في فجر الرابع عشر من يوليو / تموز الحالي، يوم الجمعة في مدينة القدس وبداخل المسجد الأقصى أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين قتل ثلاثة فلسطينيين برصاص شرطة الاحتلال الإسرائيلية في ساحة المسجد الأقصى، بعد ما أطلقوا النار على أفراد من الشرطة الإسرائيلية مما أدى إلي قتل اثنين منهم في الحال ليلحقهم الثالث بعد إصابته الخطيرة التي أودت بحياته هو الأخر.
انتفضت قوات الاحتلال الإسرائيلي وطوقت المدينة القديمة كلها بل ومنعت الفلسطينيين من أداء صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى في سابقة لم تحدث منذ 40 عامًا.
في هذا اليوم قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلية إغلاق بوابات المسجد الأقصى ومنع دخول المصلين من المسلمين لأجل غير مسمى، مما أثار غضب الفلسطينيين وجعلهم يتجمهرون في محيط الأقصى، وعندها دعا مفتي القدس الشيخ محمد أحمد حسين، الناس لأداء صلاة الجمعة بالأقصي رغم أنف شرطة الاحتلال، لكن ذلك لم يكن!
فقامت الشرطة الإسرائيلية بإغلاق الأبواب المؤدية لساحة المسجد، مما جعل المصلين يؤدون صلاة الجمعة أمام باب الأسباط أحد أبواب بلدة القدس القديمة القريبة من المسجد الأقصى، عندها تم اعتقال مفتي القدس بعد الصلاة، ليتم الإفراج عنه بعد ساعات.
احتشد المرابطون المقدسيون في كل بقاع القدس، لتبدأ المواجهات مع بمخيم قلنديا شمالي القدس، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين شبان فلسطينيين وقوات الجيش الإسرائيلي المتمركز عند الحاجز، مما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف الفلسطينيين.
يومين على إغلاق الأقصى .. اعتصام ورباط!
بعد يومين من إغلاق أبواب الأقصي قام الجيش الإسرائيلي بتركيب بوابات إليكترونية على الأبواب المؤدية للمسجد لتفتيش المصلين الفلسطينيين قبل دخولهم للحرم الشريف، ومنع من رفض التفتيش من الدخول للصلاة بداخل الحرم القدسي، مما جعل المرابطين يرفضون الدخول للمسجد بعد إجبارهم على الخضوع للتفتيش، فقاموا بالاعتصام والرباط أمام باب الأسباط لتقوم الشرطة الإسرائيلية بالاعتداء عليهم وإصابة عدد منهم وذلك لإرغامهم على التفرق والرجوع لبيوتهم ومنعهم من أداء الصلوات أمام الباب، لكن المرابطين أصروا على الرباط أمام باب الأقصى، حينئذ تزايدت الأعداد بعد أن كانت بضع مئات، لنصبح أمام آلالاف من المعتصمين.
تسارع للأحداث.. والمرابطون يزيدون
اشتعل الموقف وبدأ جزء كبير من أبناء الشعب الفلسطيني بالنزول لساحات الاعتصام حيث شارك العشرات من الفلسطينيين وعلماء الدين في وقفات احتجاجية في غزة ونابلس ومدن الضفة، وتطورت الأحداث مع مشاركات تضامنية للمسلمين بكل بقاع العالم رفضًا للإجراءات الإسرائيلية في القدس.
وفي مساء الاثنين السابع عشر من تموز /يوليو الحالي وبعد استمرار المرابطين بجانب الأقصى اندلعت الاشتباكات مجددًا بين الجيش الإسرائيلي والمرابطين في محاولة أخرى لتفريقهم مما أصاب عدد من المرابطين إصابات كبيرة من بينهم الأمين العام لحركة “المبادرة الوطنية الفلسطينية” مصطفى البرغوثي إذ أصيب برصاصة مطاطية في رأسه، كما أصيبت سيدات مرابطات أيضًا إصابات متفرقة.
تزامنت تلك المواجهات مع الشرطة الإسرائيلية، بأخرى في بلدة “العيزرية ” شرق مدينة القدس المحتلة مع قوات الجيش مما أدى لإصابة 20 فلسطينيًا خلال تلك المواجهات.
إصابة خطيب المسجد الأقصى برصاص مطاطي وسط المرابطين
ووسط تزايد أعداد المرابطين وتحول الشوارع المؤدية للأقصى إلى مساجد يؤدي فيها المرابطون صلواتهم الخمس، في مشهد معتاد، إزدادت المواجهات مع القوات الإسرائيلية، فأصيب الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى في اليوم الخامس من الرباط برصاصة مطاطية خلال المواجهات المستمرة مع الاحتلال.
تسارعت الأحداث يومًا بعد أخر خلال أسبوعين، لتقوم الشرطة الإسرائيلية بإغلاق بابي العامود والساهرة في البلدة القديمة من القدس المحتلة اللذين يؤديان للمسجد الأقصى ومنع الفلسطينيين من العبور إلى البلدة القديمة سوى سكانها فقط، وسط تزايد الاشتبكات ليزداد معها أعداد الجرحى والمصابين من الفلسطينيين.
