أثارت الصور والتصريحات التي أطلقها رئيس الحكومة “الإسرائيلية” في أثناء استقباله لحارس أمن السفارة الذي قتل مواطنين أردنيين وأُطلق سراحه دون محاكمة، غضبًا واسعًا في الأردن المرتبط بمعاهدة سلام مع “إسرائيل” منذ العام 1994.
إذ قال رئيس الحكومة “الإسرائيلية” نتنياهو في أثناء لقائه بحارس الأمن: “سعيد برؤيتك وبأن الأمور انتهت بهذا الشكل، تصرفت بشكل جيد، وكان لزامًا علينا إخراجك من هناك، لم يكن ذلك قابلًا للنقاش ولكن كانت مسألة وقت فقط”، وأضاف “أنا سعيد أنه كان وقتًا قصيرًا، أنت تمثل دولة “إسرائيل”، ودولة “إسرائيل” لا تنسى هذا ولو للحظة“.
مظاهرات وغضب أردني
تظاهر مئات الأردنيين أمس الجمعة في منطقة الرابية قرب السفارة “الإسرائيلية” في عمان تعبيرًا عن غضبهم لقتل رجل أمن إسرائيلي في السفارة مواطنيْن أردنيين قبل أيام، مطالبين بطرد السفيرة وإلغاء معاهدة السلام مع “إسرائيل”.
الاضطرابات والاحتجاجات الجماهيرية في الأردن ستمثل عامل ضغط على الحكومة الأردنية لوقف العمل بالعقود الموقعة مع “إسرائيل” وبالأخص في قطاع الغاز
وندد المتظاهرون بوجود سفارة لـ”إسرائيل” في الأردن، ورفعوا شعارات تطالب بإغلاقها، ورفعوا لافتات كتب عليها “الرابية بدها تحرير من رجس الصهيونية”، “نطالب بطرد السفير وإغلاق السفارة”، “اغلقوا وكر القتلة”، وغيرها من العبارات الأخرى المنددة بـ”إسرائيل”، وشهد محيط السفارة انتشارًا أمنيًا كثيفًا، وحاول رجال الأمن إبعاد المشاركين في الوقفة التي كانت تبعد مئات الأمتار عن مقر السفارة.
اجتماع نتياهو بقاتل المواطنين الأردنيين وسفيرة “إسرائيل” في عمان
في هذه الأثناء وكرد فعل أولي على الواقعة، أكدت الحكومة الأردنية أنها لن تسمح بعودة السفيرة الإسرائيلية في عمان إلا بعد أن تفتح تل أبيب تحقيقًا جديًا في حادثة مقتل الأردنيين كما ورد في وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر حكومي رسمي، ويأتي هذا بعد يوم من انتقادات وجهها الملك الأردني عبد الله الثاني لرئيس الوزراء “الإسرائيلي” نتنياهو.
حذر الملك خلال اجتماعه مع كبار المسؤولين الأردنيين يوم الخميس الماضي من أن أسلوب التعامل مع الواقعة سيكون له أثرًا مباشرًا على العلاقات بين الجانبين، ودعا نتنياهو للالتزام بمسؤولياته واتخاذ إجراءات قانونية تضمن محاكمة القاتل وتحقيق العدالة، بدلًا من التعامل مع هذه الجريمة بأسلوب الاستعراض السياسي بغية تحقيق مكاسب سياسية شخصية.
“إسرائيل” والأردن ترتبطان بشراكات في ثلاثة مجالات رئيسية هي: الطاقة والصناعة والمواصلات
وقال الملك معلقًا على سلوك نتنياهو تجاه حارس الأمن الذي استقبله استقبال الأبطال لدى عودته إلى “إسرائيل” لتمتعه بالحصانة الدبلوماسية: “هذا التصرف المرفوض والمستفز على كل الصعد يفجر غضبنا جميعًا ويؤدي لزعزعة الأمن ويغذي التطرف في المنطقة”، وتعهد بتكريس كل جهود الدولة الأردنية لتحصيل حق القتيلين الأردنيين وتحقيق العدالة، وأضاف الملك “لن نتنازل أو نتراجع عن أي حق من حقوقهما وعن حقوق مواطنينا، وسيكون لتعامل “إسرائيل” مع قضية السفارة ومقتل القاضي زعيتر وغيرها من القضايا أثر مباشر على طبيعة علاقاتنا“.
وفي أولى محاولات “إسرائيل” لاحتواء الموقف الأردني الغاضب، أعلنت الخارجية الإسرائيلية أمس الجمعة أنها ستجري عملية فحص بشأن تفاصيل الحادثة مطلع هذا الأسبوع، وأن المدعي العام الإسرائيلي وبالتنسيق مع المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أوعز للجهات المختصة بتسليمه المواد المتوفرة لديها والمتعلقة بالحادثة، وستقوم في إطار العلاقات بين “إسرائيل” والأردن بإطلاع الأردن على التطورات ونتائج الفحص.
