تنطلق اليوم في العاصمة البحرينية المنامة فعاليات الاجتماع الثالث لدول الحصار الأربعة (السعودية – الإمارات – مصر – البحرين) لمناقشة آخر المستجدات المتعلقة بالأزمة الخليجية وذلك في ضوء تمسك الدوحة بمواقفها الثابتة والمعلنة حيال الشروط والمطالب المفروضة عليها في هذا الشأن.
اجتماع المنامة هو الثالث لدول الحصار منذ انطلاق الأزمة في الخامس من يونيو الماضي حين أقدمت الدول الأربعة على قطع العلاقات مع قطر، وذلك بعدما فشل اجتماعي القاهرة وجدة، في تقديم حلول عملية للخروج من المأزق الخليجي العربي الراهن، رغم تعدد جهود الوساطة الإقليمية والدولية، كما أنه يأتي بعد أيام قليلة من إعداد الرباعي العربي قائمة ثانية لما أسمتهم بـ”الإرهابيين” ضمت 9 شخصية و9 مؤسسات على علاقة بقطر.
تساؤلات عدة تفرضها جولة المنامة التي من المقرر لها أن تستمر يومين، السبت والأحد، لعل أبرزها ما يتعلق بالأوراق التي تملكها دول الحصار ضد الدوحة خاصة بعدما ألقت بمعظم ما لديها من وسائل ضغط في الجولة الأولى، في مقابل مدى قدرة قطر على الثبات على موقفها وما تحتفظ به من وسائل للتصعيد.
تقييم الموقف القطري
اجتماع المنامة يعكس وبشكل واضح “اهتمام الدول الأربعة بتنسيق مواقفها والتأكيد على مطالبها من قطر، وتقييم مستجدات الوضع ومدى التزام الدوحة بالتوقف عن دعم الإرهاب والتدخل السلبي في الشؤون الداخلية للدول الأربعة” حسبما أشار بيان وزارة الخارجية المصرية أمس الجمعة.
مشاركة وزير الخارجية المصري سامح شكري، في الاجتماع جاء في إطار “ما تم الاتفاق عليه بين وزراء خارجية الدول الأربعة خلال اجتماعهم بالقاهرة في 5 من يوليو/تموز الحالي، بأن يعقدوا اجتماعهم التشاوري اللاحق في البحرين نهاية الشهر الحالي”.
أما عن الهدف الواضح من المؤتمر، كما أشار المستشار أحمد أبو زيد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، فيتمثل في “استمرار التنسيق والتشاور بشأن الأزمة مع قطر، ومتابعة مدى التزامها بتنفيذ مطالب الدول الأربعةم”، ما يؤكد وفق رؤيته “تمسك الدول الأربعة بموقفها تجاه قطر”، منوهًا إلى عدم وجود أي مساومات في هذه المسألة.
أبو زيد في مداخلة هاتفية مع برنامج “الجمعة في مصر”، المذاع على فضائية (mbc مصر) السعودية، أوضح أن هناك اتصالات مكثفة عقدتها خارجية دول الحصار مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية من أجل تعزيز موقف تلك الدول في الأزمة والتأكيد على تمسكها بمطالبها المقدمة لقطر، على حد قوله.
يذكر أنه في الثاني والعشرين من يونيو الماضي، قدمت دول المقاطعة لقطر قائمة تضم 13 مطلبًا لإعادة العلاقات معها، من بينها إغلاق قناة “الجزيرة”، وأمهلتها 10 أيام لتنفيذها، غير أنها قوبلت بالرفض من جانب الدوحة التي علقت عليها بأنها “ليست واقعية ولا متوازنة وغير منطقية وغير قابلة للتنفيذ”.
وردًا على الرفض القطري عقد وزراء خارجية الدول الأربعة اجتماعهم الأول في القاهرة، في الخامس من يوليو الحالي، أسفر عن توجيه تحذيرات لقطر، دون تبني خطوات تصعيدية واضحة ضدها، مع تخفيض حزمة المطالب الـ13 إلى 6 مبادئ عامة.
زيارة تيلرسون للمنطقة هي الثانية له منذ انطلاق الأزمة وتأتي بعد يوم واحد فقط من انتهاء مؤتمر المنامة، مما يعني أن هناك رسالة جديدة قد يحملها الوزير الأمريكي لطرفي الأزمة
قلق أمريكي
المؤتمر المزمع عقده في المنامة اليوم وغدًا يأتي بعد ساعات قليلة من إعراب واشنطن عن قلقها إزاء ما وصلت إليه الأزمة الخليجية في ظل تشبث كل طرف بمواقفه التي أعلنها قبل ذلك، وهو ما جاء على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت، التي أبدت استعداد أمريكا، للمساعدة لدعم جهود الوساطة الكويتية بين قطر ودول الحصار الأربع.
