يتوقع العالم حرباً عالمية ثالثة, ليس بداياتها الحقيقية في سوريا كما أشيع إنما في مضيق باب المندب, التي تحاول قوى عالمية وإقليمية الهيمنة والسيطرة عليها.
إذ رصدت مراكز أبحاث حديثاً لوزير الخارجية الأمريكي السابق “هنري كيسنجر” وهو يقدم ملاحظة واضحة أنّ التحدّي الأعظم أمام الشرق الأوسط هو “الهيمنة المحتملة على المنطقة من قبل إيران الإمبريالية والجهادية”. ومضى بالقول أنّ واشنطن يجب عليها أن “تكون واضحة أنّنا نعارض زيادة التوسع الإقليمي لإيران، وأنّ ما نطالب به إيران أن تتصرف كدولة، وليس مثل الحملات الصليبية”.
كسينجر يلخص الوضع القائم والدائر في البحر الأحمر ومحيطه, إن الصراع الإقليمي الدائر بين إيران من جهة والسعودية من جهة أخرى، أتاح للدول العربية ميزة تمثلت في التحكم في البحر الأحمر عبر إقامة قاعدتين الأولى للسعودية في جيبوتي والثانية للإمارات في اريتريا, لتتوسع أبو ظبي بعدها في إقامة القواعد العسكرية بامتداد على ضفتي البحر الملئ بالاحراش المرجانية والمواقع الجاذبة للعالم أجمع.
صراع محموم ويستعر يوماً بعد آخر في البحر الأحمر وخليج عدن, أساطيل عالمية, وحاملات طائرات, ليست آخرها “كول” الأمريكية, التي أصبح لها موطئ قدم بالقرب من باب المندب.. والتي أتت من جل الوقوف ضد مشاريع إيرانية كما قالت تقارير وتصريحات لمسؤولين أمريكيين.
أفصحت إيران عن أحد أهدافها الاستراتيجية, إذ أعلنت عزمها بناء قواعد بحرية في سوريا واليمن
في فبراير/شباط الماضي كشفت مجلة “جاينز” الأسبوعية المتخصصة بالأبحاث العسكرية، أن دولة الإمارات العربية المتحدة شرعت في بناء قاعدة عسكرية في الجزيرة، ونشرت المؤسسة صورة فضائية ليوم 14 يناير/ كانون الثاني 2017م والتي تبين وجود بناء الجديد لمدرج طائرات بطول 3200م على جزيرة ميون الواقعة في باب المندب.
وحوّل الإماراتيون بلدة “ذو باب” القريبة من باب المندب إلى قاعدة عسكرية يتحكمون فيها بالكامل، وهجروا جميع سكان البلدة البالغين نحو عشرة آلاف مواطن, ونقلوهم إلى خيام في منطقة صحراوية وفي ظروف قاسية, وحوّلوا مساكنهم إلى ثكنات عسكرية.
كما حوّلوا ميناء المخا إلى قاعدة عسكرية لهم, ووضعوا فيها نحو أربعمئة من قواتهم ومنعوا اليمنيين من الاقتراب منها، وأصبح الميناء حكرا عليهم تصل إليه سفنهم الحربية وإمداداتهم العسكرية.
وحسب تقرير لتلفزيون الجزيرة بُثّ في (16 يوليو/تموز) الجاري فـ”نتيجة لهذا الوضع، تمنع القوات الإماراتية صيد الأسماك -الذي يعتبر مصدر رزق معظم السكان- على طول الشريط الساحلي من باب المندب وحتى ميناء المخا”.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي, أفصحت إيران عن أحد أهدافها الاستراتيجية, إذ أعلنت عزمها بناء قواعد بحرية في سوريا واليمن، رافق إعلانها حملة إعلامية حكومية بأن ذلك يعتبر أفضل من القوة النووية, التي كان من الممكن أن تمتلكها الجمهورية, التي يديرها مجموعة من رجال الدين الطائفيين والاستبداديين ممن يطلقوا على أنفسهم ثوار العالم الإسلامي.
