ترجمة وتحرير نون بوست
إن قانون العقوبات الجديد وغير المسبوقة، الذي أرسله الكونغرس للرئيس دونالد ترامب يوم الخميس، هو بيان غاضب من المشرعين على خلفية فشل سياسته الخارجية مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا. وهي بالأساس، إشارة جلية لإمكانية سحب سيادة الأمن القومي من الرئيس.
في الواقع، يكاد المشرعون أن يحصلوا على إجماع يدعم ممارسة الولايات المتحدة الأمريكية لسياسة خارجية أكثر قسوة تجاه بعض التحديات الخطيرة التي تحدق بالأمن القومي. لذلك، يعتقد كثيرون أن ترامب والرئيس السابق باراك أوباما لم يتحركا بالشكل القوي الكافي من أجل تفتيش ومعاينة برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، والتثبت من دعمها للإرهاب، وإثارة الفوضى في الشرق الأوسط، ووضع حد لسباق كوريا الشمالية نحو التسلح بأسلحة نووية بعيدة المدى، الذي ينذر بالخطر.
ومن هذا المنطلق، أخذ المشرعون الأمر على عاتقهم و وأقروا عقوبات جديدة لمواجهة هذه التهديدات. ولكن الهدف الحقيقي من وراء هذا الخبث هو وضع مقاييس مالية ضد روسيا. وبالتالي، تهدف جملة هذه الإجراءات إلى معاقبة روسيا لتدخلها في العملية الديمقراطية ومواصلتها أعمالها القاسية في أوروبا والشرق الأوسط.
في الجانب العملي، تحمي هذه الإجراءات العقوبات السابقة وتمنع الرئيس من إلغائها. بل أكثر من هذا، ستمنع العقوبات الجديدة بشكل أعمق روسيا من تحقيق الأرباح والمساهمات الدولية في قطاعات الدفاع، والاستخبارات، والطاقة، والبنوك، والسكك الحديد والمناجم والمعادن. كما تستهدف القرصنة الرقمية الروسية، وتدخلها العسكري ودعمها للنظام السوري. وعند أخذ كل ما سبق بعين الاعتبار، سيتبين أن هذه العقوبات الجديدة تبعث برسالة قاسية للكرملين مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية ولا مع وحشيتها في الشرق الأوسط.
الكونغرس يتخذ خطوات لا رجعة فيها تضر بأدواته غير العسكرية الأكثر فاعلية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية
في الحقيقة، بغض النظر عن ماهية العقوبات الجديدة، فإن بث السموم عبر العقوبات المالية لا يعتبر أمرا جديدا. ومع ذلك، إن الشيء الجلي والعنصر غير المسبوق في العقوبات هو مشروع قانون غير ضار مسمى”بمراجعات الكونغرس” للعقوبات. فهي تمنع الرئيس من إجراء أي تعديلات فيها، وذلك من خلال خلق آلية تعاون تمحص وتحول دون تمييع السياسة المتبعة مع الروسية، لأن الكونغرس يرغب في رئيس مقيد.
وبناء عليه، يبدو أن هذه القبضة القوية على السلطة ليست مغايرة لقانون سلطات الحرب الذي مرره الكونغرس سنة 1973، وهو قانون يهدف للتحقق من قدرات الرئيس التنفيذية للدخول في صراع مسلح من دون موافقة تشريعية. أما الآن كما في الماضي، يرى المشرعون أن الوضع الحالي مخيب للآمال ويستوجب اتخاذ إجراءات بيّنة.
ولكن، هناك ثمن باهظ جدا يجب دفعه لتنفيذ الامتيازات التشريعية. فالكونغرس يتخذ خطوات لا رجعة فيها تضر بأدواته غير العسكرية الأكثر فاعلية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية. وبذلك، ستصبح هذه العقوبات أقل جدية وأقل قيمة، وستضعف قدرة الدولة على إلزام الخصوم بتغيير سياساتهم التهديدية. .
في الواقع، هناك عاملان أساسيان يفسران كيف ستقلل جملة القوانين الموجهة ضد روسيا من قيمة العقوبات كأداة في ممارسة فن الحكم. أولا، الكونغرس غير مجهز تماما للتعامل وفق أساليب تنفيذ العقوبات في المدة المحددة، لأنه تنقصه الدعائم الاستخباراتية والهيكلة البيروقراطية والقدرات القانونية. وبالتالي، سيبطئ الكونغرس التغييرات السياسية ويجعل العقوبات تبدو خرقاء وزجرية وأقل مرونة.
ثانيا، سيقلل العامل الآخر من قيمة العقوبات لأنها ستظهر الكونغرس أقل توجها نحو تغيير سياسته بإعادته صياغة هذا القانون. فالكونغرس بقبضته القوية ومن خلال منع التخفيف في العقوبات المسلطة على روسيا يرهق الهيكلة البيروقراطية، وسيصارع في حال قرر خفض العقوبات على روسيا إذا تغيرت الأوضاع السياسية. كما لا يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يتفاوض عمليا مع كل أعضاء الكونغرس الأمريكي. كما لن يرى نفعا في الخضوع لالتزامات مينسك. وإن فعل ذلك، فلن يتغير شيء في العقوبات.
ستصارع إدارة ترامب داخل هيكلة الكونغرس من أجل العثور على طريقة للعودة إلى الوراء
لم تنتهي التداعيات السياسة الخارجية هنا، فسيكرر الكونغرس مقاربة “السترة الضيقة” لمراجعة العقوبات. وإن فعل هذا، فسيكون لها أثر في تقييد قدرة الفرع التنفيذي في إعادة ضبط العقوبات في مختلف المجالات. وعلى هذا الأساس، سيكون الرئيس القادم والذي يليه، مكبل اليدين حيال العقوبات وسيكون أقل مرونة في قيادة سياسة الولايات المتحدة الخارجية.
وفي عالم تنتشر فيه التهديدات الأمنية، من الخطر على الولايات المتحدة أن تحد من مرونة سياستها الخارجية وأدواتها غير العسكرية في فن ممارسة الحكم. وحيال هذا الأمر، يدرك البعض في الكونغرس المخاطر الكبيرة التي تعترض طريقهم وسيحاولون معالجة التداعيات في وقت لاحق. ولكن الدعم الكبير الذي يقدمه المشرعون للعقوبات الجديدة يعكس بشكل مباشر الخطر الذي يرونه إن بقيت مسألة معالجة سياسة روسيا الخارجية منوطة بعهدة الرئيس.
وبناء على هذه المعطيات، يبدو أن هذه ليست إلا الجولة الأولى من المعركة. مما لا شك فيه، ستصارع إدارة ترامب داخل هيكلة الكونغرس من أجل العثور على طريقة للعودة إلى الوراء، من خلال إفشال التطبيق الكامل للعقوبات. في المقابل، من المتوقع أن يقوم الكونغرس بسد أي ثغرة قد تستفيد منها الإدارة من أجل التعديل في العقوبات المسلطة على روسيا. كذلك، من المحتمل أن نسمع ونرى مطالب استرخاص واستخدام ضيق للتنازلات ومواجهة للعناصر الأساسية للسياسة الخارجية مع روسيا.
والجدير بالذكر أن الكونغرس حقق نصرا بتمريره هذا المرسوم رغم معارضة البيت الأبيض، إلا أن المعركة حول من يسيطر على توجهات السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية أبعد من أن يحسم في وقت قريب.
المصدر: فورين بوليسي