يبدأ في فنزويلا اليوم انتخابات “الجمعية التأسيسية” التي ينظمها الرئيس مادورو للتخلص من البرلمان الذي تحظى المعارضة فيه بغالبية مقاعده.
ومنذ أعلن مادورو نيته تأسيس جمعية شعبية، تملك صلاحيات إعادة صياغة الدستور ليحل محل الدستور الموضوع منذ العام 1999، بدأت المعارضة حراكًا كبيرًا في الشوارع بمختلف مناطق فنزويلا رفضًا لتلك الجمعية، التي يمثل أعضاؤها مختلف قطاعات المجتمع ولا ينتمون إلى أحزاب سياسية وسيتم، وفق قول مادورو، انتخاب قسم من الأعضاء الـ500 للمجلس، من قبل مختلف قطاعات المجتمع، منهم على سبيل المثال المتقاعدون والأقليات وسيكون للمعوقين فيه ممثلوهم.
%70 من الفنزويليين يرفضون إنشاء الجمعية التأسيسية و80% يرفضون سلطة مادورو
وبقدوم هذا اليوم تمر البلاد بأحلك أيامها ويشير متابعون أن هذا اليوم قد يكون فاصلاً في تاريخ فنزويلا، فالتخلص من البرلمان في البلاد يعني “حربًا أهلية” بسبب رفض قطاع واسع لهذه الجمعية ولإجراءت مادورو وسياساته وبقائه في الحكم.
الخارجية الأمريكية تجلي دبلوماسييها من كاراكاس
وسط هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، أجلت وزارة الخارجية الأمريكية دبلوماسييها وعائلاتهم من العاصمة الفنزويلية كاركاس، وهو إجراء مبني على معلومات استخباراتية دقيقة بالنسبة لواشنطن حيال ما سيحصل في هذا اليوم والأيام المقبلة في البلاد.
منذ أبريل/نيسان الماضي والمعارضة تتصدى لهذا اليوم الانتخابي عبر المظاهرات في الشوارع أدت لمقتل نحو 110 أشخاص في مواجهات مع قوات الأمن، وعمدت المعارضة منذ يوم الخميس الماضي لتطبيق إضرابات سقط فيها أكثر من 7 قتلى من المدنيين بعد مواجهات مع الشركة وقوات الأمن.
أبدى الرئيس البوليفي إيفو موراليس، مخاوفه من نية الولايات المتحدة غزو فنزويلا في الفترة المقبلة
يعد التخلص من البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة بعد انتخابات 6 ديسمبر/كانون الأول 2015 وهو ما حد من قدرة الرئيس مادورو من التحرك وأخضعه للمحاسبة بحسب الدستور، ويعد البرلمان قائد حركة المعارضة في الشوارع ضد مادورو وهو الجهة الوحيدة التي اخترقت بنيات النظام الفزويلي في سنوات ما بعد رحيل هوغو تشافيز في العام 2013.
وكان فوز المعارضة من يمين الوسط في الانتخابات التشريعية نهاية عام 2015، نقطة حاسمة في تاريخ فنزويلا، إذ وضعت المعارضة حدًا لهيمنة تيار تشافيز، وطالبت باستقالة مادورو، وسعت العام الماضي للدفع نحو تنظيم استفتاء يدعو لرحيله، غير أن المحكمة الدستورية العليا في البلاد، ضيّقت السبل القانونية أمام المعارضة، وأطاحت بالاستفتاء.
وقويت شوكة المعارضة بعد “الانقلاب الداخلي” من قبل المدعية العامة في المحكمة العليا لويزا أورتيغا، التي رفضت إخضاع البرلمان لسلطة الرئيس مادورو بغية “حماية الديمقراطية” ثم انفضلت عن النظام مؤيدة مواقف المعارضة في رفض الجمعية التأسيسية.