نويرت، في مؤتمر صحفي عقدته بالأمس، قال: “نحن نحث على إجراء محادثات مباشرة بين جميع الأطراف لأننا نعتقد أنه من أجل حل الموقف، وهو يحتاج بالفعل إلى حل، عليهم أن يجلسوا معًا لإجراء حوار مباشر، ونحن مستعدون للمساعدة وندعم جهود وساطة أمير الكويت ونأمل أن تجتمع هذه الدول لبدء محادثات، ونعتقد أنهم يقتربون من العمل سويًا”.
واستمرارًا لجهود الوساطة الأمريكية، كشفت أيضًا عن زيارة أخرى من المقرر أن يجريها وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، للكويت، بعد غد الإثنين، مضيفة: “ما زلنا نشعر بقلق بالغ تجاه الوضع القائم بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي”.
زيارة تيلرسون للمنطقة والتي تعد الثانية له منذ انطلاق الأزمة تأتي بعد يوم واحد فقط من انتهاء مؤتمر المنامة مما يعني أن هناك رسالة جديدة قد يحملها الوزير الأمريكي لطرفي الأزمة، وهو ما أكدت عليه نويرت بقولها “توجد أفكار مختلفة مقترحة ولكن لن أشرح ما هي”، وذلك ردًا على سؤال أحد الصحفيين خلال مؤتمر الأمس عما إذا كانت واشنطن قد اقترحت أي إطار أو أسس للحوار المباشر.
وفي الإطار ذاته بحث وزير الدفاع القطري خالد العطية مع نظيره الأمريكي جيم ماتيس في اتصال هاتفي أول أمس الخميس، أهمية تخفيف حدة التوتر بين طرفي الأزمة، وضرورة تفعيل سبل الحوار للخروج منها في أقرب وقت ممكن.
البنتاجون في بيان له قال: “ماتيس بحث وضع العلاقات بين دول الخليج وأهمية عدم تصعيد التوتر”، مشيرًا إلى تأكيد واشنطن على أهمية الشركة الأمنية الاستراتيجية مع الدوحة في محاربة الإرهاب ضمن التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
أما عن الهدف الواضح من المؤتمر فيتمثل في “استمرار التنسيق والتشاور بشأن الأزمة مع قطر، ومتابعة مدى التزامها بتنفيذ مطالب الدول الأربع
تيلرسون يعتزم زيارة الكويت مرة أخرى الإثنين القادم
انتهاك السياسة الخارجية للدوحة
قبيل ساعات من انطلاق فعاليات مؤتمر المنامة وجهت الدوحة رسالة لدول الحصار عن طريق مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري الشيخ سيف بن أحمد بن سيف آل ثاني، جاء فيها “الدول التي تفرض حصارًا على قطر، تسعى إلى التحكم في قرارات الدوحة الخاصة بسياساتها الخارجية”.
آل ثاني خلال مقابلة له بالأمس مع وكالة الأنباء الفرنسية، فند الدوافع المعلنة من قبل الدول الأربعة بشأن قطع علاقاتها مع قطر بزعم تمويل كيانات إرهابية وإيواء عناصر مطلوبة أمنيًا بالكشف عن أن الدافع الرئيسي لموقف تلك الدول هو محاولة مصادرة قرارات قطر المتعلقة بالسياسة الخارجية، مضيفًا “وهو ما لن تقبله الدوحة على الإطلاق”.
مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري أكد مجددًا على أن قطر لم تعمل على إثارة الأزمة إنما هم ( الدول المقاطِعة) من أثاروها، معلنًا استعداد بلاده وانفتاحها على الحوار والمفاوضات، لكن بشرط رفع الحصار غير الشرعي كخطوة أولى من الدول المحاصِرة في هذا الاتجاه.
اجتماع القاهرة في الخامس من يوليو الحالي كان قمة الهرم التصعيدي الذي كان ينتظره الجميع حيث كانت الأجواء حينها أكثر ملاءمة لاتخاذ أي قرارات ضد الدوحة، إلا أن نتائج الاجتماع جاءت مخيبة للآمال
حديث آل ثاني تطابق بصورة كبيرة مع ما قاله سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، بأن “الخلاف مع دولة قطر ليس دبلوماسيًا بقدر ما هو خلاف فلسفي بشأن رؤية الإمارات والسعودية ومصر والأردن والبحرين لمستقبل الشرق الأوسط”.
