#ترحيل_اللاجئين_مطلب_شعبى.. تحت هذا الهاشتاغ شن العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة ممنهجة لاستهداف الوافدين والمهاجرين في مصر، والمطالبة بترحيلهم خارج البلاد بدعوى استنزافهم لموارد الدولة ومزاحمتهم للمواطنين المصريين في المرافق والخدمات وفرص العمل والاستثمار.
الحملة ليست الأولى من نوعها، وإن كانت هذه المرة تأتي في وقت تعاني فيه دول المنطقة من توترات جيوسياسية خطيرة، فضلًا عن الوضعية الاقتصادية المتدنية اقتصاديًا، غير أن أكثر ما يميزها هذه المرة قيادتها من نشطاء وإعلاميين محسوبين على النظام المصري وعلى رأسهم الإعلامي أحمد موسى.
ورغم رفض المتحدث باسم الحكومة المصرية، محمد الحمصاني لتلك الحملة، التي قال إنها لا تمثل الشعب المصري ولا تلتفت إليها الجهات الرسمية في البلاد، مؤكدًا على كرم الضيافة المصرية تجاه الأشقاء السوريين والجنسيات كافة، يبقى السؤال: من يقف وراء تلك الحملات؟ وما الهدف منها؟
بعد مطالبة قصواء الخلالي بضرورة وجود قاعدة بيانات لأعداد اللاجئين في مصر.. الحكومة تعلن بدء تدقيق أعداد اللاجئين وتكلفة ما تتحمله الدول من خدمات لرعايتهم#في_المساء_مع_قصواء #قصواء_الخلالي@kaswaelkhelaly pic.twitter.com/jiffFxs7Yf
— CBC Egypt (@CBCEgypt) January 8, 2024
أعداد اللاجئين في مصر.. جدل مستمر
تجدر الإشارة بداية إلى أن عدد اللاجئين في مصر وتقديراتهم الرقمية مسألة خلافية في المقام الأول، وذلك بين الأرقام الرسمية وغير الرسمية من جانب، والخلط بين المهاجرين واللاجئين من جانب آخر، وهو السبب الرئيسي وراء هذا البون الشاسع في الأرقام المعلنة.
يردد الإعلام المقرب من النظام المصري سردية أن هناك 9 ملايين لاجئ في مصر، وأنهم يستنزفون موازنة الدولة ويجهضون جهودها الاقتصادية، ويقللون من نصيب المواطن في المرافق الحياتية كالمياه والكهرباء وخلافه، وهي السردية التي تعاني من التضليل بنسبة كبيرة.
تشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة أن هناك بالفعل في مصر 9 ملايين أجنبي، لكن هذا الرقم يشمل المهاجرين واللاجئين معًا، وليس اللاجئون فقط، الذين يبلغ عددهم 473 ألف لاجئ فقط بنهاية ديسمبر/كانون الأول 2023 حسب إحصاءات مفوضية اللاجئين.
التصحيح: ⬇️⬇️
◾ تصريحات أحمد موسى غير دقيقة ومضللة. ✅
◾ لا يوجد في مصر 9 ملايين لاجيء. خلط موسى بين إجمالي عدد المهاجرين واللاجئين الموجودين في مصر، وبين عدد اللاجئين فقط، وهو خطأ كثير ما يقع فيه إعلاميون ومسؤولون مصريون. ✅
◾ ويوجد في مصر أكثر من 9 مليون مهاجر ولاجئ، بحسب… pic.twitter.com/xVapQkA7Zl
— متصدقش (@matsda2sh) January 8, 2024
وتعرف المنظمة المهاجر بأنه “أي شخص يتحرك أو ينتقل عبر حدود دولية أو داخل دولة بعيدًا عن مكان إقامته المعتاد، بغض النظر عن الوضع القانوني للشخص، وما إذا كانت الحركة طوعية أو غير طوعية، وأسباب الحركة ومدة الإقامة”، أما الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين الصادرة عام 1951، التي وقعت عليها مصر، فتُعرف اللاجئ بأنه “كل شخص يوجد خارج دولة جنسيته بسبب تَخوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب ترجع إلى عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه لعضوية فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، وأصبح بسبب ذلك التخوف يفتقر إلى القدرة على أن يستظل بحماية دولته أو لم تعد لديه الرغبة في ذلك”.
وفق تلك التعريفات فإن كل لاجئ يعتبر مهاجرًا وليس العكس، وعليه لا يمكن وصف كل شخص أجنبي يأتي مصر للسياحة أو الاستثمار أو الدراسة أو العمل بأنه لاجئ، كما هو حال 14 مليون مصري يعلمون خارج البلاد ويدرسون ويستثمرون، لا يمكن وصفهم باللاجئين.
ومن ثم فإن الحديث عن احتضان مصر 9 ملايين لاجئ حديث غير صحيح، إذ لا يتعدى العدد الإجمالي 473 ألف لاجئ، أو يزيد بنسبة أقل نسبيًا لغير المسجلين في المفوضية، وهو ما يضفي شيئًا من التهويل على الحملات الممنهجة التي تُشن بين الحين والآخر ضد اللاجئين.