في الأثناء سلمت وزارة الخارجية الأردنية أمس الجمعة، عبر القنوات الدبلوماسية ملف التحقيق بحادثة السفارة، وذكرت الخارجية، في بيان رسمي، أن تسليم الملف يأتي تمهيدًا لمحاكمة القاتل طبقًا للمادة 31 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وفي حدود الجرائم التي ارتكبها.
تهديد بخسائر كبيرة
تعلم “إسرائيل” جيدًا أن التعنت في موقفها مع الجانب الأردني سيضر علاقاتها مع بلد جار ومهم بالنسبة لها على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي بدرجة كبيرة، حيث حذرت تقديرات “إسرائيلية” من تداعيات مظاهر غضب الشارع الأردني على الشراكات الاقتصادية بين البلدين عقب جريمة قتل المواطنين، بالإضافة إلى تصريحات الملك الأردني عبد الله الثاني بعد استقبال نتنياهو للقاتل والتصريحات التي أدلى بها.
ورأى مراقبون أن الاحتجاجات الجماهيرية المحتملة في الشارع الأردني لها آثار سلبية على المشاريع الاقتصادية المشتركة التي عكف المستثمرون على تدشينها خلال السنوات الماضية، وفي تقرير بالصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية “كالكليست” أشارت الصحيفة إلى أن “إسرائيل” والأردن ترتبطان بشراكات في ثلاثة مجالات رئيسة وهي: الطاقة والصناعة والمواصلات، وذكر التقرير أن انفجار الاحتجاجات الجماهيرية يمكن أن يؤثر سلبًا على التزام الحكومة الأردنية باحترام تنفيذ عقدين لشراء الغاز من “إسرائيل”.
إذ تقوم إسرائيل بتروريد الغاز إلى الأردن منذ نصف عام تقريبًا بناءً على عقد وقعته شركة “نوبل إنيرجي” الأمريكية التي تسهم في استخراج الغاز من حقل تمار الموجود في فلسطين المحتلة مع شركة “بوتاس” الأردنية، وينص على شراء الأردن الغاز من “إسرائيل” لمدة 15 عامًا.
وإضافة إلى ذلك العقد، فقد تم التوصل العام الماضي إلى عقد ثان بين “نوبل إنيرجي” التي تسهم، إلى جانب شركة إسرائيلية في استخراج الغاز من حقل “ليفيتان”، وشركة الكهرباء الأردنية بقيمة 10 مليارات دولار، وتبلغ مدته 15 عامًا أيضًا.
تحاول “إسرائيل” في الآونة الأخيرة أن تكون لاعبًا استراتيجيًا في مجال الطاقة بالمنطقة، عبر استخراج الغاز وبيعه للدول المجاورة وتصديره إلى أوروبا عبر اتفاقية مع دول مثل تركيا لمد خطوط غاز إليها.
وتقتضي هذه الاتفاقات الحفاظ على أجواء سياسية متوازنة مع دول الجوار وعدم إغضاب الحكومات، إذ من شأن المشاكل أن تمثل تهديدًا جيواستراتيجيًا لمشاريع “إسرائيل” في مجال الطاقة وتطوير هذا القطاع عبر البحث عن مزيد من الحقول في عرض البحر.
حيث شددت الصحيفة الإسرائيلية الاقتصادية على أن تفجر الاضطرابات والاحتجاجات الجماهيرية في الأردن سيمثل عامل ضغط على الحكومة الأردنية لوقف العمل بالعقد الأول في حقل تمار وعدم تطبيق العقد الثاني في حقل ليفيتان، وهو ما يعني أن الحكومة الإسرائيلة ستكون عاجزة عن مواصلة تطوير قطاع الطاقة، وسيفضي تراجع الأردن عن الوفاء بتنفيذ العقدين إلى توقف أعمال بدأت بالفعل لتطوير عدد من حقول الغاز، وإلى جانب الغاز هناك مشاريع نقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت فيما يعرف بناقل البحرين، ويعد شراء الغاز الإسرائيلي ونقل البحرين من أبرز محاور التعاون على الصعيد الرسمي.
تقوم “إسرائيل” بتوريد الغاز إلى الأردن منذ نصف عام تقريبًا بناء على عقد وقعته شركة “نوبل إنيرجي” الأمريكية التي تستخرج الغاز من حقل تمار الإسرائيلي وينص على شراء الأردن الغاز من “إسرائيل” لمدة 15 عامًا
بالمثل من المتوقع أن تتضرر العلاقات التجارية بين البلدين، إذ تمر السلع الإسرائيلية عبر الأردن لنقلها إلى دول عربية، حيث تنقل تلك السلع من ميناء حيفا بواسطة قطارات تتحرك باتجاه مدينة بيسان القريبة من الحدود الفلسطينية الأردنية ومنها للأردن ومن هناك لدول عربية وفق تقارير إسرائيلية، كما من المتوقع أن تكون أكثر الأضرار الشراكة الاقتصادية بين الأردن و”إسرائيل” منطقة التجارة الحرة التي يتم بناؤها حاليًا في منطقة الشيخ حسين على الحدود بين الجانبين.