لإنشاء قاعدة بحرية في اليمن أهمية كبيرة لدى إيران, لوقوع سواحل اليمن على خط الشحن الاستراتيجي الذي يمر بمضيق باب المندب.. التواجد هناك سيعطيها ميزة الوصول غير المقيد إلى البحر الأحمر، وبناء قاعدة في اليمن سيمكنها من تقديم الدعم لوكلائها المتمردين الحوثيين، في ظل الحصار المفروض عليهم من دول التحالف العربي، خاصة بعد اضطرار السفن الحربية الإيرانية التي كانت تحمل شحنات من الأسلحة للتراجع إلى الوراء بعد ان اعترضتها سفن حربية أمريكية، واسترالية وفرنسية، ما جعل طهران تغير من مسار تهريب الأسلحة.
عملت الإمارات على إنشاء قواعد أخرى في الضفة الأخرى خصوصاً في دولة الصومال, التي عملت على بناء 3 قواعد عسكرية حسب تقارير إعلامية, إحداها في مدينة بربرة, والأمر نفسه في إرتيريا التي أصبح ميناء عصب الاستراتيجي تحت تصرف الإمارات, وتتخذ منه قاعدة تدريبية.
إيران واثقة من بناء تواجدها بطول سواحل الخليج العربي وخليج عمان، تخطيط إيران لإنشاء القاعدتين يرمي إلى مساعدتها لتوسيع نطاق أعمالها إقليمياً ودولياً
وأمام كل ذلك يوجد أيضاً طموح إيراني كبير لم يبدأ الآن في إقامة قاعدة عسكرية تابعة لها في البحر الأحمر, سعت عن طريق حلفائها الحوثيين بالسيطرة على المضيق ىالمهم, الطموح الإيراني له أبعاد ويتمحور حول ثلاثة محاور، الأول: لماذا تريد إيران وجود قاعدة لها في اليمن؟، الثاني: هل حقاً تستطيع إيران بناء قاعدة عسكرية بحرية وما قدراتها البحرية؟، الثالث: في حل واستمرت إيران في طموحها لبناء القاعدة البحرية كيف يمكن توقع ردة الفعل الدولي؟
القاعدة البحرية الإيرانية في اليمن
لا تقف طهران وحيدة, فهناك تحولات إقليمية ودولية، وبين الحين والآخر تعلن عن الدفع بسفن حربية إلى المياه الدولية في خليج عدن، حيث تتواجد قوات مشتركة من معظم دول العالم لمكافحة القرصنة وحماية مصالحها البحرية, ويرى مراقبون أن السفن الإيرانية بغض النظر عن أهدافها إلا أن تواجدها يكفله القانون الدولي، ولا يشكل أي خطر على الجمهورية اليمنية، كما أن تواجدها لا يعني قاعدة بحرية بمعناه العسكري.
أبرزت الاشتباكات الأخيرة في باب المندب الأهمية الكبيرة للبعد البحري في الحرب اليمنية, إضافة إلى دورها في تعزيز الصراع الإقليمي، ففي أكتوبر/ تشرين الأول استهدف الحوثيون بصواريخ موجهة (مصنعة إيرانياً) سفينة شحن إماراتية وبارجة عسكرية أمريكية (استهدفت البارجة ثلاث مرات) والتي كانت- وفقًا للبيت الأبيض- متواجدة في المنطقة من أجل “تنفيذ عمليات روتينية”. ودفع الهجوم الولايات المتّحدة للاشتراك في ضربات انتقامية “محدودة للدفاع عن النفس” ضد المنشآت المشاركة في الهجوم ودمرت رادارات للحوثيين على طول الشريط الساحلي للبحر الأحمر.
في نوفمبر/ تشرين الثاني تحدث محمد باقري رئيس هيئة الأركان الإيرانية أي بعد شهر ونيف من الاستهدافات الحوثية لمضيق باب المندب، ليعيد فتح الطموح الإيراني ضمن منظومة “مُخيلة” بالسيطرة على منافذ عالم البحار والبداية ستكون من “هُرمز” و”باب المندب”.