العتيبة في مقابلة له مع قناة “بي بي إس” الأمريكية كشف النقاب عن الدافع الحقيقي وراء حملة المقاطعة الرباعية ضد الدوحة، وهو ما جاء عكس ما أوردته بيانات خارجية تلك الدول منذ انطلاق الأزمة، حيث قال: “ما تريده الإمارات والسعودية والأردن ومصر والبحرين للشرق الأوسط بعد عشر سنوات، هو حكومات علمانية مستقرة ومزدهرة، وذلك يتعارض مع ما تريده دولة قطر”.
ورغم ما تسببه تلك التصريحات من وضع حكومات دول الحصار في موقف حرج أمام شعوبها على الأقل لا سيما فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية والتي تعتبر نفسها راعية الإسلام السني في العالم وقبلة المسلمين، فالعتيبة سعى وفق تلك التصريحات للكشف عما يدور خلف الكواليس في أبو ظبي والرياض والقاهرة والمنامة.
علاوة على ذلك فالعتيبة سعى أيضًا إلى مغازلة أمريكا والغرب بتوجهات بلاده الجديدة التي تسعى إلى خلع عباءة كل ما يمت للدين بصلة، من قريب كان أو بعيد، وهو ما أوضحه بصورة كبيرة بقوله: “ذلك الدعم هو عكس الوجهة التي تعتقد الدول الخمسة أن المنطقة بحاجة إلى الاتجاه إليها في السنوات المقبلة” بما يتماشى مع التوجهات الأمريكية الجديدة في المنطقة.
مدير مكتب الاتصال الحكومي القطري أكد مجددًا على “أن قطر لم تعمل على إثارة الأزمة إنما هم ( الدول المقاطِعة) من أثاروها”
ماذا تبقى لدول الحصار من أوراق؟
بعد فشل جولتي جدة والقاهرة في تحقيق أي نجاح على الأرض فيما يتعلق بالضغوط الممارسة على قطر لإثنائها عن موقفها الرافض لتوصيات دول الحصار الثلاثة عشر أو حتى الستة، تراجع منسوب التوقعات لدى قطاع عريض من أنصار الفريق السعودي فيما يمكن أن تسفر عنه جولة المنامة من قرارات أو خطوات تصعيدية.
أنصار هذا الرأي يرون أن اجتماع القاهرة في الخامس من يوليو الحالي كان قمة الهرم التصعيدي الذي كان ينتظره الجميع حيث كانت الأجواء حينها أكثر ملاءمة لاتخاذ أي قرارات ضد الدوحة، إلا أن نتائج الاجتماع جاءت مخيبة للآمال، في مقابل تحقيق الجانب القطري لمكاسب سياسية واقتصادية يومًا بعد يوم.
معلوم أن الطرف السعودي وحلفه قد ألقى بكل أوراقه مبكرًا منذ الجولة الأولى، معتقدًا حينها أن المعركة لن تستمر طويلاً، إلا أنه ومع مرور الوقت ودخول الأزمة يومها الـ54، وجد هذا الفريق نفسه مفلسًا من أوراق الضغط الدبلوماسية المستخدمة، وبالعكس فقد أصيب منحناه بموجة من الهبوط المفاجئ، فبعد الـ13 مطلبًا الأولى يتم التراجع إلى 6 مبادئ رئيسية وفقط.
وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أمس الجمعة، لوح بتدويل الأزمة واللجوء إلى المجتمع الدولي
ومع مرور الوقت دخلت الأزمة مرحلة التدريجي بالتزامن مع نجاح الدبلوماسية القطرية في دعم موقفها وتثبيت أركانها وتوسيع دائرة التأييد لتوجهاتها إقليميًا ودوليًا، فضلاً عن نجاحها في إجهاض مخطط حصارها اقتصاديًا عبر فتح منافذ جديدة إيرانيًا وتركيًا وأوروبيًا، كذلك تعدد جهود الوساطة ، فلم يعد الأمر مقتصرًا على الكويت وفقط، فهناك أمريكا وروسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا وبعض الدول الأخرى التي عرضت المساعدة في هذا الشأن.
وقد كللت الدوحة جهودها الدبلوماسية بتوقيع اتفاقية لمنع تمويل المنظمات الإرهابية مع واشنطن، مما وضع دول الحصار الأخرى في حرج، وأمام تلك الأجواء الملبدة بات من الصعب – وفق هذا الفريق – اتخاذ أي قرارات تصعيدية ضد قطر، وربما هذا ما أشار إليه بيان الخارجية المصرية سالف الذكر بأن الهدف من هذا المؤتمر لا يتعدى كونه “استمرار التنسيق والتشاور بشأن الأزمة مع قطر، ومتابعة مدى التزامها بتنفيذ مطالب الدول الأربعة”.