الملك يقول إن أسلوب التعامل مع واقعة السفارة سيكون له أثر مباشر على العلاقات بين الجانبين
وفيما يخص المنتجات الزراعية فـ”إسرائيل” تعمد إلى تصدير بعض المنتجات الزراعية من خضار وفواكه إلى الأردن، ومن جهة أخرى يصدر الأردن سلعًا زراعية إلى “إسرائيل”، وسبق لأعضاء في لجنة مقاومة التطبيع، يعملون في السوق المحلية وتجارة الخضار والفواكه، رصدهم للسلع القادمة من “إسرائيل” للأردن، ولجنة المقاومة هي تجمع النقابات المهنية التي تشمل قوى المجتمع المدني والتي تضم أحزابًا ونقابة وبرلمانيين ونشطاء، ويحول الرفض الشعبي للتطبيع الاقتصادي بين البلدين دون نمو حجم المبادلات التجارية بين الجانبين واللذين وقعا اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري في العام 1995.
انخفضت قيمة البضائع المستوردة من “إسرائيل” من 63 مليون دينار عام 2010 إلى 40 مليون دينار عام 2014
حيث لا تزال لجنة مقاومة التطبيع ترفض شراء الغاز من الاحتلال الإسرائيلي، وتظهر الأرقام أن قيمة مستوردات الأردن من البضائع الإسرائيلية انخفضت بعد عام من العدوان على غزة بأكثر من الثلث، إذ بلغت 92 مليون دينار في عام 2009، وألزمت وزارة الزراعة الأردنية في يوليو/تموز عام 2009 مستوردي الخضار والفواكه من “إسرائيل” بوضع بيان على عبوات الخضار يتضمن معلومات عن منشأه.
التبادل التجاري بين “إسرائيل” والأردن
بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة في الأردن، فقد انخفضت قيمة البضائع المستوردة من “إسرائيل” من 63 مليون دينار عام 2010 إلى 40 مليون دينار عام 2014.
وتتصدر الألبسة والأنسجة قائمة أكثر من مئة صنف من السلع يتبادلها الأردن و”إسرائيل”، حسب ما تظهره الأرقام الرسمية، وتظهر الأرقام أن الأردن استورد خلال الـ20 سنة الماضية ألبسة وأنسجة ومستلزماتهما من “إسرائيل” بقيمة 657 مليون دينار تشكل أكثر من نصف إجمالي قيمة مستوردات المملكة من البضائع الإسرائيلية، البالغ قيمتها 1.33 مليار دينار، بينما صدّر الأردن ألبسة وأنسجة إلى “إسرائيل” خلال نفس الفترة بقيمة 520 مليون دينار، تشكل 45% من إجمالي قيمة صادرات المملكة إلى “إسرائيل”، البالغ قيمتها 1.15 مليار دينار.
يحول الرفض الشعبي للتطبيع الاقتصادي بين البلدين دون نمو حجم المبادلات التجارية بين الجانبين واللذين وقعا اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتجاري في العام 1995
ويأتي الورق ومنتجاته في المرتبة الثانية، إذ بلغت قيمة مستوردات الأردن منها 136 مليون دينار تشكل ما نسبته 10% من قيمة مستوردات المملكة من “إسرائيل” خلال الـ20 العام الماضية، فيما صدّر الأردن منتجات ورقية إلى “إسرائيل” خلال نفس الفترة بقيمة 10 ملايين دينار، تشكل أقل من 1% من إجمالي قيمة صادرات المملكة إلى “إسرائيل”.
يلي ذلك اللدائن والآليات، إذ بلغت قيمة مستوردات الأردن منهما 77 مليون دينار و46.2 مليون دينار على الترتيب، وصدر الأردن لدائن وآليات إلى “إسرائيل” بقيمة 54 مليون دينار و32 مليون دينار، وفي وقت بلغت قيمة مستوردات الأردن من منتجات “إسرائيل” الزراعية خلال 20 عامًا 9.5 ملايين دينار، تجاوزت قيمة صادرات الأردن الزراعية إلى أسواق “تل ابيب” خلال نفس الفترة مبلغ 108 ملايين دينار.
في المحصلة فإن حفاظ “إسرائيل” على صادراتها وعلاقاتها التجارية والاستثمارية مع الأردن سيحتم عليها الحفاظ على علاقاتها مع الأردن واحتواء الموقف الشعبي الغاضب من رجل الأمن الإسرائيلي، ومن الوراد أن تتخذ “إسرائيل” إجراءات ولو شكلية ضد قاتل المواطنين الإسرائيليين لإرضاء جارتها الأردن وإطفاء الغضب في الشارع.