ترجمة وتحرير نون بوست
من بين أحد الآثار التي لا يدركها الكثيرون عن تأزم العلاقات بين قطر وجيرانها هو احتمال انخفاض القوة العسكرية الأمريكية في المنطقة. كما من المرجح أن تعيق هذه الأزمة الدبلوماسية واشنطن على دحر تنظيم الدولة. ويزداد ذلك بسبب وجود “قاعدة العديد” الجوية في قطر، التي يتم من خلالها القيام برحلات استطلاع وتزويد الأطراف المتدخلة في الحرب ضد تنظيم الدولة بالأسلحة في كل من سوريا والعراق.
عموما، ما يزيد من تعقيد الأمور المتعلقة بالأنشطة العسكرية الأمريكية في المنطقة وإضعاف موقف الولايات المتحدة، الاختلاف القائم بين ترامب ووزارة الخارجية والكونغرس الأمريكي حول كيفية المضي قدما فيما يتعلق بهذه الأزمة التي هزت مجلس التعاون الخليجي.
من ناحية أخرى، ما بدأ كقائمة تتضمن ثلاثة عشر مطالبا قدمت إلى الدوحة من قبل ست دول مجاورة، أهمها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، تحول إلى أزمة لا طائل منها، حيث رفضت قطر تلبية هذه المطالب، كما أنها تستعمل مواردها للتصدي لهذا الحصار.
ومن الأمثلة على المطالب الثلاثة عشر نذكر؛ قطع العلاقات مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية التي يجري بناؤها، فضلا عن وقف تمويل مجموعات مثل تنظيم الدولة والإخوان المسلمين، وقطع الإمدادات عن قناة الإعلام التي تديرها الدوحة، الجزيرة.
وبما أن قطر رفضت تلبية هذه المطالب، اتخذت الدول خطوات أخرى لعزل الدوحة، بما في ذلك قطع الروابط البرية والبحرية والجوية عن الدولة الغنية. ومع استمرار الأزمة في جذب الاهتمام الدولي، سارع الرئيس ترامب إلى الوقوف في صف المملكة العربية السعودية، مدعيا أن قطر نالت ما تستحقه بسبب دعمها للإرهاب. في الوقت نفسه، حاول وزير الخارجية ريكس تيلرسون حل النزاع في أسرع وقت يمكن.
طائرة مفخخة تابعة للقوات الجوية الأمريكية من طراز بي-52 ستراتوفورتريس تصل إلى قاعدة العديد الجوية، قطر في 9 أبريل/ نيسان سنة 2016.
نشرت القوات الجوية الأمريكية قاذفات من طراز بى – 52 إلى قطر للانضمام إلى الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وهي المرة الأولى التي يتخذون فيها مقرا لهم في الشرق الأوسط منذ نهاية حرب الخليج سنة 1991.
وبعد أسابيع من العمل مع الكويت، زار وزير الخارجية الأمريكي شخصيا المنطقة في محاولة منه لإطفاء فتيل النزاع. والجدير بالذكر أن تيلرسون وصف السعوديين بأنهم انتهازيون وأن الاتهامات بدعم الإرهاب تستخدم لإجبار الدول النفطية على تغيير سياستها الخارجية.
علاوة على ذلك، تعهدت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ برئاسة السيناتور الجمهوري، بوب كوركر، بأن الكونغرس لن يوافق على معظم صفقات الأسلحة البالغة قيمتها 110 مليارات دولار، التي أبرمها ترامب مع المملكة العربية السعودية، إلى أن يتم حل النزاع.
وفي حين لا يبدو أن هناك استجابة أمريكية متماسكة أو موحدة لاحتمال تفكك دول مجلس التعاون الخليجي، يشير الواقع المعيش ر إلى أنه في حال ظلت العلاقات داخل دول الخليج متأزمة فذلك سيُضعف قدرة الولايات المتحدة على محاربة تنظيم الدولة.
في الحقيقة، تستضيف قطر الجيش الأمريكي في “قاعدة العديد” التي تضم أكثر من 11 ألف جندي أمريكي، بالإضافة إلى كونها المقر الرئيسي للقيادة المركزية الأمريكية، التي تقود معركة التحالف بين دول متعددة ضد تنظيم الدولة.
أي إضعاف للقدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة يأتي في وقت حاسم، حيث أعلنت العراق مؤخرا عن تحرير الموصل من قبضة تنظيم الدولة
وعلى الرغم من أن مختلف المسؤولين الأمريكيين قد أكدوا أن هذا الخلاف الدبلوماسي لن يؤثر على جهودهم العسكرية الرامية لدحر تنظيم الدولة، إلا أن الحصار في الواقع أدى إلى تقديم دول صديقة للدوحة، مثل إيران وتركيا، إمدادات ومساعدات بما في ذلك الأطعمة والماشية.
من جانب آخر، يثير اعتماد دولة قطر المتزايد على إيران القلق خاصة بالنسبة للولايات المتحدة، التي تعتبر إيران تهديدا يحدق باستقرار المنطقة. ومع اعتماد قطر بشكل متزايد على الدول الأخرى من أجل الضروريات الأساسية، فإن قدرتهم على إدارة قواعدهم العسكرية وتأمينها يمكن، أن تضعف أيضا إلى حد ما. ولعل ذلك ما تؤكده حقيقة أن قطر تستورد 40 في المائة من المواد الغذائية من المملكة العربية السعودية.
