أقالت الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD) في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب السورية، مسؤول الإغاثة الإنسانية علي هولير، وموظفين آخرين يعملون في بلدية الشعب بقضايا وتهم مختلفة، أهمها الفساد والاختلاس وإهدار المال العام، وأصدرت تعميمًا حمل الرقم 4 للعام 2024، يفرض زيادة ساعات عمل المولدات خلال الفترة الليلية.
وتزامنت التغييرات التي أجرتها الإدارة مع الاستجابة الجزئية لمطالب الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري، بهدف تخفيف الحصار الذي تفرضه الفرقة، والذي كان سببًا في تصاعد النقمة الشعبية ضد الإدارة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها بمحافظة حلب (أحياء الأشرفية والشيخ مقصود بمدينة حلب ومناطق الشهباء في ريفها الشمالي).
ومن أهم المطالب التي لبّتها الإدارة لصالح الفرقة، منح الأخيرة كمّيات إضافية من المحروقات، والقبول بزيادة نسبة الضريبة المفروضة على الديزل وباقي المشتقات النفطية التي تدخل مناطق سيطرة الإدارة.
استياء شعبي متصاعد
تعيش مناطق سيطرة الإدارة الذاتية بحلب حالة من الغليان الشعبي، بسبب تدنّي مستوى الخدمات التي تقدمها بلدية الشعب (تدير القطاعات الخدمية العامة في أحياء الأشرفية والشيخ مقصود في حلب)، فالانقطاع الطويل للمياه والتأخُّر في إصلاح الشبكات بحجّة ندرة المحروقات التي من المفترض أن تشغل آليات ومعدّات الحفر التابعة للبلدية، بالإضافة إلى الانقطاع الطويل للكهرباء وعدم تسليم أصحاب المولدات والورش الصناعية الصغيرة (ورش خياطة وتطريز وألبسة جاهزة) مخصصاتهم من المحروقات، ما تسبّب في شلل مختلف القطاعات الاقتصادية، وتوقف الكثير من أصحاب المهن عن العمل.
وزادت نقمة الأهالي بعد تأخُّر تسليم مخصصاتهم من محروقات التدفئة، وذلك رغم مضيّ أكثر من شهر على دخول فصل الشتاء، كما تسبّب طرح كميات كبيرة من المواد الإغاثية (غذائيات ومنظفات) لبيعها في الأسواق بدلًا من توزيعها على الناس، في إثارة الجدل بين الأوساط الشعبية التي اتّهمت الإدارة باتّباعها سياسة التجويع والإفقار المنظَّمة ضد الأهالي.
- مجلس الوجهاء التابع لبلدية الشعب بحي الشيخ مقصود في حلب
قال الناشط خبات أبو خليل (يقيم في حي الشيخ مقصود في حلب) لـ”نون بوست”: “إن الأوضاع في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، ومناطق الشهباء شمالًا، كادت أن تنفجر لولا الخطوات المستعجلة التي اتخذتها الإدارة، إذ عملت الأخيرة على تنفيذ حملة اعتقالات طالت مناهضين لها كانوا يجهّزون لاحتجاجات شعبية ضدها”.
مكملًا: “وعملت الإدارة على تلبية بعض مطالب الأهالي بخصوص إجراء تغييرات في الكوادر الإدارية بمؤسساتها الخدمية، وأهمها الإغاثة والاتصالات والخدمات البلدية، وعملت على إقالة عدد من الشخصيات التي يثار حولها الكثير من الجدل والتهم المتعلقة بالفساد وسلب المال العام”.
وأضاف أبو خليل: “كانت الخطوة الأهم التي اتخذتها الإدارة بحلب هي موافقتها على شروط الفرقة الرابعة الخاصة، بزيادة حجم الضريبة وكمية المحروقات كشرط لفكّ الحصار، والسماح بدخول المحروقات وكميات أكبر من المواد الأساسية إلى مناطق سيطرة الإدارة، فالحصار كاد يفجّر الأوضاع، فالأعمال كلها شبه متوقفة، والناس في معظمهم باتوا يعتمدون على الحوالات الخارجية وما يرسله أقاربهم إليهم ليتدبّروا شؤون معيشتهم”.
وأوضح أبو خليل أن “الحصار هذه المرة مختلف عن المرات السابقة، وهو بطلب روسي، وقد استغلته الفرقة الرابعة لتحقق بعض المكاسب، حيث يريد الروس أن يكون مستوى معيشة السكان في مناطق سيطرة الإدارة بحلب مشابهًا لمستوى معيشة الناس في مناطق سيطرة النظام، وبالفعل جرى تخفيض مخصصات الأهالي من المواد المدعومة وعلى رأسها المحروقات، وارتفعت الأسعار بشكل كبير في السوق السوداء، لكن المطالب الروسية غير معلنة بطبيعة الحال، وهذه المعلومات تمّ تداولها على نطاق ضيّق بين مقربين من مسؤولي الإدارة الذاتية بحلب”.
