ألقى العاهل المغربي خطابه بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لتربعه على عرش المملكة المغربية قبل يوم من موعده المعتاد، في سابقة هي الأولى في تاريخ خطاب العرش سواء أيام الراحل الحسن الثاني أو الملك محمد السادس، الخطاب الذي حمل العديد من الدلالات والرسائل لسياسيي المملكة ومواطنيها، وتضمّن انتقادات كبيرة للإدارة والأحزاب على حدّ السواء.
“حراك الريف” الجزء الأبرز
كما كان منتظرا، خصّ الملك المغربي محمد السادس جزءا كبيرا من خطاب العرش الذي ألقاه مساء أمس للحديث عن حراك الريف، وقال الملك إن “الأحداث التي شهدتها بعض المناطق أبانت عن “انعدام غير مسبوق لروح المسؤولية”، بأن “انزلق الوضع بين مختلف الفاعلين، إلى تقاذف المسؤولية، وحضرت الحسابات السياسية الضيقة، وغاب الوطن، وضاعت مصالح المواطنين”، منتقدا بشدة الأحزاب السياسية التي “لا دور لبعضها في التواصل مع المواطنين وحل مشاكلهم“، مؤكّدا ” تفضيل أغلب الفاعلين السياسيين لمنطق الربح والخسارة للحفاظ على رصيدهم السياسي على حساب الوطن”.
وأوضح العاهل المغربي إن القوات العمومية وجدت نفسها في الحسيمة وجها لوجه مع الساكنة نتيجة عدم قيام الأحزاب بدورها، مشيدا بعمل الأجهزة الأمنية بالقول إن عناصرها “يقدمون تضحيات كبيرة”، منتقدا كذلك أفكارا تروج بوجود مقاربة أمنية، وقال ” القوات العمومية تقوم بعملها، عكس ما يدعيه البعض من لجوء إلى ما يسمونه بالمقاربة الأمنية، وكأن المغرب فوق بركان، وأن كل بيت وكل مواطن له شرطي يراقبه”.
وأشارت تقارير اعلامية وحقوقية مغربية وأجنبية في وقت سابق إلى انتهاج السلطات المغربية مقاربة أمنية لوقف انتشار حراك الريف والحدّ من فعاليته رغم سلميته وعدم تسجيل أي اعتداء على أملاك عامة أو خاصة، وكشفت هذه التقارير عن اقدام قوات الأمن إلى تطوين مدن الشمال المغربي لمنع الاحتجاجات وقيامها بحملة اعتقالات في صفوف المحتجين والصحفيين. وتشهد مدينة الحسيمة وعدد من مدن وقرى منطقة الريف، شمالي المغرب، احتجاجات متواصلة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للمطالبة بالتنمية و”رفع التهميش” ومحاربة الفساد، وذلك إثر وفاة تاجر السمك محسن فكري المنحدر من امزورن، الذي قتل طحنًا داخل شاحنة لجمع النفايات، خلال محاولته الاعتصام بها، لمنع مصادرة أسماكه.
انتقادات لاذعة للسياسيين
في هذا الخطاب، وجه الملك المغربي مجموعة من الانتقادات اللاذعة، للطبقة السياسية والأحزاب محملا إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع، مطالبا إياها بالإنصات لهموم الشعب وتقديم خيرة نخبتها، والابتعاد عن الصراعات السياسية الضيقة وجعل احتياجات المواطن ومصلحة الوطن فوق أي اعتبار سياسي ضيق.
وأشار ملك المغرب إلى أن بعض السياسيين انحرفوا بالسياسة، كما أن المواطن لم يعد يثق بهم، وخاطب المسؤولين بقوله إما أن تقوموا بمسؤولياتكم أو تنسحبوا، وقال إنه عندما لا تسير الأمور كما ينبغي يتم الاختباء خلف القصر الملكي في حين يتم الهرولة لقطف نتائج وثمار النجاح، معبرا عن صدمته من تواضع الإنجازات في بعض القطاعات. ويؤكّد مراقبون أن الشارع المغربي فقد الثقة في وزراء حكومة سعد الدين العثماني، والأحزاب السياسية المغربية، والمؤسسات الوسيطة في الدولة لحل هذا ملف حراك الريف المتواصل منذ تسعة أشهر.
مع دخول منطقة الريف مرحلة من التوتر… سارعت أكثر من مائة شخصية سياسية وأكاديمية مغربية إلى المطالبة بتدخل الملك لتهدئة
إلى جانب ذلك دعا الملك، إلى تطبيق الدستور وآليات المحاسبة على كافة المسؤولين بلا استثناء وفي جميع مناطق المغرب، وأضاف أنه لا يوجد فرق في نظر القانون بين المسؤول والمواطن، وأكد أنه لا مجال للتهرب من المسؤولية، وأوضح أن الصراع الحزبي بلغ حد الإضرار بالصالح العام.