تعد مستويات التضخم في فنزويلا الأعلى في العالم، وإذا بقي الأمر على ما هو عليه فإن التضخم في المستقبل سيرتفع ليلامس مستويات غير مسبوقة تصل إلى 1500%
وحسب ما يخطط له مادورو فإن تشكيل تلك الجمعية التي ستحل محل نواب البرلمان المنتخبين اعتبارًا من 2 من أغسطس/آب المقبل، ومن المفترض أن يبلغ عدد أعضاء اجمعية 545 شخصًا، سيمثل 364 عضوًا منهم الدوائر البلدية و173 سيعينون من مجموعات اجتماعية مثل العمال والمتقاعدين والطلاب والفلاحين ورؤساء المؤسسات، إضافة إلى 8 من السكان الأصليين.
ويُذكر أن 70% من الفنزويليين يرفضون إنشاء الجمعية التأسيسية و80% يرفضون سلطة مادورو بحسب معهد “داتا أناليسيس” للاستطلاع، ومع ذلك يرى مادورو أن صياغة الدستور مجددًا عبر الجميعة التأسيسية هو حل للأزمة بينما تراه المعارضة وسيلة من قبل الرئيس للتمسك بالسلطة وتفادي الانتخابات الرئاسية المقررة نهاية العام المقبل والتي من شأنها أن تطيح مادورو عن الحكم.
ومن المقرر أيضًا أن الحكومة تؤكد أن الجمعية التأسيسية والتي لم تحدد مدة ولاتها ستحظى بسلطات مطلقة تسمح لها بحل البرلمان وإرساء السلام والنهوض باقتصاد البلاد، لذا فإن المعارضة ترى في هذه الإجراءات نذير شؤم وهاوية سياسية واقتصادية.
وفي هذا السياق، فإن تجربة مادورو هذه لن تخلو من المخاطر، فالولايات المتحدة ذكرت على لسان رئيسها ترامب أن “واشنطن لن تبقى مكتوفة الأيدي في حين تنهار فنزويلا وإذا فرض نظام مادورو جمعيته التأسيسية فإن الولايات المتحدة ستتبنّى إجراءات اقتصادية شديدة وسريعة”.
يضاف إلى الولايات المتحدة، حلفاء آخرين خسرهم مادورو في الفترة الأخيرة، مثل الفاتيكان وكوبا، كما أن البرازيل والأرجنتين وكولومبيا والبيرو والإكوادور في محيطه الأمريكي الجنوبي لا أحد منهم يقف على وفاق معه.
الجمعية التأسيسية والتي لم تحدد مدة ولاتها ستحظى بسلطات مطلقة تسمح لها بحل البرلمان وإرساء السلام والنهوض باقتصاد البلاد، لذا فإن المعارضة ترى في هذه الإجراءات نذير شؤم وهاوية سياسية واقتصادية
وأبدى الرئيس البوليفي إيفو موراليس، مخاوفه من نية الولايات المتحدة غزو إحدى الدول في الفترة المقبلة، مرجّحًا فنزويلا، واعتبر أن “فرض عقوبات على مسؤولين فنزويليين تسبق التدخل العسكري”، في إشارة إلى إعلان مسؤولين أمريكيين دراسة فرض عقوبات على فنزويلا، إضافة إلى فرض عقوبات على شخصيات بارزة في فنزويلا، أبرزهم وزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز، والعضو المؤثر في الحزب الاشتراكي ديوسدادو كابيلو.
التدهور الاقتصادي
كان للتدهور الاقتصادي في البلاد أبرز الأسباب التي أدت لهذه الأحداث الدامية، إذ عجزت حكومة مادورو الاشتراكية عن تأمين حاجات السكان الأساسية ووقعت البلاد في براثن الفقر في بلد تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم، إذ يبدو حال فنزويلا وكأنها بلد فقيرة لا يمتلك شيئًا من الثروات الطبيعية.
وقد تأثر الاقتصاد الفنزويلي على وقع هبوط سعر النفط كثيرًا كما تأثرت دول نفطية أخرى في العالم، إلا أن وقع ذلك الانخفاض على فنزويلا كان شديدًا بسبب اعتماد ماليتها على إيرادات النفط بشكل كامل، فأدى هبوط الإيرادات إلى عجز الحكومة عن توفير المستلزمات الأساسية للشعب.