تحريض ومطالب بالترحيل.. ليست المرة الأولى
في 8 يناير/كانون الثاني الحاليّ، أعلن مجلس الوزراء المصري عن بدء تدقيق أعداد اللاجئين في مصر، ومتابعة ما تتحمله الدولة من تكلفة لرعايتهم، تزامن ذلك مع هجوم واسع النطاق عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتدشين عدد من الهاشتاغات التي ركزت بشكل أساسي على السوريين.
المتابع لخريطة الجنسيات العربية المقيمة في مصر يجد أن الصدارة من نصيب السودانيين بتقديرات تبلغ 3.8 مليون شخص، يليهم اليمنيون بواقع مليون شخص، فالسوريون بتعداد 500 ألف شخص (10% تقريبًا من إجمالي السوريين في العالم)، ثم 150 ألف عراقي، و100 ألف فلسطيني، فضلًا عن قرابة 217 ألف لاجئ إفريقي.
الحملة الراهنة ليست الأولى من نوعها، حيث تعرض اللاجئون في المحروسة للعديد من الحملات السابقة أبرزها في سبتمبر/أيلول 2020 حين شن نشطاء هجومًا على المشروعات السورية في مصر، عازفين على البعد الأمني وضرورة فرض المزيد من الرقابة على أموال السوريين بحجة احتمالية خدمة أجندات الإخوان المسلمين في مصر، وهي الحملة التي لم تصمد كثيرًا أمام دعم المصريين للوجود السوري وحضوره الاقتصادي والاجتماعي.
مرحباً بأهلنا السوريين في مصر؛ أنتم ضيوفنا وإخواننا؛ نجاحكم جزء من نجاح اقتصادنا ولا تلتفتوا لذوي الأفكار العُنصرية. pic.twitter.com/QvCc2JZDX0
— عبدالله رشدي (@abdullahrushdy) January 8, 2024
وسبق تلك الحملة، المذكرة التي قدمها المحامي المصري المثير للجدل سمير صبري للنيابة العامة في 8 يونيو/حزيران 2019 وطالب فيها بالرقابة على ثروات السوريين واستثماراتهم في البلاد، وطالب في الوقت ذاته بإخضاع أموال السوريين لقوانين الضرائب والرقابة وكيفية إعادة الأرباح وتصديرها مرة أخرى.
وتذرع بعض المنضمين لتلك الحملة بما نشره أحد السوريين ويدعى “عبدالسلام الحريري” مؤخرًا عبر منصات السوشيال ميديا حين اقترح تخصيص منطقة حكم ذاتي للسوريين في مدينة حلايب المصرية (جنوبًا)، على مساحة لا تجاوز بضع كيلومترات، وتصبح إدارة ذاتية لفترة محددة، ثم تعود المنطقة للسيادة المصرية بعد نهاية المدة التي يتم الاتفاق عليها.
ورغم استهجان هذا المقترح من السوريين قبل المصريين، إلا أنه أحدث جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الجدل الذي لم يدم كثيرًا، كون هذا المقترح مرفوض وغير واقعي، وعليه فإن التذرع به كمبرر لشن حملة ضد السوريين غير منطقي وغير مقنع في الوقت ذاته.
وبين الفينة والأخرى تخرج بصورة مفاجئة حملات من هذا النوع، وإن كانت تستهدف في المقام الأول السوريين، لكن سرعان ما تخمد نيرانها في ظل رفض المزاج الشعبي المصري لهذا الخطاب العنصري الذي يتبناه حفنة من العنصريين أو المنتفعين أو أصحاب الأغراض غير الوطنية بالمرة.
رقم صعب في الاقتصاد.. ردًا على الدعوات العنصرية
يبرر المغردون في تلك الحملة الممنهجة مواقفهم بالعبء الاقتصادي الذي تتحمله الدولة بسبب اللاجئين، خاصة السوريين منهم، وأنهم يزاحمون المصريين في قوت يومهم ويقللون من فرصهم الوظيفية ويهددون مواردهم المائية والسلعية والاقتصادية في المجمل، وهي المبررات التي سرعان ما تتهاوى أمام لغة الأرقام والمؤشرات الموثقة.
تمثل الاستثمارات السورية – على وجه الخصوص – في السوق المصري رقمًا صعبًا في الاقتصاد الوطني، حيث يتباين حجم تلك الاستثمارات بين 800 مليون دولار بحسب تقديرات ومليار دولار وفق بيانات منظمة الهجرة الدولية، فيما يرى البعض أن الرقم يتجاوز هذا العدد بكثير ليصل وفق بعض التقديرات إلى 23 مليار دولار.
كما يعمل في السوق المصري أكثر من 30 ألف مستثمر سوري نجحوا في تأسيس 565 شركة برأس مال قدره 164 مليون دولار عام 2012، ارتفع إلى 1254 شركة برأس مال 201 مليون دولار عام 2013 بحسب وزارة الاستثمار المصرية، فيما ازداد هذا العدد أضعافًا أخرى خلال السنوات التسعة الأخيرة.
