كرد فعل أولي وغير نهائي على العقوبات الأمريكية الجديدة على روسيا سارعت الأخيرة لتقليص عدد الدبلوماسيين الأمريكيين لديها ليساوي عدد الدبلوماسيين الروس في أمريكا، كما توعدت إيران بالرد على العقوبات المفروضة عليها أيضًا وأشارت أنها لن تتراجع عن برامجها تخوفًا من العقوبات الأمريكية الجديدة ولكنها ستتخذ ردود فعل مناسبة وأشد حدة من السابق.
يأتي هذا بعدما صادق مجلس الشيوخ الأمريكي، مساء الخميس الماضي، على قانون العقوبات الجديد ضد روسيا وإيران وكوريا الشمالية بعدما صوت 98 عضوًا في المجلس لصالح القانون، والذي أقره مجلس النواب الثلاثاء الماضي، بأكثرية مطلقة بلغت تأييد 419 نائبًا، مقابل اعتراض ثلاثة نواب فقط، وتم إرسال القانون إلى البيت الأبيض للتوقيع عليه.
هل يوقع ترامب على قانون العقوبات الجديد؟
لم تتضح بعد نوايا الرئيس ترامب من القانون الجديد فيما إذا كان سيوقعه ويتجنب المواجهة مع مجلس الشيوخ الأمريكي والرضوخ له ولمجلس النواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي المصر على ضرورة معاقبة روسيا ردًا على تدخلها في الانتخابات الأمريكية، أم أنه سيختار مسار المواجهة ويرفع “فيتو” ضد القانون كنوع من ممارسة حقه الدستوري، رغم التداعيات السياسية لمثل هذه الخطوة، في ظل تأزم العلاقة بين الرئيس الأمريكي ومؤسسات الدولة.
كل من روسيا وإيران اتخذت موقفها مسبقًا من القانون ولكنه لم يأت على شكل نهائي بل جاء كرد فعل أولي على القانون
وكانت المتحدثة الجديدة باسم البيت الأبيض سارة هاكوبي ساندرز، أشارت أن ترامب سيوقع على قانون العقوبات الجديد ضد روسيا رغم اعتراضاته السابقة، خصوصًا فيما يتعلّق بتضييق هامش مناورة الرئيس في مفاوضاته مع الروس، ومع ذلك يرى مراقبون أن احتمال لجوء ترامب إلى الفيتو يبقى وارد الحدوث، في ظل التضارب في البيت الأبيض فيما إذا كان الرئيس سيوقع أم لا!
فيما كانت ردود فعل معارضي ترامب ثابتة حيال القانون والقبول به، إذ قال زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر: “العقوبات ستعالج الفشل في معاقبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إزاء الخرق المذهل لانتخابات دولة ذات سيادة”.
وأشاد أيضًا السيناتور الجمهوري جون ماكين، أحد خصوم ترامب البارزين، بالتدابير الجديدة بحق موسكو، واعتبرها ستُحمّل في نهاية المطاف روسيا مسؤولية هجومها الصارخ على الانتخابات الأمريكية، وقال ماكين: “تصويت مجلس الشيوخ الساحق يبعث برسالة مهمة مفادها أن أمريكا لن تتسامح مع الهجمات على ديمقراطيتنا أو مصالح الأمن القومي”.
موقف كل من روسيا وإيران من العقوبات الجديدة
لم يتأخر الرد الروسي على العقوبات الأمريكية، إذ أعلن الرئيس بوتين الخميس الماضي أنّ موسكو سترد على “وقاحة” واشنطن، في الوقت الذي تعتبر فيه موسكو أن العقوبات تنهي التعويل الذي كان قائمًا على تحسين العلاقة مع واشنطن، ومن شأن العقوبات أن تعمق من حالة الخلاف بين روسيا وأمريكا، حيث أعرب بوتين عن أسفه لـ”التضحية” بالعلاقات الروسية الأمريكية من أجل ما قال إنه تسوية الشؤون الأمريكية الداخلية، في إشارة إلى مزاعم تدخل موسكو في انتخابات الرئاسة الأمريكية لدعم ترامب.
يُذكر أن هذه العقوبات تعد امتدادًا للعقوبات المفروضة على موسكو منذ 3 سنوات، في صيف 2014، بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، حيث بدأت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على قطاعات كاملة من الاقتصاد الروسي، تشمل عددًا من شركات النفط والمصارف الروسية الكبرى عبر فرض قيود على إقراضها وحظر التكنولوجيا.
وقد أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أول أمس الجمعة، تقليص عدد الدبلوماسيين الأمريكيين لدى روسيا إلى 455، ووقف استخدام السفارة الأمريكية مخازنها بشارع “دوروجنايا” في موسكو واستراحتها في منطقة “سيريبرياني بور” شمال غرب موسكو.
تأتي هذه العقوبات بعد تصعيد واشنطن ضد إيران، على إثر إعطاء ترامب أوامره لمساعديه المعنيين بالشأن الإيراني، بالبحث عن الذرائع المناسبة للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني
وذكر بيان من الخارجية الروسية: “نقترح على الجانب الأمريكي اعتبارًا من أول سبتمبر/أيلول من العام الحالي، تقليص عدد الموظفين الدبلوماسيين والفنيين بالسفارة الأمريكية في موسكو والقنصليات العامة في سانت بطرسبورغ ويكاتيرينبورغ وفلاديفوستوك، إلى نفس عدد الدبلوماسيين والموظفين الفنيين الروس الموجودين في الولايات المتحدة”، وأضاف البيان “يعني ذلك أن العدد الإجمالي للموظفين في البعثات الدبلوماسية والقنصلية الأمريكية لدى روسيا الاتحادية ينخفض إلى 455 شخصًا”.
