كان هناك الكثير من صانعي الحواسيب وأنظمة تشغيلها منذ حوالي عقدين من الزمان، لكن هناك مُصنع واحد آمن بأنه يجب أن يكون هناك نظام تشغيل أساسي أو معياري لبقية أنظمة التشغيل الأخرى، كان ذلك الشخص هو “بيل جيتس”، وبحلول نهاية الثمانينات من القرن الماضي استخدم 80٪ من الحواسيب حول العالم أنظمة التشغيل الخاصة بمايكروسوفت، وهو ما جعل “بيل جيتس” أصغر مليونير في العالم.
لم تتوقف مايكروسوفت عند هذا الحد فحسب، بل أنتجت برامج مختلفة ملحقة بأنظمة التشغيل الخاصة بها، حينها كان كل من يشتري حاسوبًا يجد عليه برامج ملحقة سواء رغب في وجودها أم لم يرغب، مثل برنامج مايكروسوفت وورد، مايكروسوفت إكسيل وغيرها من برامج مايكروسوفت واسعة الاستخدام بشكل يومي.
ربما لم تفكر في مايكروسوفت على أنها شركة ربحية تحتكر السوق من قبل، بل اقتصر تفكيرك في مايكروسوفت من خلال البرامج التي ربما تستخدمها يوميًا على الأغلب مثل مايكروسوفت وورد أو مايكروسوفت باور بوينت، إلا أن هذا فقط ما يظهر من مايكروسوفت للمستخدم العادي، ولكن في الحقيقة استطاع “بيل جيتس” منذ مدة طويلة أن يقوم بتصنيع كل الأجزاء التي شكلت مستقبل الحواسيب الشخصية في العصر الحديث.
في الواقع لم يكن ما اتُهمت به مايكروسوفت في تلك القضية شديد الواقعية، بل الحقيقة كانت تكمن من عدم رضا الشركات المنافسة لمايكروسوفت أن تتخذ مكانة محتكر السوق الأوحد
مايكروسوفت واحتكار السوق
تقارب أرباح مايكروسوفت في 2017 ما يُعادل 24 مليار دولار
تلك الثورة التكنولوجية التي غيرت في مستقبل عملاقة التكنولوجيا، أو كما يصفهم الإعلام الغربي بـ “آلهة التكنولوجيا” لم ترضي الشركات المنافسة لمايكروسوفت، الأمر الذي دفعها أن تُقحم وزارة العدل في الموضوع، ليكون لدى الشركة ومديرها التنفيذي الحالم قضية تنتظرهم في المحكمة تتهمهم بتشويه قواعد المنافسة التجارية، وتعطيل عملية التنمية وتطور التكنولوجيا، بل وأيضًا التأثير على المجال الإبداعي العام.
في الواقع لم يكن ما اتُهمت به مايكروسوفت في تلك القضية شديد الواقعية، بل الحقيقة كانت تكمن من عدم رضا الشركات المنافسة لمايكروسوفت أن تتخذ مكانة محتكر السوق الأوحد، لا سيما بعد الأرباح الخرافية التي حققتها الشركة من مليارات الدولارات في منتصف التسعينات، ليس في السوق الأمريكي فحسب، بل حول العالم أجمع، ليُثبت “بيل جيتس” أنه بدأ في تحقيق حلمه في جعل العالم أجمع يتسخدم حواسيب شخصية تعمل بنظام تشغيل ويندوز من إنتاج مايكروسوفت فحسب.
يحب رواد الأعمال مصطلح المنافسة الناعمة، ذلك لأنه أكثر أنواع المنافسة التجارية نفعًا لكل من الشركتين المتنافستين
لا يمكن أخذ أي فكرة في الاعتبار إلا بعد أن يتم رؤيتها مُطبقة على أرض الواقع، حينها يمكننا اكتشاف أنها من الممكن أن تكون من إحدى الأفكار التي ستغير العالم بشكل جذري، خلال الفترة التي بدأ فيها “جيتس” ببناء شركة ناشئة تدعى مايكروسوفت ستغير مستقبل الحواسيب، كانت هناك شركة أخرى على وشك البزوغ إلى النور على بعد أميال منه، وهي شركة آبل.
استطاع “ستيف جوبس” تغير مستقبل البرمجيات بأكمله وإضفاء جمال مختلف على ساحة الحواسيب والبرمجيات، وقدم للسوق ما لم يتوقعه، وحقق أرباحًا مليونية خلال طرحه الأول لجهاز آبل2، إلا أن منتجه لم يكن مناسبًا لاستخدام الشركات الكبرى التي تحتاج حواسيب من نوع خاص، ليبدأ من هنا “بيل جيتس” في خطته التي جعلته المحتكر الأول للسوق.