وتجدر الإشارة إلى أن قاعدة العديد استخدمت لنشر 84 ألفا و139 ذم من العتاد العسكري ضد تنظيم الدولة اعتبارا من 29 أيار/ مايو. علاوة على ذلك، تقلع الطائرة وتهبط في القاعدة كل عشر دقائق لشن غارة جوية فوق العراق وسوريا. كما استخدمت القاعدة أيضا لتدريب المتمردين السوريين على محاربة النظام السوري وتنظيم الدولة، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كان هذا التدريب سيستمر مع قرار ترامب بإنهاء برنامج وكالة المخابرات المركزية حيال تسليح المتمردين.
وفي محاولة للحد من أي آثار سلبية يمكن أن تلقي بظلالها على عمليات دحر تنظيم الدولة، وقعت الولايات المتحدة وقطر مذكرة تفاهم بشأن مكافحة الإرهاب التي يأمل تيلرسون أن تساعد على حل الأزمة الدبلوماسية. وفي هذا الصدد، قال تيلرسون إن الاتفاق “يحدد سلسلة من الخطوات التي سيتبعها كلا الطرفين في الأشهر والسنوات القادمة لوقف تدفقات تمويل الإرهاب وتعطيلها، فضلا عن تكثيف أنشطة مكافحة الإرهاب على مستوى العالم”.
وعلى الرغم من أن الدولتين تقولان أنه تم العمل بما ينص عليه الاتفاق قبل فترة طويلة من بدء الصدع، إلا أن هذا الاتفاق يمكن أن تعتبره الولايات المتحدة أكثر دقة. وهو رد وزارة الخارجية في محاولتها لحل الأزمة ومعالجة مسألة تمويل الإرهاب بشكل أكثر جدية.
في الحقيقة، إن أي إضعاف للقدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة يأتي في وقت حاسم، حيث أعلنت العراق مؤخرا عن تحرير الموصل من قبضة تنظيم الدولة، فضلا عن إحراز تقدم في الرقة التي كانت تحت سيطرة هذا التنظيم، وفتور العلاقات مع تركيا بسبب الدعم الأمريكي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وحزب الشعب الكردستاني. وبالتالي، كل ذلك قد يجعل التدريب لمكافحة مقاتلي تنظيم الدولة تحديا.
في المقابل، تأتي هذه المرحلة في الوقت الذي يقوم فيه النظام السوري وحلفاؤه بدمج الأراضي وتحدي الولايات المتحدة على طول الحدود السورية العراقية في محاولة لربط البلدين. علاوة على ذلك، تريد إيران على وجه الخصوص إيجاد طريق بري آمن عبر العراق وسوريا لضمان قدرتها على توجيه الأسلحة والأفراد في جميع أنحاء المنطقة وتعزيز موقفها.
وعلى ضوء ذلك، يمكن لأي عملية إضعاف لقدرة الولايات المتحدة على العمل في المنطقة أن يضر بحملة دحر تنظيم الدولة والمشاريع اللاحقة للجيش لمنع الجماعات المتطرفة من التجذر من جديد بعد العمليات العسكرية.
كلما طال أمد هذا النزاع، زادت إمكانية فتكه بحملة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة
ولزيادة تعقيد الأمور، تفرض الإمارات العربية المتحدة والسعودية ضغوطا إضافية على الولايات المتحدة للوقوف إلى جانبهما. وفي هذا الصدد، قال السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة إنه يجب على الولايات المتحدة النظر في نقل قاعدتها الجوية من قطر لزيادة الضغط على الدولة الغنية بالنفط.
وفي سياق متصل، أضاف سفير دولة الإمارات العربية المتحدة، يوسف العتيبة، “أعتقد أن السبب وراء عدم اتخاذ إجراءات ضد قطر هو القاعدة الجوية، فهي بوليصة تأمين لطيفة جدا ضد أي ضغوط إضافية”. وبدلا من ذلك، اقترح العتيبة على الولايات المتحدة أن تنقل قاعدتها الجوية الرئيسية إلى الإمارات العربية المتحدة.
بالإضافة إلى الضغط الإقليمي الذي تمارسه بعض الدول على استخدام الولايات المتحدة لقاعدة العديد، أكد النقيب جيف ديفيس أن الأزمة الدبلوماسية يمكن أن تلحق الضرر بالعمليات المستقبلية، حيث قال “إن الوضع المتطور يعوق قدرتنا على التخطيط للعمليات العسكرية طويلة الأمد. ولا تزال قطر حاسمة بالنسبة للعمليات الجوية للتحالف في المعركة ضد تنظيم الدولة وفي المناطق المحيطة”.
وفي تقرير صدر مؤخرا، ذُكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة اخترقت حسابات قطر وزرعت البيانات الكاذبة التي كانت السبب في انطلاقة الأزمة. وبالتالي، سيعتبر أي تحرك الآن ضد قطر مؤيدا للبلدان التي تسببت في الأزمة. ومع قيام القيادة المركزية الأمريكية بتشغيل تحالف مناهض لتنظيم الدولة خارج قطر، الذي يضم السعودية والإمارات ومصر وتركيا وغيرها، فإن المعركة ضد هذا التنظيم ستحمل على الأرجح ضربة كبيرة.
وبينما تتشاجر الدول الأعضاء فيما بينها، فإن القدرات الأمريكية معرضة للخطر. علاوة على ذلك، لا ترسل الاختلافات الصارخة بين ترامب ووزارة الخارجية والكونغرس رسالة واضحة أو موحدة، علما بأن هذه المؤشرات غاية في الأهمية خاصة في الوقت الراهن. عموما، كلما طال أمد هذا النزاع، زادت إمكانية فتكه بحملة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة، ما يضر بشكل أكبر بموقف الولايات المتحدة في المنطقة في الوقت الذي تحدث فيه تغيرات حرجة.
المصدر: نيوزويك