ووصفت الخارجية الروسية العقوبات الأمريكية الجديدة بأنها “ابتزاز يهدف إلى تقييد تعاون الشركاء الأجانب مع روسيا”، يُشار إلى أن القانون الأمريكي الجديد يهدف إلى الرد على انتهاكات حقوق الإنسان في روسيا، وعلى المؤسسات والمنظمات الحكومية الروسية التي تساهم في تقديم الدعم لنظام بشار الأسد في سوريا.
وعن تأثير العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الروسي منذ بدء تطبيقها، يقول مدير بحوث الاقتصاد الدولي بـ”مجموعة الخبراء الاقتصاديين” في موسكو إيليا بريليبسكي: “بلغت حصة العقوبات في مجموع تراجع الناتج المحلي الإجمالي الروسي 20% فقط، بينما تقدر حصة انخفاض أسعار النفط في تراجع النمو الاقتصادي بـ80%”، وأضاف “في حال لم تفرض العقوبات، لكان الناتج الإجمالي حاليًا أكبر بنسبة 2% مما هو عليه، أو بنسبة 7 – 8% في حال ظل النفط عند مستوى 100 دولار للبرميل”.
بلغت حصة العقوبات الأمريكية منذ بدئها في مجموع تراجع الناتج المحلي الإجمالي الروسي 20% فقط
وفيما يتعلق بالتداعيات السلبية للعقوبات على الاقتصاد الروسي، يتابع “أسفرت العقوبات عن زيادة خروج رأس المال من روسيا بمقدار 120 مليار دولار إضافية خلال ثلاث سنوات، وذلك بسبب سداد الشركات والمصارف الروسية أقساط قروضها الخارجية دون إمكانية الحصول على قروض جديدة، بالإضافة إلى تدهور مناخ الاستثمار وتراجع ثقة المستثمرين”.
أما فيما يخص إيران فقد ذكر إسحاق جهانغيري نائب الرئيس الإيراني حسن روحاني، أن بلاده لن تتراجع عن برامجها تخوفًا من العقوبات الأمريكية الجديدة ولكنها ستتخذ ردود فعل مناسبة وأشد حدة من السابق، وقال في تصريحات له اليوم، السبت، إن الحكومة الأمريكية الحالية تتصرف بتشدد أعلى مع إيران، واعتبر أن الأمر تم التخطيط له مسبقًا.
واتهم جهانغيري واشنطن بتخويف المستثمرين الأجانب لمنعهم من عقد صفقاتهم مع طهران، حيث تحاول أمريكا تحذيرهم من عقوبات أشد ستفرضها بمرور الوقت، وعن نوع العقوبات على إيران أشار كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي عباس عراقجي، أن “قانون العقوبات الأمريكي الجديد لا يفرض عقوبات جديدة، وإنما يستهدف تجميع العقوبات الأمريكية السابقة في المجالات غير النووية، وهذا من شأنه أن يلقي بظلاله على تنفيذ الاتفاق النووي”.
ورد روحاني أن طهران ستتابع سياساتها وطريقها بخطى ثابتة، وستواصل تطوير بنيتها العسكرية الدفاعية، بما فيها المنظومات الصاروخية بأشكالها كافة”، قائلاً: “هذه العقوبات غير مؤثرة بالنسبة لنا، فهي لن تقلل مقاومة الناس هنا، ولن تغير شيئًا في سياسات ونهج النظام في إيران”.
يُذكر أن الولايات المتحدة فرضت قبل أكثر من أسبوع عقوبات جديدة على إيران بسبب برنامجها للصواريخ البالستية، وأعلنت الخارجية الأمريكية عقوبات بحق 18 فردًا وكيانًا للاشتباه في صلتهم بدعم البرنامج الإيراني للصواريخ البالستية وغيره من الأنشطة العسكرية غير المتعلقة بالبرنامج النووي، ويفرض المشروع عقوبات على الحرس الثوري الإيراني بتهمة دعم الإرهاب.
ترامب سيوقع على قانون العقوبات الجديد ضد روسيا رغم اعتراضاته السابقة، خصوصًا فيما يتعلّق بتضييق هامش مناورة الرئيس في مفاوضاته مع الروس
وتأتي هذه العقوبات أيضًا بعد تصعيد واشنطن ضد إيران، حيث أشارت صحيفة نيويورك تايمز، أمس السبت، أن ترامب أعطى أوامره لمساعديه المعنيين بالشأن الإيراني، بالبحث عن الذرائع المناسبة للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، على غرار انسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، وبحسب الصحيفة، فإن الخطة الأمريكية تهدف إلى استدراج إيران لرفض هذا الطلب، والمرجح أنها ستفعل ذلك، ويلي ذلك إعلان وكالة الطاقة الدولية أن إيران انتهكت بنود اتفاق فيينا، مما يسمح لإدارة ترامب بإلغاء الاتفاق النووي من جانبها.
حتى يعطي ترامب قراره النهائي بتمرير العقوبات أم لا! يبدو أن كل من روسيا وإيران اتخذت موقفها مسبقًا من القانون ولكنه لم يأت على شكل نهائي بل جاء كرد فعل أولي على القانون، ومن المؤكد في حال فرض تلك العقوبات أن العلاقات ستتدهور أكثر نحو مزيد من التعقيد، وستلقي بظلالها على الملفات التي يتم التعاون فيها بين أمريكا وروسيا في المنطقة، ولن يكون التساوم مع إيران من جهة واشنطن يسيرًا من جهة البرنامج النووي وبقاء أذرع إيران في المنطقة.