ترجمة وتحرير نون بوست
مصر تنحدر في دوامة من التطرف وعدم الاستقرار. منذ الانقلاب العسكري في الصيف الماضي، قام النظام المدعوم من الجيش في مصر باستخدام القوة الوحشية لإعادة السلام و إدارة مرحلته “الانتقالية نحو الديمقراطية”. لكن سياسته القمعية التي وصلت إلى القضاء على معارضيه السياسيين (القضاء عليهم فعليا)، واعادة الاستقرار وإنهاء الاستقطاب الحاد أتت بنتائج عكسية تماما.
تم قتل أكثر من 1400 متظاهر منذ يوليو الماضي وفقا لتقديرات منظمة العفو الدولية، في حين تم اعتقال الآلاف من المحتجين، فيما لم تهبط وتيرة العنف على الإطلاق.
أثناء حكمهم لعام واحد قبل الانقلاب العسكري، ارتكب الرئيس السابق محمد مرسي والإخوان المسلمون أخطاء جسيمة، لكنهم كانوا -بالرغم من تلك الأخطاء- منتخبين بشكل ديمقراطي شرعي، لذلك كان ينبغي التعامل معهم من خلال نفس الوسائل التي جاءت بهم إلى السلطة: صناديق الاقتراع. لكن الحكومة المدعومة من الجيش اختارت إزالة أقوى خصومها من خلال شيطنتهم إعلاميا والقيام بحملات اعتقال واسعة النطاق، وعقد محاكمات صورية. كما أن الحكومة أعلنت الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وقيدت الاحتجاجات والتعبير عن الرأي بشدة عبر تهديدات بالسجن والغرامات الباهظة. نشطاء شباب مثل أحمد ماهر وأحمد دومة تم سجنهم، لقد قُمعت المعارضة بوحشية.
لقد فوجئت بأن أجد اسمي بين الأكاديميين والصحفيين المستهدفين من قبل النظام. في أوائل عام 2011 عدت إلى مصر بعد سنوات من التدريس في الولايات المتحدة. ومثل العديد من المغتربين، كنت أشتاق لمصر جديدة! خالية من الفساد والقمع. وبدافع من حرصي على استقلالي الأكاديمي، قررت عدم الانضمام لأي جماعة سياسية، لكنني اندمجت مع جيل الشباب الذي اخترق حواجز الخوف وحارب من أجل الديمقراطية.
ومع تلاشي آمالنا بمصر حرة وديمقراطية في ظل عودة الاستبداد، أعربت عن معارضتي لاستيلاء الجيش على السلطة والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وجهت العديد من الانتقادات للدولة الأمنية التي أثرت غضبها، اتهمتني بالتجسس، والتخريب واتهامات أخرى تنافي المنطق!
غادرت مصر مؤخرا مع يقيني بأنني لن أحصل على محاكمة عادلة نظرا للأوضاع غير الإنسانية التي يتعرض لها السجناء السياسيين في ظل غياب سيادة القانون وعدم جدوى الإجراءات القانونية في إطار القضاء المسيس غير المستقل.
في مصر اليوم، لا يُسمح بسردية غير تلك الموالية للنظام. أولئك الذين عارضوا الدستور الجديد، الذي صاغته لجنة منحازة لم تضم معظم القوى الشعبية تم تعيينها من قبل قادة الانقلاب، اعتُقلوا واعتُبروا خونة! تم تمرير الاستفتاء على الدستور بـ98٪ من الأصوات، مثل أصوات صدام حسين الرئاسية!!
يكرس الدستور الحالي الامتيازات الهائلة للجيش، ويحصن وزير الدفاع من العزل من قبل الرئيس، كما أنه يجعل فترة ولايته لفترتين مثل الرئيس تماما.
