لإن أرجع البرلمان التونسي قرار إرجائه النظر في مشروع قانون “المصالحة الاقتصادية” بعد أن تم تعديل اسمه واستبداله باسم ” المصالحة الإدارية” إلى ما بعد عطلته النيابية، إلى طلب المجلس الأعلى للقضاء (مؤسسة دستورية مستقلة) منه منحهم مهلة إضافية للإجابة على الاستشارة التي تقدم بها له في وقت سابق، فإن العديد أكّد أن هذا القرار جاء تحت ضغط الشارع التونسي.
طلب المجلس الأعلى للقضاء
أقرّ مكتب مجلس نواب الشعب التونسي اليوم، إرجاء النظر في مشروع القانون المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري إلى ما بعد عطلته النيابية، وأرجع مكتب البرلمان ذلك إلى ضرورة استكمال الاستشارة الوجوبية من قبل المجلس الأعلى للقضاء. وتتطلب مناقشة مشاريع القوانين التّي تكون محل خلاف وتمريرها على الجلسة العامة للمصادقة طلب استشارة يتقدم بها البرلمان إلى المجلس الأعلى للقضاء الذّي يبدي رأيه في مدى قانونيتها.
وجاء في بلاغ لمكتب البرلمان، “وافق مكتب المجلس على طلب الإمهال المقدم من المجلس الأعلى للقضاء للإدلاء برأيه الاستشاري بخصوص مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري، وذلك حتى يتمكن المجلس الأعلى للقضاء من أداء وظيفته الاستشارية على الوجه المطلوب. وقرر مكتب المجلس إرجاء النظر في مشروع القانون المتعلق بالمصالحة في المجال الإداري الى حين استكمال الاستشارة الوجوبية، ليتم النظر فيه في جلسة عامة قادمة”.
بموجب التعديلات الأخيرة، تم حذف الفصول المتعلقة برجال الأعمال والاقتصار على عفو يناله 1500 موظف حكومي من الذين ارتكبوا تجاوزات
وفي وقت سابق، قرر مكتب مجلس نواب الشعب البقاء في حالة انعقاد متواصل ومستمر تحسبا لأي مستجدات خلال العطلة البرلمانية التي تنطلق بداية من يوم 30 يونيو2017 الى غاية 1 اكتوبر 2017. وذلك عملا بمقتضيات الفصل 57 من الدستور الذي ينص على أن “مجلس نواب الشعب يعقد دورة عادية تنطلق خلال شهر أكتوبر من كل سنة وتنتهي خلال شهر يوليو” واستئناسا بتوصية ندوة الرؤساء المنعقدة بتاريخ 24 يوليو 2017.
والاربعاء قبل الماضية، صادقت لجنة التشريع العام بالبرلمان التونسي على مشروع “قانون المصالحة في المجال الإداري”، وذلك بعد تعديلات عن نص المشروع الأصلي الذي كان يسمى “المصالحة الاقتصادية والمالية”، تقدم به الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي ينشد عفوا عن آلاف من موظفي الدولة ورجال الأعمال الذين نهبوا أموالاً عامة في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي (1987-2011)، شرط إرجاعها مع فوائد. ولاقى القانون معارضة شديدة من أحزاب ومنظمات وحملات شبابية.
البرلمان التونسي
وبموجب التعديلات الأخيرة (جاءت بدفع من حركة النهضة) والتي سهّلت عملية المصادقة على مشروع القانون داخل اللجنة المكونة في مجملها من نواب الأحزاب الحاكمة، تم حذف الفصول المتعلقة برجال الأعمال، والاقتصار على عفو يناله 1500 موظف حكومي من الذين ارتكبوا تجاوزات. وتحتاج برمجة مشروع هذا القانون في دورة استثنائية للمصادقة عليه ثلاثة حلول؛ فإما أن يطلب ذلك رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، أو أن يطلبه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، أو أن يكون الطلب من ثلث أعضاء البرلمان، أي 73 عضوًا.
ضغط شعبي
بالتزامن مع ذلك، نفّذ مئات المحتجين المنتمين لحملة “مانيش مسامح” (لن أسامح) وقفة احتجاجية أمام البرلمان رفضا لتمرير مشروع القانون، ورفع عشرات المحتجين لافتات كتب عليها “لا مصالحة دون محاسبة”، و”لا لقانون تبييض الفساد”، و”بالشارع لن يمر”، و”مناش مسامحين (لسنا مسامحين)” و”ما يتعداش (لن يمرّ)” و”على جثتنا” و”لا لتبييض الفساد“.
وأرجع المحتجون رفضهم لمشروع القانون إلى معارضته للدستور والعدالة الانتقالية، إلى جانب تضمنه في فصولها العفو عن الفاسدين، حسب وصفهم، وتخسر تونس سنوياً 2 مليار دينار (نحو 1.8 مليار دولار)، بسبب تفشي مظاهر الفساد وغياب آليات الحوكمة في الصفقات العمومية، حسب تقرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (دستورية مستقلة) لسنة 2016.
وفق آخر مؤشر للفساد أصدرته منظمة الشفافية الدولية مطلع العام الجاري، فإن تونس تحتل المرتبة السابعة عربياً والـ 75 عالمياً
وتأسست حملة “مانيش مسامح” قبل عامين، عندما أطلق الباجي قائد السبسي مشروع قانون المصالحة، وتعهدت الحملة باسقاط القانون، وعطلت في مناسبات كثيرة مناقشته. وتعرّف الحملة نفسها بكونها:”مبادرة مواطنيّة مستقلة مفتوحة أمام كل من يريد الانضمام (…) تسعى إلى تجميع كل المواطنين وكل المكونات السياسية والحقوقية والفكرية حول مهمة سحب قانون المصالحة، الذي يبيّض الفساد ويبرّئ رؤوس الأموال الناهبة لأموال الشعب”.
وأعطى المجلس الأعلى للقضاء مساحة زمنية أوسع أمام رافضي مشروع قانون المصالحة، ليضع الائتلاف الحاكم، مرة أخرى، في موقف لا يحسد عليه؛ فبعد الإعلان عن موعد المصادقة على مبادرة رئيس الجمهورية الوحيدة التي قدمها منذ ما يزيد على السنتين، أعاد مجلس القضاء مشروع القانون إلى المربع الأول.
أعضاء حملة مانيش مسامح يحتجون أمام البرلمان
واعتبرت المعارضة البرلمانية الرافضة لمشروع هذا القانون أن هذا الرد القادم من المجلس الأعلى للقضاء رسالة مطمئنة وإيجابية، مفادها أن هذه المؤسسة الدستورية ستتمعن في أحكام وبنود هذا القانون، وستفحص مدى دستوريته، قبل إفادة البرلمان بردها. ووفق آخر مؤشر للفساد أصدرته منظمة الشفافية الدولية مطلع العام الجاري، فإن تونس تحتل المرتبة السابعة عربياً والـ 75 عالمياً بـ 41 نقطة في مؤشر الفساد. وينتشر الفساد بشكل واسع في قطاعات الأمن والجمارك والقضاء وفق تقارير دولية ومحلية.