222 مليون يورو مقابل انتقال لاعب كرة قدم!
هل نحن أمام فيلمٍ سينمائيٍ ساخرٍ، أم أنه ضربٌ من الجنون؟
ربما كانت الإجابة بنعم قبل عدة سنوات، ولكن اليوم لم يعد الأمر كذلك! فأرقام صفقات انتقالات لاعبي الكرة تعدت عشرات الملايين، لتصل إلى مئات الملايين، وما المبلغ الفلكي الذي دفعه نادي مانشستر يونايتد لانتداب بول بوجبا الصيف الماضي إلا أول الغيث، فصفقاتٌ قادمةٌ أبطالها كيليان مبابي وفيليب كوتينهو وماركو فيراتي وغيرهم، تنذر بأن القادم مذهلٌ أكثر!
ولكن الصفقة الأكثر إثارةً للذهول أصبحت على الأبواب، وهي التي ستحطم كل المقاييس والأرقام القياسية بمجرد اكتمالها، إنها صفقة انتقال النجم البرازيلي نيمار من برشلونة الإسباني إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، مقابل 222 مليون يورو، والتي دُعيت بصفقة القرن.
فما ملابسات ودواعي تلك الصفقة المرتقبة؟ وما إمكانية اكتمالها على ضوء المعطيات الحالية؟ وقبل ذلك، ما السيرة الذاتية والإنجازات التي جعلت نيمار يتبوأ دور البطولة في صفقة القرن المنتظرة؟
نيمار في بداياته الاحترافية بقميص نادي سانتوس البرازيلي
يُصنف البرازيلي نيما ردا سيلفا سانتوس جونيور، المولود في مدينة موجي داس كروزس البرازيلية يوم الخامس من فبراير من عام 1992، كواحدٍ من أفضل ما أنجبت الكرة البرازيلية في العقود الأخيرة، فمواهبه الدافقة التي ظهرت منذ نعومة أظفاره، عندما كان يلعب لصغار فريق بورتوغيزا سانتيستا المغمور بين عامي 1999 و2003، لم تخفَ عن أعين كشافة مواهب نادي سانتوس العملاق، الذين غمرتهم السعادة لدى رؤية هذه الجوهرة الكامنة تترعرع في صفوف فرق الناشئين التابعة لناديهم لمدة خمسة أعوام، قبل أن يصبح جاهزًا لحمل مشعل التألق في الفريق الأول، للنادي البرازيلي الذي خرج للساحرة المستديرة عظماء وأساطير، يتقدمهم الجوهرة السوداء بيليه.
حقق نيمار لقب كأس ليبيرتادوريس القاري مع نادي سانتوس البرازيلي عام 2011
وفي سانتوس العريق بدأ نيمار مسيرته الاحترافية عام 2009، وهو لم يتجاوز الـ17 من عمره، وخلال سنواتٍ قليلةٍ قاد فريقه لتحقيق نجاحاتٍ وإنجازاتٍ حولته إلى معشوق الجماهير ونجمها الأول، أبرزها تحقيق لقب كأس الليبيرتادوريس القاري الغائب عن خزائن النادي منذ عقود عام 2011، والدوري البرازيلي ثلاث مراتٍ متتاليةٍ بين عامي 2010 و2012، وبطولة سودامريكانا القارية عام 2012، وكأس البرازيل عام 2010، فضلًا عن التأهل إلى نهائي بطولة كأس العالم للأندية عام 2011، حيث هُزموا أمام فريق برشلونة الإسباني العملاق، الذي شاءت الأقدار أن يكون وجهة نيمار التالية بعد عامين، بعد أن أكمل أربعة أعوامٍ مع النادي الأبيض والأسود، خاض خلالها 134 مباراةً، سجل فيها 70 هدفًا وصنع 38.
نيمار حقق لقب الشامبيونز ليغ مع برشلونة عام 2015
وفي الفاتح من شهر يوليو من عام 2013، نجح مسؤولو برشلونة في خطف نيمار من براثن الغريم الأزلي ريال مدريد، بعدما وقعوا معه عقدًا مدته خمسة أعوام، مقابل رسومٍ قُدرت بنحو 75 مليون يورو، ليبدأ النجم البرازيلي معهم عهدًا جديدًا، كتب خلاله فصولًا من التألق، توجها بمجموعة ألقابٍ جماعية، أبرزها لقب دوري أبطال أوروبا لعام 2015، ولقبا كأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية في العام ذاته، ولقب الليغا الإسبانية مرتين عامي 2015 و2016، وكأس إسبانيا ثلاث مراتٍ متتاليةٍ بين عامي 2015 و2017، وكأس السوبر الإسباني مرتين عامي 2013 و2016.
