ترجمة وتحرير نون بوست
بينما يحاول الجيش السوري السيطرة على آخر معاقل تنظيم الدولة في محافظة حمص، أعلنت قناة “سي إن إن” الأمريكية أن واشنطن تحث القوات العسكرية التي تخضع لسيطرة التحالف على محاربة تنظيم الدولة عوضا عن محاربة قوات الأسد. وفي هذا السياق، لسائل أن يسأل ما هي نوايا الولات المتحدة إزاء هذا الطلب؟
وفقا لوسائل إعلام أمريكية رسمية، دعت الولايات المتحدة قوات المعارضة المسلحة التابعة لها والتي تعمل إلى جانب قوات التحالف على تركيز جهودهم لمحاربة التنظيمات الإرهابية بدلا من محاربة بشار الأسد. وتجدر الإشارة إلى أن قناة “سي إن إن” نقلت ما جاء على لسان الكولونيل والمتحدث باسم التحالف الدولي، ريان ديلون، الذي أفاد أن “قوات التحالف تدعم فقط القوات التي تلتزم بمحاربة تنظيم الدولة”.
في المقابل، توجد بعض فصائل المعارضة السورية التي تعتزم مواصلة النضال في المستقبل ضد قوات الأسد. وفي هذا الإطار، صرّح الكولونيل ديلون في إشارة منه إلى خيارات بعض فصائل المعارضة السورية قائلا: “في حال اختاروا السعي لتحقيق أهداف مغايرة، لن يستمر التحالف في دعمهم”.
منذ فترة طويلة، فقدت واشنطن اهتمامها بدعم المعارضة السورية
في خضم كل ما يحدث، تمكّنت القوات الحكومية السورية من تحقيق عدة نجاحات. فعلى سبيل المثال، أعلنت قناة “الميادين”، يوم الخميس، بداية عملية تحرير مدينة السخنة (التي تبعد عن مدينة تدمر الأثرية حوالي 70 كيلومترا شرقا). وفي الواقع، تعد هذه المدينة المحطة الأخيرة لتنظيم الدولة في محافظة حمص خاصة وأنها تقع على الطريق السريع الإستراتيجي الذي يربط بين مدينيْ تدمر ودير الزور.
دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لقوات المعارضة السورية بالتوقف عن محاربة الأسد مجرد مجرد اقتراح جاء على خلفية المفاوضات
ووفقا للعديد من الخبراء الغربيين بالإضافة إلى وسائل الإعلام، تم التوصل إلى استنتاج مفاده أن واشنطن لم تعد مهتمة في الوقت الراهن بدعم المعارضة السورية. وفي السياق نفسه، ووفقا للعديد من الخبراء، لم يحقق البرنامج السري لوكالة الاستخبارات المركزية لدعم المعارضة السورية الذي بدأ العمل به سنة 2013 تحت إشراف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، أي نجاحات تذكر في الحرب ضد تنظيم الدولة. كما أن بعض المتدربين تمردوا وانضموا إلى صفوف تنظيم الدولة.
بحسب ما أعلنته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية حول قرار ترامب القاضي بإنهاء البرنامج السري لوكالة الاستخبارات المركزية لدعم المعارضة المسلحة السورية، فإن هذه الخطوة تعتبر بمثابة تنازل أمام روسيا. وتجدر الإشارة إلى أن بعض وسائل الإعلام الغربية اعتبرت أن هذا القرار بمثابة الخطوة الأولى للسياسة الأمريكية الجديدة التي سيتمّ إتباعها في سوريا.
هل هذا القرار إحدى نتائج مفاوضات هامبورغ؟
يدعو الخبير في العلوم السياسية والأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد، ألكسندر دومرين، إلى ضرورة التعامل بحذر شديد مع مثل هذه القرارات الأمريكية. ففي الوقت الذي تعتبر فيه روسيا الولايات المتحدة الأمريكية عدوا لها على خلفية العقوبات الجديدة التي تم فرضها ضدها، مثلت هذه الخطوة المتمثلة في “تراجع تأييد المعارضة السورية” مفاجأة بالنسبة لروسيا.