أبواب الأقصى تفتح بعد أسبوعين.. واحتفالات حتى الفجر
وبعد أربعة عشر يومًا من الرباط أمام أبواب الأقصى وفي ليلة السابع عشر من تموز/يوليو الحالي قامت السلطات الإسرائيلية بإزالة البوابات الإلكترونية المخصصة للتفتيش والممرات التي وضعتها على مدخل باب الأسباط الذي اعتصم أمامه آلالاف المرابطين، لتعم الاحتفالات أرجاء القدس، حتى فجر تلك الليلة ويظل المرابطون أمام أبواب الأقصى مرددين: ” بالروح بالدم نفديك يا أقصى “
فيديو إزالة الاحتلال للبوابات
عن المقدسيين المرابطين تقول ” آلاء ” إحدى المرابطات اللواتي عشن تلك التجربة، في معرض كلامها مع نون بوست: “نحن نزداد ثبات وقوة وإصرار على حقنا في صلاتنا بداخل المسجد الأقصى ولن نقبل ببوابات إليكترونية ولا تفتيش من قبل السلطات الإسرائيلية”.
مضيفة في حماسة شديدة: “ولن نرجع إلى بيوتنا إلا رافعين الرأس أخذين الثأر مصلين بداخل قدسنا، وأن ترجع لنا مفاتيح أبواب مسجدنا وذلك بسبب تغير أقفال أبواب القدس بعد الأحداث الأخيرة”
أكملت “آلاء” حديثها ودموعها تملأ عينيها: “من بين المرابطين وبصوت عال يقول خطيب الأقصى: لا فرق بيننا؛ بين مسلم وغير مسلم فكلنا جئنا لتحرير قدسنا، فهناك بيننا غير مسلمين وغير مقدسيين ولكن حبهم للأقصى هو ما دفعهم للوقوف بجانبنا”.
تواصل “آلاء” كلامها عن أبرز ما شاهدته في الاعتصام أمام بوابات الأقصى، فتقول: “من أمام باب الأسباط وبينما نحن نقضي يومنا هناك تأتي إمرأة تونسية هي وابنتها ويعتصموا معنا صباحا ومساء، وعائلة مصرية أخرى أتت من سويسرا لتشاركنا تلك الأحداث، ورجل مسن أتى لتوزيع الماء وسجادات الصلاة وأخر بائع مقدسي يوزع عليهم الماء البارد دون مقابل”.
تختتم “آلاء” كلامها: “في القدس سترى أيضاً ثورة تقودها امرأة فتهتف بأعلى صوت والرجال والشباب والنساء والأطفال يرددون من خلفها .. لبيك يا أقصى، فلم نعتاد يوماً على أن صوتها عورة بل كلنا على يقين بأن صوتها لم يكن إلا ثورة.”
مرابطة أخرى تدعى ” الحاجة فاطمة” تقول في تصريحها لنون بوست: ” مواجهاتنا مع الاحتلال تمثل لنا العزة والكرامة والأقصى بالنسبة لنا عقيدة وتوحيد ومسرى الرسول وكلنا للأقصى فداء، ولن ننحني رغم أن حكام العرب قد خذلونا لكن نحن أبناء بيت المقدس لن يهمنا غير الرباط في سبيل الله”.
فصل جديد من الاعتداءات الإسرائيلية
لم ينته الإجرام الإسرائيلي بعد؛ ففي صباح تلك الليلة وبعد احتفالات المرابطين بفتح أبواب الأقصى ودخولهم له بعد نحو أسبوعين، أغلق الجيش الإسرائيلي، يوم الخميس 27 تموز/يوليو، “باب حطة” أحد أبواب الجدار الشمالي للحرم القدسي. هدد المرابطون بالاعتصام مرة ثانية إذا لم يتم فتح جميع أبواب الأقصى ومن بينهم “باب حطة”.
واستجابة لضغوط المرابطين، قامت الشرطة الإسرائيلية بفتح “باب حطة”، وتدفق إثر ذلك آلالاف الفلسطينيين داخل المسجد، معلنين نيتهم صلاة العصر والمغرب من يوم الخميس، بساحة الحرم.
لكن القوات الإسرائيلية اقتحمت باحات المسجد الأقصى مجددًا واعتدت على المصلين فيه، حيث أصيب أكثرمن 120 شخصًا نتيجة تلك الاعتداءات حسب جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، كما اعتقلت الشرطة عددا من الشبان فيه.
وحسبما أوردت شبكة قدس الإخبارية فقد توافد الآلاف منذ ساعات فجر اليوم الجمعة، إلى المسجد الأقصى، رغم ما يفرضه الاحتلال من إجراءات مشددة في القدس ومحاولات منعه الوصول إلى البلدة القديمة في المدينة، إذ نشرت سلطات الاحتلال تعزيزات عسكرية في محيط بلدة القدس القديمة وعلى مداخل الأحياء، كما نشرت المتاريس والحواجز العسكرية، وأعلنت أيضًا عن منعها أهالي القدس من هم دون 50 عامًا من الدخول إلى باحات المسجد الأقصى وآداء صلاة الجمعة فيه.
وبدأت قوات الاحتلال منذ مساء أمس بإغلاق الأحياء والشوارع المتاخمة لسور القدس التاريخي، وتشمل المنطقة الممتدة من سلوان وحي راس العامود والصوانة ووادي الجوز والشيخ جراح، إضافة لإغلاق الشارع الرئيسي المحاذي لسور القدس والممتد من باب العامود وشارع السلطان سليمان وباب الساهرة وصولا إلى باب الأسباط.
فيما وجهت دعوات لإستمرار التوافد إلى المسجد الأقصى والتصدي لإجراءات الاحتلال، بعد أسبوعين من إغلاقه المسجد بالبوابات الإلكترونية التي حاول فرضها على أهالي المدينة، الذين واصلوا رباطهم على أبواب المسجد حتى أجبروه على إزالتها وإعادة الوضع لما كان عليه بالسابق.