أمدرك هو لمأساوية ما يفعل أم إنه يُمعن في الاستخفاف بشعب يحكمه بالحديد والنار وعدم الرحمة؟
أحد الشباب “لؤي محمد علي” قيل إنه أرسل سؤالًا احترمته إدارة المهرجان وقدمته على 300 ألف سؤال يقول فيه أن السيد (الرئيس)، وفق زعمه وزعم المؤتمر بوجود رئيس وسائل وسؤال، قال السائل المزعوم لـ”السيسي”: وعدتنا بأن تتغير أحوالنا المتردية خلال سنتين مرتا ولم يتغير شيء..فلماذا؟
الأكيد أن السؤال لم يصل إلى مسامع “السيسي” إلا بعد تدقيق مخابراتي حربي على نحو عال مكثف
وأجاب “السيسي” على طريقة فيلم “الليمبي” المصري بأجزائه (تم تقديم الجزء الأول منه عام 2002م من إخراج وائل حسان)، وهو الفيلم الذي أبرز ظاهرة عجيبة وضخمها، وهي عدم مواجهة المشكلات بل الاكتفاء بالاستهزاء منها، وإعلان مواجهة مَنْ يُذكر بوجودها بالقوة المفرطة، ومن هذا المنطلق انطلق “السيسي” ليضحك من جديد ملقيًا رأسه إلى الخلف، ومبعدًا الميكرفون عن أنفه، لزوم ادعاء اللطف والكياسة، ثم قال إنه يراعي مع الحكومة الحد الأدنى من الآثار السلبية لقرارته .. وهو دواء مر قاس (القرارت) لكن لا بد منه ولا مفر عنه .. وعوضًا عن أن يجيب محددًا مدة جديدة أو معتذرًا عن القديمة، ومعلنًا أن حلم الرخاء ما هو إلا أكذوبة اخترعها الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر” في الخمسينيات من القرن الماضي، وفني عشرات الملايين من المصريين، على مدار أكثر من ستين عامًا من عمر الحكم العسكري، دون أن يشموا رائحته؛ عوضًا عن ذلك غلبت طبيعة الجنرال الدموي عليه فقال في توعد، حاول إكسابه روح المزاح:
ما يؤلمني هو قوله أنه لم ير شيئًا واحدًا حسنًا في البلد على مدار سنتين .. “ماشي يا لؤي”!، وكأن هناك شيئًا ما يؤلم “السيسي” وهو يتسبب في إيلام مئات الملايين من الأمة داخل مصر وخارجها بأفعاله وخياناته ونذالته وتجسيده لأفعال العدو ..
على أن أكثر ما في المشهد قسوة هو أن الجنرال “السيسي” الفاشي يتوعد سائلًا (مُفترضًا)، لا ندري أموجود هو على قيد الوجود وموجود سؤاله معه؟ .. فقد يكون هناك آلاف باسمه الثلاثي لكنهم لم يسألوا، أو حتى دُسَّ السؤال على أحدهم، لكن الأكيد أن السؤال لم يصل إلى مسامع “السيسي” إلا بعد تدقيق مخابراتي حربي على نحو عال مكثف، واستئذان واعتذار منه، حتى المذيعة المرفهة قارئة السؤال بادرت بالاعتذار عنه بأنه وردها وليس رأيها، والهدف النهائي غير المعلن من السؤال التنفيس عن الشعب المصري ومحاولة امتصاص غضبه والإمعان في الاستخفاف منه، ورغم كل هذا غاظ السؤال الجنرال الفاسد فتذكر وجوب تاديب السائل (المفُترض) ليعاتبه في استخفاف مُضيفًا:
ـ ماشي يا “لؤي”؟!
إنه يتوعد كل صوت ناطق بما لا يريد ولو كان مفتعلًا يصب في صالحه لبيان أن الجنرال القبيح الوجه والأخلاق .. واسع الصدر .. مدرك لمأساوات شعبه في ظل وجوده الكارثي.
إن قائد الانقلاب لا يقبل حتى تمثيلية الديمقراطية الركيكة المكشوفة .. فيسارع بالتهديد والوعيد وأركان نظامه من حوله يضحكون مدركين كذبه في كل ما قال.. وصدقه في التهديد لمَنْ يعصي أوامره ولو كان خدامًا يمسح بدموعه حذاءه آناء الليل وأطراف النهار ..!
من مثل هذا وأتباعه حمى الله مصر والأمة الإسلامية وأقدر المخلصين على الإعداد الدقيق الواعي الشامل لدحرهم وإقصاء أنظمتهم بعد فضحها.