إذا استطاعت إيران تحقيق هدف إنشاء قاعدة لها في سوريا، سيوسّع ذلك من نفوذ البحرية الإيرانية على البحر المتوسط ويعزز من التواجد العسكري الإيراني بالقرب من السواحل الأوروبية. وسيساعد في إمداد حلفائها في لبنان وسوريا بالأسلحة دون العبور براً، كما أن تدهور علاقتها بأرتيريا والسودان (آخر سفينة إيرانية وقفت في ميناء سوداني كان بداية عام 2014م) ودول أفريقية قد يعطي قيام القاعدة في سوريا مجالاً حيوياً إيرانياً يعوضها عما فقدته من تسهيلات في أفريقيا.
تبدو إيران واثقة من بناء تواجدها بطول سواحل الخليج العربي وخليج عمان، تخطيط إيران لإنشاء القاعدتين يرمي إلى مساعدتها لتوسيع نطاق أعمالها إقليمياً ودولياً، من خلال زيادة وجودها على طول سواحل الخليج العربي وخليج عمان، وهي السياسة التي أعلنها الاميرال حبيب الله سياري قائد القوات البحرية الإيرانية في نوفمبر/ تشرين الثاني: “نحن نبني منطقتين بحريتين وثلاث قواعد بحرية على سواحل مكران، وهذا يتماشى مع سياستنا القائمة على العودة إلى البحر”. معلناً تزويد القوات البحرية الإيرانية بصواريخ محلية أرض أرض، وطائرات من دون طيار في البحر، ورادارات اعتراض.
يعرف المجتمع الدولي تواضع القوة البحرية الإيرانية ولذلك لن يكون هناك رد دولي حازم يستهدفها
وأشار سياري ايضا ان هذه ليست المرة الأولى لوجود أهداف لإيران خارج مياهها الإقليمية: “الأساطيل البحرية لدينا سوف تقوم بالدوران في المستقبل القريب، حول إفريقيا وعبر المحيط الأطلسي”. واضاف ان “المحيط الهندي له أهمية عالية لإيران”، وقال سياري أن “أمن المحيط الهندي وخليجي مهم جداً بالنسبة لنا والعالم، ولذلك أننا قادرون على ضمان الأمن في شمال المحيط الهندي لمنع أي انعدام الأمن هناك “.
وكان وزير الخارجية الأمريكي السابق “هنري كيسنجر” قد قدم ملاحظة واضحة أنّ التحدّي الأعظم أمام الشرق الأوسط هو “الهيمنة المحتملة على المنطقة من قبل إيران الإمبريالية والجهادية”. ومضى بالقول أنّ واشنطن يجب عليها أن “تكون واضحة أنّنا نعارض زيادة التوسع الإقليمي لإيران، وأنّ ما نطالب به إيران أن تتصرف كدولة، وليس مثل الحملات الصليبية”.
إن الصراع الإقليمي الدائر بين إيران من جهة والسعودية من جهة أخرى، أتاح للدول العربية ميزة تمثلت في التحكم في البحر الأحمر عبر إقامة قاعدتين الأولى للسعودية في جيبوتي والثانية للإمارات في اريتريا.
قدرة إيران على بناء قاعدة بحرية
بالحديث عن الطموحات الإيرانية بالسيطرة على المياه من الخليج إلى المحيط، يجب أن نتحدث هل إيران التي لم يخرجها الاتفاق النووي بعد من كل العقوبات المفروضة عليها قادرة على تحمل تكاليف هذا النوع من القواعد البحرية؟!
نشر حسین آرین الخبير العسكري الإيراني المتقاعد مقالاً يعلق على الوعد الذي قطعه باقري ببناء قواعد إيرانية في اليمن وسوريا، وقال إن تصريحاته عن تلك القواعد يشير إلى تخبط في الاستراتيجية البحرية لإيران، مدللاً على ذلك بتصريحات مماثلة للرجل بداية العام (2016) بأن إيران ستبني قواعد عسكرية في القارة القطبية الشمالية. فهل هذه هي الاستراتيجية البحرية الإيرانية حقاً؟ وما هي الاستراتيجية الإيرانية بالفعل؟!