ومع دخول منطقة الريف مرحلة من التوتر نتيجة عجز رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وطاقمه الوزاري، عن التدخل لإخماد ما اعتبرها البعض نار “فتنة” قادمة سارعت أكثر من مائة شخصية سياسية وأكاديمية مغربية إلى المطالبة بتدخل الملك لتهدئة الوضع على غرار تدخله في 9 مارس/ آذار من عام 2011 بالإعلان عن تعديلات دستورية جنبت المغرب السقوط في مسار صدامي بين المطالب الشعبية وسلطات النظام الملكي آنذاك.
“التسابق على المناصب، بغرض استغلال السلطة والنفوذ”
العاهل المغربي اعتبر أيضا أن تعطيل مسؤول ما لمشروع تنموي أو اجتماعي، لحسابات سياسية أو شخصية، يعدّ “خيانة”، وإن تصرفات عدد من المسؤولين تزكي الفكرة السائدة لدى عموم المغاربة، بأن “التسابق على المناصب، هو بغرض الاستفادة من الريع، واستغلال السلطة والنفوذ”. وقال الملك إن المغرب يعيش “مفارقات صارخة من الصعب فهمها”، فـ”بقدر ما يحظى به المغرب من مصداقية، قاريا ودوليا، ومن تقدير شركائنا، وثقة كبار المستثمرين، بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع، بتواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم”.
فشل سياسيو المغرب في معالجة مشاكل البلاد
وكانت الحكومة رصدت في الشهر الماضي، بتعليمات ملكية، غلافا ماليا قدره 650 مليون دولار لتنفيذ برنامج منارة المتوسط الذي يشمل أكثر من 500 مشروع تنموي لفائدة منطقة الريف، وهو المشروع الذي أعلن عنه الملك محمد السادس قبل عامين لكن تنفيذه واجه صعوبات وعراقيل، كانت أحد الأسباب التي فجرت غضب السكان.
وفي أخر اجتماع وزاري له، عبّر الملك المغربي عن “استيائه وانزعاجه وقلقه” بخصوص عدم تنفيذ مشاريع برنامج الحسيمة منارة المتوسط الذي أعطيت انطلاقته أكتوبر 2015، وأصدر حينها تعليماته حتى تقوم وزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية بالأبحاث والتحريات اللازمة حول هذا الموضوع ورفع تقرير بهذا الشأن، وقرّر الملك على إثر ذلك عدم الترخيص للوزراء المعنيين بتتبع المشروع بالاستفادة من العطلة السنوية.
بادرة حسن نية
بالتزامن مع ذلك، وفي بادرة حسن نية أصدر الملك محمد السادس عفوا عن مجموعة من الأشخاص منهم المعتقلون ومنهم الموجودون خارج السجون حكمت عليهم محاكم البلاد، وعددهم 1178 شخصا، وقال بيان لوزارة العدل المغربية إن “عدد المستفيدين من العفو الملكي الموجودين في حالة اعتقال 911 شخصا، بينما يبلغ عدد المستفيدين من العفو الموجودين في حالة سراح (محكوم عليهم ولم يكونوا معتقلين) هو 267”.
عادت الأجواء في مدينة الحسيمة هذا الأسبوع إلى الهدوء النسبي، بعد المسيرة التي نظمت يوم 20 من هذا الشهر بالمدينة
ولم يكشف بيان وزارة العدل المغربية عن عدد معتقلي “حراك الريف” الذين تم العفو عنهم، كما لم يذكر أسماء المُعفى عنهم، إلا أن تقارير اعلامية أشارت إلى أن عدد معتقلي “الحراك” الذين شملهم العفو بلغ 40 شخصًا، ويبلغ عدد الموقوفين على خلفية حراك الريف شمال المغرب، أكثر من 200 شخص، ويحاكم حاليا 120 منهم فيما صدرت بحق بعض الموقوفين أحكاما تصل إلى السجن 20 شهرا، حسب نشطاء الحراك.
تواصل احتجاجات مدن الريف
واستفاد من العفو حسب بلاغ أصدرته وزارة العدل المغربية “مجموعة من المعتقلين الذين لم يرتكبوا جرائم أو أفعالا جسيمة في الأحداث التي عرفتها منطقة الحسيمة، اعتبارا لظروفهم العائلية والإنسانية، وتجسيدا لما يخص به الملك رعاياه الأوفياء وخاصة من أبناء هذه المنطقة من رأفة وعطف”. وعادت الأجواء في مدينة الحسيمة هذا الأسبوع إلى الهدوء النسبي، بعد المسيرة التي نظمت يوم 20 من هذا الشهر بالمدينة، والتي شارك فيها عدد من المواطنين المغاربة المقيمين في الخارج، للتذكير بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية للسكان.