المنافسة الناعمة بداية الاحتكار
إلى اليمين “بيل جيتس” وبجانبه “ستيف جوبس”
يحب رواد الأعمال مصطلح المنافسة الناعمة، ذلك لأنه أكثر أنواع المنافسة التجارية نفعًا لكل من الشركتين المتنافستين، وهذا هو ما حقق الهدف لمايكروسوفت أن تكون الشركة الوحيدة التي تحتكر السوق، كما حقق لشركة آبل أرباحًا خيالية قبل تقديمها لجهاز الماكينتوش، النسخة الأولية من جهاز ماك بوك.
اتحد “بيل جيتس” مع أكبر الشركات المنافسة له، لتكوين تحالف تجاري مبني على المنفعة العامة على كل من يشترك فيه، يحقق الأرباح للشركات ويحقق هدف مايكروسوفت في احتكار السوق، ليجتمع بيل “جيتس” مع “ستيف جوبس” وجهًا لوجه، ويبدأ الأول في بيع الثاني برمجيات لغوية حققت لشركة آبل ملايين الدولارات من الأرباح، وساعدته في تحويل أنظمة التشغيل الخاصة به إلى أنظمة تشغيل موائمة لما تحتاجه الشركات الكبرى من حواسيب شخصية.
استطاعت شركة مايكروسوفت بذلك أن يمتلك الثروة، ومنها يمتلك “جيتس” القوة للسيطرة على السوق بأكمله، وهو ما مكّنه من تشكيل توقعات السوق بعد ذلك
لم يغفل “بيل جيتس” الشركات الأخرى غير آبل، فبعد أن آمن بالخطر الذي تشكله آبل عليه في مجال البرمجيات والتكنولوجيا وحاول عن طريق المنافسة الناعمة أن يدرء عنه ذلك الخطر، في نفس الوقت كانت هناك شركة أخرى عملاقة، لها باعًا في مجال التكنولوجيا منذ بداية القرن العشرين، وهي شركة آي بي إم IBM، والتي قررت في الوقت ذاته أن تكون منافسًا في مجال الحواسيب الشخصية.
أكثر القرارات خطورة في سبيل الاحتكار
“بيل جيتس” مع “جيف آلان” نائب رئيس شركة آي بي إم السابق
استطاع “بيل جيتس” إبرام عقد مع شركة IBM في بيعها أنظمة تشغيل للحواسيب التي تنوي صناعتها، على الرغم من أن مايكروسوفت لم تكن تمتلك نظام التشغيل الخاص بها بعد، حيث اتخذ “جيتس” أكثر القرارات مخاطرة ولكنه أيضًا أكثر القرارات التي غير مستقبل الشركة للأبد، حيث استطاع “جيتس” احتكار شركات البرمجيات الخاصة بأنظمة التشغيل الناشئة وامتلكها، وقام ببيع نظام التشغيل “مايكروسوفت دوس” لشركة آي بي إم، على شرط غير قابل للنقاش، وهو ألا يكون نظام التشغيل ذلك خاص بـ آي بي إم وحده، بل قابل للعمل على أي جهاز حاسوب من أي شركة أخرى في العالم.
استطاعت شركة مايكروسوفت بذلك أن يمتلك الثروة، ومنها يمتلك “جيتس” القوة للسيطرة على السوق بأكمله، وهو ما مكّنه من تشكيل توقعات السوق بعد ذلك، بعد أن كان ينتظر طلبه، أصبح هو المُشكل الأساسي لتلك الصناعة لأنه هو فقط من يمتلك اليد العليا لنيل أكبر حصة من السوق، ليظهر بعد ذلك نظام التشغيل “ويندوز” بأولى مراحله التي تستمر في التطوير حتى يومنا هذا، وتبدأ بعدها إمبراطورية مايكروسوفت.
استطاع “بيل جيتس” إبرام عقد مع شركة IBM في بيعها أنظمة تشغيل للحواسيب التي تنوي صناعتها، على الرغم من أن مايكروسوفت لم تكن تمتلك نظام التشغيل الخاص بها بعد
لم تعد “مايكروسوفت” تجهز أنظمة التشغيل لشركات الحواسيب المختلفة فحسب، على الرغم من أن ذلك هو الجوهر الذي نشأت عليه الشركة ومازلت تحقق الأرباح بسببه، إلا أنها دخلت أيضًا عالم صناعة الحواسيب نفسها، بتقديمها جهاز “Surface” للسوق، والذي يعتبره خبراء رياة الأعمال من أكثر المنتجات المنافسة لأجهزة آبل بمختلف أنوعها الآن، وهو الأمر الذي قد يٍقلق آبل من دخول عملاق الاحتكار التكنولوجي المجال الذي برعت الشركة فيه لسنين طويلة.