وفي المقابل هناك من يرى أن بيدي دول الحصار عدة أوراق أخرى يمكن أن تستخدمها لمزيد من الضغط على النظام القطري، وهو ما يعول عليه الفريق المتفائل بشأن ما يمكن أن يتمخض عنه مؤتمر الثماني وأربعين ساعة بالمنامة.
أنصار هذا الفريق يرون أن أبرز الأوراق التي من الممكن أن تستخدمها الدول الأربعة خلال هذا المؤتمر بحث تجميد عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، وقف شارة البث لقناة “الجزيرة” على القمرين الصناعيين، عرب سات ونايل سات، ملاحقة الدوحة دوليًا عبر تقديم شكاوى بمحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى المقاطعة الاقتصادية عبر سحب المليارات المملوكة لدول الحصار في البنوك القطرية، كذلك الضغط على الشركات الدولية العاملة في قطر لانسحابها فورًا.
ورغم صعوبة تنفيذ بعض هذه القرارات سياسيًا واقتصاديًا، فإن البعض يعول عليها في دفع الدوحة للاستجابة لمطالب الدول المحاصرة، وهو ما يدفع للتساؤل: ماذا يمكن أن يكون رد الفعل القطري حال التصعيد الرباعي؟
مع مرور الوقت دخلت الأزمة مرحلة التدريجي بالتزامن مع نجاح الدبلوماسية القطرية في دعم موقفها وتثبيت أركانها وتوسيع دائرة التأييد لتوجهاتها إقليميًا ودوليًا
تدويل الأزمة
نجحت قطر منذ بداية الأزمة في تكسير موجاتها العاتية عبر خطوات وجهود دبلوماسية مرحلية، استطاعت من خلالها في تقسيم المشهد إلى عدة مراحل متباينة، لكل مرحلة خطتها المنفصلة، وهو ما أعطاها القدرة على مواصلة الثبات والتمسك بمواقفها حتى الوقت الراهن رغم الخطوات القاسية التي اتخذت ضدها.
علاوة على ذلك طالما عزفت قطر على وتر استعدادها للتحاور وعدم غلق الباب مع الدول المقاطعة لها بالكلية، لكن “بشكل مبني على أسس احترام القانون الدولي وسيادة دولة قطر”، كذلك ترحيبها المتواصل بجهود الوساطة الإقليمية والدولية، وهو ما لمسه المجتمع الدولي من خلال ردود فعل وزير خارجية أمريكا والرئيس التركي عقب زيارتهما للمنطقة مؤخرًا، كذلك ما أبدته بعض العواصم الأوروبية من دعم وتأييد للتوجهات القطرية ومساعيها لحلحلة الأزمة.
لكن ماذا لو لم تستجب دول الحصار للدبلوماسية القطرية؟ هذا ما أجاب عنه وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، خلال لقائه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس الجمعة، حين لوح بتدويل الأزمة واللجوء إلى المجتمع الدولي، مؤكدًا أن بلاده لن تدخر جهدًا للتغلب على الإجراءات، التي اتخذتها دول الحصار ضدها، والتي وصفها بـ”الانتهاكات الخطيرة للمعاهدات والمواثيق الدولية والقانون الدولي”، مشيرًا إلى أن الأمم المتحدة المنصة الصحيحة للبدء بذلك.
الوزير القطري قال: “إننا اجتمعنا مع العديد من المسؤولين (في الأمم المتحدة)، وشرحنا لهم كيف قامت هذه الأزمة على أسس ضعيفة وهي اختراق إلكتروني، والذي بنفسه يعتبر إرهابًا إلكترونيًا تجاه دولة قطر”، مشددًا على أن لمجلس الأمن والجمعية العامة دورًا خاصًا إذا استمرت هذه الأزمة والإجراءات ضد بلاده.
الجميع الآن في انتظار ما يمكن أن تتمخض عنه الـ48 ساعة القادمة، وماذا يقدم وزراء خارجية دول الحصار لتبرير مواقفهم في ظل الإصرار القطري على عدم التزحزح خطوة للوراء، بالتزامن مع ما يمكن أن تسفر عنه جهود الوساطة الدولية التي ستكلل بزيارة ثانية لوزير الخارجية الأمريكي عقب انتهاء الاجتماع.