إن احتياجات القواعد العسكرية الخارجية الدائمة في مياه الدول الأخرى، مشيراً إن ذلك يختلف بشكل كبير عن المساعدة في حماية البحار العالمية من القرصنة. ولا تملك إلا عدد قليل من كبار دول العالم مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين والهند وروسيا قواعد عسكرية دائمة مع أنه من غير الواضح بشأن الصين والهند وروسيا.
يقول الخبير العسكري الإيراني إن على قوات بلاده إصلاح السفن المتهالكة وتطوير الصناعات البحرية بدلاً من الحديث عن قواعد دائمة خارج البلاد تكون مكلفة جداً، وتملك إيران اسطولاً متهالك من السفن من عهد الشاه، ولا تملك إلا أربع مدمرات بالإضافة إلى ثلاث سفن وكلها بنتها بريطانيا قبل 45 عاماً، إضافة إلى غواصة روسية تملكها البحرية قد تكون موجودة في إيران أو في خارجها.
حالياً لن تفكر إيران ببناء قاعدة بحرية وسط المياه اليمنية على الأٌقل كما تشير بياناتها البحرية، لكن وفي حال حدث أمر كهذا برضى وموافقة الحوثيين فإن الحرب العالمية الثالثة ستبدأ في مضيق باب المندب
يصف آرین الاستراتيجية الإيرانية “بالوهم” وقال إن التفكير اقتصادياً وعسكرياً في السيطرة على المثلث الذهبي “مضيق ملقا، مضيق باب المندب، ومضيق هرمز” لا يشمل فقط التفكير في القواعد العسكرية بل ينعكس بشكل أساسي على الصناعات البحرية الإيرانية. التي لا تملك أي قدرة عسكرية لتدافع عن نفسها بدلاً من التواجد في قاعدة عسكرية دائمة.
الموقف الدولي من التصريحات الإيرانية
ويرى ياؤو غوزانسكي الباحث في معهد هوفير التابع لجامعة ستانفورد الأمريكية، إن أحدث تصريحات إيران، على الأقل في المدى القصير، هي في معظمها سياسية المواقف، ونوع من دبلوماسية البوارج تستهدف الجمهور المحلي. فتوقيت إعلانها التوسع عبر بيان شهر نوفمبر نجد طهران تريد ان توحي أيضاً بأن انتخاب دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة سيضع الإيرانيين على حافة الهاوية.
يعرف المجتمع الدولي تواضع القوة البحرية الإيرانية ولذلك لن يكون هناك رد دولي حازم يستهدفها، لكن مجرد التصريحات والتكتيكات الإيرانية المستمرة في تهديد المجتمع الدولي يعطي انطباعاً أن الاتفاق النووي معها يفتح شهية النخبة الدينية نحو التوسع وفرض الهيمنة الإقليمية ما يوقف حالة عدم الاستقرار في المياه الدولية. وفي الحقيقة، تشير التقارير إلى عدد من الحوادث الخطيرة بين القوات البحرية الأمريكية وقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني في الخليج، والتي زادت بنسبة 50% في العام الماضي، بعد توقيع اتفاقية خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي).
وكانت الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما قد نأت بنفسها بعيدا عن المواجهة مع إيران في جميع الحالات تقريباً، واختارت البحرية الأمريكية عدم الاستجابة لاستفزازاتها المتزايدة في الخليج العربي, من قبل بحرية فيلق الحرس الثوري الإيراني. واعتبارا من شهر سبتمبر/أيلول عام 2016، كان هناك 31 احتكاكاً غير آمن مع السفن الإيرانية في الخليج العربي، والتي ارتفعت من 23 في عام 2015، وفقا للبحرية الأمريكية، وان ذلك مدعاة لأن يكلف واشنطن مصداقيتها كقوة معارضة لطهران.
حالياً لن تفكر إيران ببناء قاعدة بحرية وسط المياه اليمنية على الأٌقل كما تشير بياناتها البحرية، لكن وفي حال حدث أمر كهذا برضى وموافقة الحوثيين فإن الحرب العالمية الثالثة ستبدأ في مضيق باب المندب، ولن تنتهي في مضيق هرمز أو طهران بل ستتوسع لتشمل معظم المناطق البحرية.