يلعب نيمار مع نادي برشلونة الإسباني منذ عام 2013
ليكمل نيمار أربعة مواسم بقميص العملاق الكتالوني، خاض خلالها 123 مباراةً في الليغا سجل فيها 68 هدفًا وصنع 52، و40 مباراةً في الشامبيونز ليغ سجل فيها 21 هدفًا وصنع 20، و20 مباراةً في كأس إسبانيا سجل فيها 15 هدفًا وصنع ستة، ومباراةً في كأس العالم للأندية واثنتين في كأس السوبر الإسباني سجل خلالها هدفًا وصنع اثنين، ليبلغ عدد مبارياته الإجمالي مع البارسا 186 مباراةً، سجل خلالها 105 أهدافٍ وصنع 80.
نيمار قاد البرازيل لإحراز كأس القارات عام 2013
ومع المنتخب البرازيلي فرضت موهبة نيمار نفسها مبكرًا، فاستدعي لتمثيل السيليساو للمرة الأولى في شهر أغسطس من عام 2010، وخاض معه بطولة كوبا أمريكا عام 2011، ومن ثم بطولة كأس القارات عام 2013، التي حقق أبناء السامبا لقبها بفوزهم في النهائي على منتخب إسبانيا.
يلعب نيمار مع منتخب البرازيل منذ عام 2010 وقد خاض 77 مباراةً وسجل 52 هدفًا
وبعدها أخفق نيمار ورفاقه في تحقيق حلم كأس العالم، في النسخة التي استضافتها بلاده عام 2014، بعد أن تعرض لإصابةٍ قاسيةٍ حرمته من خوض نصف النهائي أمام ألمانيا، وفشل في التعويض خلال بطولة كوبا أمريكا عام 2015، ولكنه نجح العام الماضي في تحقيق حلمٍ قديمٍ لطالما راود الشعب البرازيلي، بقيادته منتخب السيليساو الأولمبي لتحقيق ذهبية أولمبياد ريو عام 2016، بعد الفوز الصعب في النهائي على المنتخب الألماني.
نيمار قاد البرازيل لتحقيق حلم التتويج بالذهب الأولمبي في ريو 2016
وعلى صعيد الإنجازات الفردية، استطاع نيمار خلال أعوامه الثمانية كمحترفٍ في الملاعب، تحقيق جوائز وأرقام قياسية عجز عن تحقيقها معظم نجوم العالم طوال مسيرتهم، فقد اختير كأفضل لاعبٍ واعدٍ في البرازيل لعام 2010، بعد إحرازه لقب هداف كأس البرازيل للعام ذاته، قبل أن يشهد عام 2011 تتويجه بلقب أفضل لاعبٍ في كأس العالم للشباب، وأفضل لاعبٍ في الدوري البرازيلي وفي قارة أمريكا اللاتينية، إضافةً إلى فوزه بجائزة بوشكاش لأفضل هدفٍ خلال العام.
اختير نيمار من قبل الفيفا كثالث أفضل لاعبٍ في العالم لعام 2015
وشهد عام 2012 تتويج نيمار بلقب الهداف في بطولتي الدوري البرازيلي والليبيرتادوريس، مما أهله لحمل جائزة أفضل لاعبٍ في أمريكا اللاتينية للعام الثاني على التوالي، قبل أن يقوده تألقه في كأس القارات عام 2013، للتتويج بجائزة أفضل لاعبٍ فيه، وهو ما فشل بتحقيقه خلال بطولة كأس العالم عام 2014، التي سجل خلالها أربعة أهدافٍ أهلته لتحقيق جائزة الحذاء البرونزي.
وفي موسم الثلاثية التاريخية لفريقه برشلونة أبدع نيمار وأمتع، وحقق لقب هداف الشامبيونز ليغ برصيد عشرة أهداف، ليستحق الترشح لجائزة الكرة الذهبية لعام 2015، حيث جاء في المركز الثالث بعد كلٍ من ميسي وكريستيانو رونالدو، فضلًا عن اختياره في عداد الفريق المثالي السنوي لكلٍ من الفيفا واليويفا.
ثلاثي MSN من أقوى خطوط الهجوم في تاريخ برشلونة
وبعد أن تعرفنا على سيرة ومؤهلات وإنجازات نيمار التي أهلته ليكون بطل صفقة القرن المرتقبة، ننتقل للحديث عن ملابسات تلك الصفقة وأسبابها، ونبدأ من صيف العام الماضي، حين نجح مسؤولو برشلونة في إقناع نجمهم البرازيلي المتألق بتمديد عقده ثلاثة أعوامٍ إضافية حتى صيف عام 2021، مع وضع شرطٍ جزائيٍ يقضي بتسديد مبلغ 222 مليون يورو للنادي الكتالوني، في حال فسخ عقد اللاعب قبل انتهاء أمده، حيث كان الواضح أن الرقم الموضوع في الشرط الجزائي ما هو إلا شرطٌ تعجيزيٌ غير قابلٍ للتحقيق على المدى القريب.