لميس الحديدي: السوريين بيساهموا في الاقتصاد المصري باستثمارات بقيمة مليار دولار زي وفقا لبيانات منظمة الهجرة الدولية #كلمة_أخيرة#لميس_الحديدي @lameesh pic.twitter.com/OD6sGppa7m
— كلمة أخيرة مع لميس الحديدي (@KelmaAkhira) January 8, 2024
يقول رجل الأعمال السوري خالد الأسود (46 عامًا) صاحب أحد مصانع الحلوى في مدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، إنه يعمل في السوق المصري من 8 سنوات، واستطاع أن يحقق نجاحات عدة، حتى إنه حث أقاربه وأصدقائه على الاستثمار في مصر.
وأوضح في حديثه لـ”نون بوست” أن المناخ الاستثماري في مصر يتميز بالثراء رغم بعض القيود والتضييقات والعراقيل بين الحين والآخر، غير أن السوق في مجمله مشجع ويجد السوريون أنفسهم فيه بشكل كبير، منوهًا أنه وعلى مدار تلك السنوات التسعة لم يشعر يومًا أنه أجنبي، وعلى العكس من ذلك بات مصريًا أكثر من كثير من المصريين على حد قوله.
وكشف رجل الأعمال السوري أن المصنع الذي يديره يعمل به قرابة 45 عاملًا وإداريًا، 30 منهم من المصريين، وأنهم لا يشعرون بأي تفرقة بينهم، لافتًا إلى أن الشعب المصري من أكثر شعوب العالم احتضانًا للوافدين، ومن الصعب التفرقة بين المصري والأجنبي إلا من خلال ملامح الشكل فقط، لكن الكل هنا سواسية، سرعان ما ينصهر الوافد في بوتقة المصريين حتى يصبح أحدهم في وقت قصير، على حد قوله.
ما هدف تلك الحملات إذًا؟
إن كان هذا ما يقدمه السوريون للاقتصاد المصري، الأمر ذاته ربما ينسحب على بقية اللاجئين الأكثر انتشارًا في مصر كالسودانيين واليمنيين والعراقيين، وإن كانوا بنسب ومستويات أقل، والموقف الرسمي المصري واضح بشأن رفض تلك الحملات التي لا تمثل المصريين.. فما أهداف تلك الحملات العنصرية بين الحين والآخر؟
أولًا: يتم التعامل مع ملف المهاجرين واللاجئين بصفة عامة كورقة سياسية يستخدمها النظام لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية بين الحين والآخر، وهي الإستراتيجية التي انتهجتها السلطات الحالية أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة تماهيًا مع المستجدات الإقليمية المتطورة التي تفرض نفسها كل فترة.
ثانيًا: النجاح الذي حققه السوريون اقتصاديًا يثير بين الفينة والأخرى الغيرة أو الحسد لدى حفنة من رجال الاعمال المصريين الذين لم يحققوا ما حققه السوريون، خاصة العاملين في ذات المجالات وعلى رأسها الصناعات الغذائية، ومن ثم تستهدف تلك الحملات – التي قد يقف خلفها بعض من هؤلاء – وأد تلك التجارب الناجحة على أمل أن يعود ذلك بالنفع على تلك الحفنة.
متحدث الحكومة يرد على حملة ترحيل اللاجئين: مرفوضة ولا تمثل الشعب المصري.. ولا نلتفت لها#كلمة_أخيرة pic.twitter.com/OjFkPchOq8
— ON (@ONTVEgy) January 8, 2024
ثالثًا: التعامل مع هذا الملف كـ”عصفورة” لإلهاء المصريين عن واقعهم المتدني ومشاكلهم الداخلية وفشل إدارة النظام لبعض الملفات، خاصة بعد تصاعد الاحتقان الشعبي جراء تردي الوضعية المعيشية وارتفاع معدلات التضخم والقفزات الجنونية في أسعار السلع والخدمات، بجانب الانتقادات الموجهة للنظام بسبب تخاذله عن دعم غزة في مواجهة حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال، حيث وصف الموقف المصري بالضعيف والمتخاذل، وهو ما أثر بشكل كبير على سمعة النظام وشعبيته.
رابعًا: اتخاذ اللاجئين كـ”شماعة” يعلق عليها النظام فشله في إنجاز بعض القضايا، حيث يحاول أنصار النظام من خلال تلك الحملة إيهام الشارع بأن السبب وراء الفشل الاقتصادي الراهن وتراجع نصيب المواطن من الخدمات والمرافق يعود إلى مزاحمة اللاجئين للمصريين في تلك الموارد المحدودة، وليست السياسات المتبعة التي لم تؤت ثمارها، وهي الحجج قصيرة العمر في ظل عدم قناعة غالبية الشعب المصري بتلك السرديات المضللة.
وفي الأخير فإن الحملة الحاليّة لن تكون الأخيرة كما أنها ليست الأولى، ومن ثم لا يتوقع أن تسفر عن شيء إلا المزيد من الدعم للوافدين والضيوف، فمصر رغم وضعها الاقتصادي الصعب تمثل البيت الكبير لكل ضيوفها، والبوتقة الأكثر صهرًا للجميع في أقصر وقت.