في الآونة الأخيرة تم اعتقال ومحاكمة 20 صحفيا، هذا دليل واضح على تدهور حرية الإعلام، وحتى الآن ما زالت تكتيكات النظام فاشلة في استعادة الاستقرار. تظاهرات حاشدة لا تزال تحدث كل يوم تقريبا. للأسف، أنتجت تلك التكتيكات المزيد من الاستقطاب والانقسام الاجتماعي، ومحولة المجتمع المصري إلى مجتمع غريب!
أخبار مثل إبلاغ رجل عن زوجته بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان، والدليل صورة لها تقوم بعمل إشارة رابعة، وإبلاغ أم عن ابنها تتهمه بالانتماء لحركة شباب 6 إبريل صارت معتادة في مصر! من المحتمل أن تزيد حوادث مثل تلك في ظل الأجواء السياسية المشحونة.
السردية التي ترعاها الدولة تصور الجنرال عبدالفتاح السيسي بطلا قوميا أنقذ مصر من الجماعة المدعومة من الولايات المتحدة: الإخوان المسلمين. الشوفينية الوطنية ودعوات عداء الولايات المتحدة تأخذ في الارتفاع. مصطفى بكري، الصحفي المعروف المؤيد للسيسي هدد بذبح الأمريكيين في الشوارع إذا اغتيل السيسي!!
إذا تم انتخاب السيسي رئيسا هذا الربيع، من المتوقع أن يحاول تعزيز سلطاته. لكن مع تدهور الاقتصاد المصري من المتوقع أن تزداد الاحتجاجات الشعبية ويتسع العنف العشوائي خصوصا بين الشباب والعناصر المتطرفة.
لتجنب المزيد من عدم الاستقرار والانحدار نحو العنف، يجب على قادة الانقلاب التوقف عن استخدام القمع وسفك الدماء لتحقيق أهدافهم السياسية. الطريق الوحيد للمضي قدما وبشكل مستدام هو إعادة فتح الفضاء السياسي لجميع جماعات وأحزاب المعارضة واستعادة السيطرة المدنية على العملية الديمقراطية. يجب بذل جهود حقيقية للمصالحة الوطنية وأن تشمل تلك الجهود خطوات مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين وإنهاء شيطنة، والتحريض على كراهية، المعارضين السياسيين، ووقف العنف الوحشي ضد المتظاهرين والانخراط في حوار جدي لإيجاد حلول سياسية للأزمة الحالية.
لقد كانت الولايات المتحدة هي الراعي الأساسي للنظام المصري لعقود، والدور الأمريكي هو دور بالغ الأهمية. المصريين المؤيدين للديمقراطية يذكرون خطاب الرئيس أوباما في القاهرة عام 2009 الذي وعد فيه بدعم الديمقراطية شاجبا الحكم الاستبدادي. تصريحات المسؤولين الأمريكيين حاليا من أن مصر تقف على المسار الصحيح للديمقراطية تناقض توجه أوباما بشكل حاد.
بموجب قوانين الولايات المتحدة، يجب على جون كيري أن يشهد في الكونغرس أن الحكومة الموالية للانقلاب العسكري تتجه نحو التحول الديمقراطي للحفاظ على المساعدات الأمريكية لمصر. الأحداث في مصر منذ الصيف الماضي تشير بشكل واضح إلى أن الديمقراطية وسيادة القانون في تراجع خطير. يجب أن يبلغ كيري الجنرالات في مصر أن الولايات المتحدة لا تستطيع تمويل النظام الذي يقتل المتظاهرين السلميين، يعذب المعتقلين السياسيين، يعتقل الصحفيين، يخنق المعارضة ويعود بالحكم العسكري القمعي إلى رأس السلطة.
إن مزيدا من إراقة الدماء والقمع لن يؤدي إلى استقرار مصر، بل إن المرجح أن يثير عنفا مضادا! مفتاح الاستقرار هو التمسك بالقيم الديمقراطية الأساسية واستعادة السيطرة المدنية على العملية السياسية بأسرع وقت.
المصدر: واشنطن بوست