جدد نيمار عقده مع برشلونة عام 2016 مع وضع شرطٍ جزائيٍ مقداره 222 مليون يورو
ولكن جنون مالك نادي باريس سان جيرمان الثري القطري ناصر الخليفي وهوسه بشراء النجوم من جهة، وتضافر عدة أسبابٍ رياضيةٍ وغير رياضيةٍ غيرت ولاء اللاعب وانتمائه من جهةٍ أخرى، جعلت المستحيل ممكنًا، وجعلت بقاء النجم الذي كان يشكل مع كلٍ من ميسي وسواريز أحد أضلاع مثلث MSN الهجومي الكتالوني الفتاك، في مهب الريح.
أموال باريس سان جيرمان نجحت في إقناع نيمار
وإذا بحثنا عن الأسباب الرياضية التي حملت نيمار على اتخاذ قرار الرحيل عن البارسا، نجد أن جلها يتمحور حول هوس النجومية، حيث سئم النجم البرازيلي لعب دور الرجل الثاني، وأراد الخروج من عباءة الأسطورة ميسي، ليتسنى له بناء مجده الخاص، ضمن فريقٍ متعطشٍ للألقاب ويمتلك مشروعًا رياضيًا واعدًا مثل النادي الباريسي.
أما الأسباب غير الرياضية فهي أكبر من ذلك بكثير، ويأتي في مقدمتها الجانب الاقتصادي، حيث وعد النادي الباريسي نيمار براتبٍ خياليٍ يبلغ نحو 30 مليون يورو سنويًا، وهو ما يفوق ضعفي ما يتقاضاه النجم البرازيلي حاليًا في البارسا، كما أن العمولة التي عرضها مسؤولو سان جيرمان على والد نيمار الذي يتولى إدارة أعماله، جعلت لعابه يسيل ويسعى بكل ما أوتي لإتمام الصفقة، علمًا بأن الأب كان وما زال أحد أبرز أسباب تورط ابنه مع القضاء الإسباني في فضائح التهرب الضريبي والعمولات غير القانونية، والتي شكلت بدورها عامل ضغطٍ جديدٍ وسببًا آخر من أسباب رحيل نيمار المرتقب.
عرض باريس سان جيرمان على نيمار راتبًا سنويًا يفوق ضعفي ما يتقاضاه في برشلونة
ومن جانبٍ آخر، يبرز عاملٌ إضافيٌ دعا نيمار لتفضيل النادي الباريسي على فريقه الحالي، وهو احتواؤه على عددٍ من اللاعبين البرازيليين، الذين يرتبط معهم بأواصر صداقةٍ وأخوة ٍ، كتياغو سيلفا وماركينيوس ولوكاس مورا، إضافةً إلى النجم داني ألفيس، الذي شكل رحيله عن البارسا نهاية الموسم الماضي، أحد أسباب كآبة نيمار وحزنه، فإذا به يسبقه إلى سان جيرمان ويدعوه للالتحاق به.
الصديقان نيمار وداني ألفيس بقميص برشلونة
وهكذا تعرفنا على دواعي صفقة القرن وأسبابها، فماذا عن إمكانية اكتمالها؟
تُظهر آخر المستجدات من أخبارٍ وتصريحاتٍ أن الصفقة قد تمت بالفعل، حيث تغيرت لهجة رئيس النادي الكتالوني ولاعبيه، من نافيةٍ للأمر مكذبةٍ له، إلى ممهدةٍ لحدوثه داعيةٍ لتقبله، كما شرع مسؤولو برشلونة بفتح قنوات التفاوض مع عددٍ من كبار المهاجمين، لتأمين بديلٍ لنجمهم الموشك على الرحيل.
وبدورها، فندت مصادر النادي الباريسي أي شكوكٍ عن شرعية الصفقة من الناحية القانونية، بلجوئها إلى طرقٍ مضمونةٍ لتفادي الوقوع في فخ مخالفة قوانين اللعب المالي النظيف الصادرة عن اليويفا، حيث لجأت إلى الاستعانة بشركةٍ وسيطةٍ لشراء عقد اللاعب، على أن تسدد قيمته لها على أقساطٍ طويلة الأمد، وبذلك أصبحت كل الظروف مهيأةً لتكتمل صفقة القرن، ويصبح نيمار لاعبًا جديدًا في صفوف باريس سان جيرمان.