فنزويلا احتلت أكبر معدل انكماش في العالم، بواقع نحو – 10% في العام 2015
وباتت البلاد تعيش أزمة اقتصادية حقيقية أدت لتفشي الجوع والفقر والمرض والفساد والجريمة، والحكومة تعيش حالة من الإفلاس منذ أكثر من عام تعجز فيها عن توفير متطلبات الحياة الضرورية، مما أدى لفرض حالة الطوارئ الاقتصادية في البلاد منذ بداية العام الماضي 2016 وأصدر مادورو أوامره لوضع السلطات يدها على المصانع التي توقفت عن الإنتاج وسجن ملاكها، وقال: “سنتخذ كل الخطوات كي يستعيد الاقتصاد عافيته بعد أن أصابه البرجوازيون بالشلل”.
وتعد مستويات التضخم في فنزويلا الأعلى في العالم، وإذا بقي الأمر على ما هو عليه فإن التضخم في المستقبل سيرتفع ليلامس مستويات غير مسبوقة تصل إلى 1500% في العام الحاليّ حسب بلومبيرغ.
كما أن دخل الفرد انخفض إلى أكثر من 300% بين عام 2013 وعام 2015 خلال فترة حكم مادورو، أي أنه انخفض من نحو 12 ألف دولار في السنة إلى أكثر قليلاً من 4 آلاف دولار بحساب القيمة الشرائية، ويلقي المصرف المركزي الفنزويلي باللوم على تجار العملة في السوق السوداء، حيث يقول في تقريره الأخير إن 60% من الزيادة في التضخم تعود إلى تجار العملة، الذين يضاربون على العملة الفنزويلية مقابل الدولار.
وهبطت قيمة البوليفار في السوق السوداء إلى مستويات منخفضة جدًا وبحسب وكالة بلومبيرغ الاقتصادية 2016 أشارت في تقرير سابق أن البوليفار هبط بمقدار 97% منذ استلام مادورو رئاسة البلاد، حيث يتوفر في الأسواق الفنزويلية سعر الحكومة الرسمي وسعر السوق السوداء ويتضاعف سعر صرف الدولار في السوق السوداء بمعدل 150 مرة عن أسعار الصرف الأخرى الموجودة في السوق.
الحكومة تعيش حالة من الإفلاس منذ أكثر من عام تعجز فيها عن توفير متطلبات الحياة الضرورية، مما أدى لفرض حالة الطوارئ الاقتصادية في البلاد منذ بداية العام الماضي 2016
وبحسب صندوق النقد الدولي فإن فنزويلا احتلت أكبر معدل انكماش في العالم، إذ بلغ حوالي – 10% في العام 2015 بينما بلغ أعلى معدل نمو في العالم لإثيوبيا بواقع 8.7% والفرق بين إثيوبيا وفنزويلا من حيث الثروة النفطية كبير، وبحسب تقرير صادر عن مصرف باركليز البريطاني في يناير/كانون الثاني 2016، فإن فنزويلا تخطت مرحلة الإنقاذ والإفلاس بات أمرًا حتميًا، وأن البلاد لن تتمكن من خدمة ديونها.
كما أن شركة النفط الوطنية الفنزويلية ذراع الحكومة لإنتاج وتكرير النفط في البلاد تدين بديون ضخمة تصل قيمتها إلى 46 مليار دولار فضلًا عن ديون تجارية تصل إلى 35 مليار دولار، وهذا يصعب من مهمة الحكومة لإنقاذ الشركة وخدمة ديونها في أوقاتها المستحقة في ظل ما تعانيه من شح في إيرادات النفط المورد الأساسي للحكومة، وحسب الحكومة فإن خزانات المياه البالغ عددها 18 في البلاد تعاني من الجفاف بسبب الظواهر المناخية الحادة التي تعرضت لها البلاد في الفترة الأخيرة، بالتالي فإن توفير المتطلبات الأسياسية للشعب بالنسبة للحكومة ستكون عسيرة.
لا شك أن هذا اليوم هو يوم مفصلي ومهم في تاريخ فنزويلا، إذ قد يؤدي تعنت الرئيس مادور في المضي بمخططاته إلى صدام مع المعارضة، من شأنه أن يقود لتدخل القوى الكبرى في البلاد لصالح المعارضة والإطاحة بحكم مادورو.