ويضيف: “لكن رغم الإجراءات التي اتخذتها الإدارة، الإجراءات الخاصة بتنفيذ التعليمات الروسية، إلا أن حياة الناس في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية لا تزال أفضل من حياة الحلبيين في باقي الأحياء الواقعة تحت سيطرة النظام السوري”.
- حي الشيخ مقصود في حلب الذي تسيطر عليه “قسد”
الحصار وشروط الفرقة الرابعة
تصاعدَ حصار الفرقة الرابعة لمناطق سيطرة الإدارة بحلب خلال الشهر الأخير من عام 2023، ومنعت خلاله دخول المحروقات بأنواعها وبعض السلع الأساسية، عبر حواجزها المنتشرة داخل مدينة حلب وفي ريفها الشمالي، متسبّبة في شلل قطاعات خدمية بينها التعليم والصحة والنقل والكهرباء والخدمات البلدية.
واحتجاجًا على سياسة الحصار، أعلنت بلدية الشعب حينها تعليق أعمالها، وإيقاف مشاريعها الخدمية الكبيرة بسبب نفاد مخزوناتها من المحروقات والزيوت وقطع التبديل المخصصة للآليات.
هذا بالإضافة إلى ندرة الأسمنت ومواد البناء ولوازم شبكات المياه والصرف الصحي التي تدرجها الفرقة الرابعة على قائمة الممنوعات أيضًا، لكن قرار الإدارة كان له أثر كارثي على السكان في مناطق سيطرتها، وهو ما تسبّب في حالة من الاحتقان الشعبي التي كادت أن تتطور إلى احتجاجات.
وسبق أن قال عضو بلدية الشعب، دجوار حمكي، في بيان إن “النظام السوري يمارس سياسة تجويع الشعب وفرض الحصار الجائر على مناطق الشهباء وأحياء الشيخ مقصود والأشرفية، وذلك بهدف كسر إرادة الشعب وإذلاله، وفتح الطريق أمام تهجيره”.
واتهم حمكي النظام بأنه يتعامل مع السوريين القاطنين في مناطق سيطرة “قسد” على أنهم ليسوا سوريين، وأوضح حمكي في البيان أن الحصار هو “من أجل الحصول على مزيد من التنازلات في المنطقة التي تديرها الإدارة الذاتية، في استغلال تام وواضح للواقع الإنساني تمهيدًا لإفراغها وإرضاءً لتركيا”.
حصار مناطق سيطرة الإدارة في حلب تكرر أكثر من مرة خلال الأعوام القليلة الماضية، لذا كان من بين مطالب الأهالي في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية ومناطق الشهباء، مطالبة إدارة “قسد” بفرض حصار مشابه على مربعات النظام في القامشلي والحسكة شرقي سوريا، وذلك للضغط على الفرقة الرابعة وفكّ الحصار وإنهاء معاناتهم، وهذا ما كان يفعله الطرفان خلال العامَين 2021 و2022، لكن يبدو أن المعاملة بالمثل هذه المرة لم تنجح.
وتضمّنت شروط الفرقة الرابعة لفكّ الحصار، إعطاء مديرية المحروقات في حلب ضعف كمية المحروقات التي تدخل إلى مناطق سيطرة “قسد”، كذلك رفع ضريبة كل برميل من الديزل من 90 دولارًا إلى 110 دولارات، وهي شروط لم توافق عليها الإدارة بحلب خلال الشهر الأخير من العام الماضي، لكنها أُجبرت على القبول بداية عام 2024.
ولم يكن تصاعد النقمة الشعبية وراء موافقة الإدارة على شروط الرابعة، بل عملت الأخيرة على اعتقال عدد من الأشخاص المحسوبين على الإدارة و”قسد” الأمّ أثناء مرورهم من حواجزها، كان بينهم مهدي بلال من مؤسسي الإدارة الذاتية بحلب، وكان يشغل عدة مناصب رفيعة في فترة 2012-2016، أثناء سيطرة الجيش السوري الحر على الأحياء الشرقية بحلب.
وكان بلال حينها عرّاب التنسيق مع قوات النظام والميليشيات الإيرانية، وأحد أبرز الشخصيات التي دفعت باتجاه اشتراك وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) في المعركة إلى جانب النظام والإيرانيين ضد الجيش الحر.
خلال الأسبوع الأول من يناير/ كانون الثاني الحالي، أرسلت “قسد” في شرق سوريا مئات الصهاريج المحمّلة بالنفط إلى مناطق سيطرة النظام السوري في حلب، وسط نقص شديد بالمحروقات يعيشه السكان شمال شرقي سوريا، ونقلت مصادر محلية لموقع “يكيتي ميديا” أن “مئات الصهاريج المحمّلة بالنفط دخلت إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر معبر التايهة في منبج شرقي حلب”، قادمة من مناطق سيطرة “قسد”.