بالنسبة للخبراء، تحاول وسائل الإعلام الأمريكية معرفة ما إذا كانت القرارات التي تم اتخاذها حول سوريا خلال اللقاء الذي جمع بين بوتينوترامب على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ لها علاقة بقرار التوقف عن دعم المعارضة السورية التي تصر على الاستمرار في محاربة الأسد كأولوية لها، بدل محاربة تنظيم الدولة. وبطبيعة الحال، من المعروف أن ترامب يحظى بالعديد من الخصوم السياسيين ليس فقط في الكونغرس الأمريكي، وإنما أيضا في وسائل الإعلام الأمريكية المعارضة له. وعلى هذا الأساس، فإن بعض أعداء ترامب يعتبرون أن هذا القرار الأمريكي جاء جراء ضغط روسي على الولايات المتحدة على خلفية لقاء هامبورغ.
يمكن الإطاحة بالأسد بعد التخلص من تنظيم الدولة
وفقا لأنطون مارداسوف، الخبير في الشؤون العسكرية ورئيس قسم النزاعات الشرق أوسطية في معهد التنمية المبتكرة بموسكو، تعدّ دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لقوات المعارضة السورية بالتوقف عن محاربة الأسد مجرد مجرد اقتراح جاء على خلفية المفاوضات بشأن مناطق وقف التصعيد. وبالتالي، فإن هذه الدعوة قد لا تكون قائمة سوى على رغبة الولايات المتحدة في احترام الهدنة والتركيز على المعركة ضد تنظيم الدولة.
سيتم أولا التخلص من تنظيم الدولة خلال الأشهر القادمة، ثم سيحاول الأمريكيون بسط نفوذهم على أراضي الجنوب والجنوب الغربي السورية
من جهة أخرى، قال الخبير والباحث الروسي في مركز الاستشراق الروسي، فلاديمير إيساييف، “في حال ستتوقف الولايات المتحدة الأمريكية فعليا عن تقديم الدعم العسكري للمعارضة السورية وتمويلها، فإن الأمر سيكون حينها جدي للغاية. في المقابل، لم يتأكد إلى حد الآن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستُقدم على هذه الخطوة”.
في هذا الصدد، أضاف الخبير أن توقّع تصرفات ونوايا هذه الجماعات المسلحة أصبح يمثّل مصدر قلق كبير لواشنطن. علاوة على ذلك، يمكن اعتبار أن ما فعلته الإدارة الأمريكية الجديدة صائب للغاية. ففي حال عدم إتباع هذه الجماعات المسلحة للخطوات المطلوبة منها ، فستقوم الولايات المتحدة بالتأكيد بقطع إمدادات الأسلحة عنها.
في سياق آخر، أكد مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى سيمون باغداسروف قائلا: “كم مرة سمعنا هذه العبارة التي تؤكّد على أن مهمتنا الرئيسية تتمثل في محاربة تنظيم الدولة عوضا عن الأسد؟ وفي كل مرة يتم توجيه الاتهامات للأسد وتنفذ ضده هجمات عسكرية بحجة انتهاكه للخطوط الحمراء، مثلما حدث خلال واقعة الأسلحة الكيميائية منذ أشهر”.
وأضاف الخبير قائلا: “يجب التعامل مع الأمر بروية وهدوء، فأنا لا أصدق مثل هذه التصريحات”. وبحسب الخبير السياسي، فعلى الأرجح سيتم أولا التخلص من تنظيم الدولة خلال الأشهر القادمة، ثم سيحاول الأمريكيون بسط نفوذهم على أراضي الجنوب والجنوب الغربي السورية مما سيسهّل لاحقا مهمّة الإطاحة بالأسد.
المصدر: فزغلياد