برز اسم جزيرة سقطرى (Socotra) اليمنية الواقعة قرب خليج عدن، على بعد 350 كيلومترًا جنوبي شبه الجزيرة العربية، على الساحة مجددًا بعدما تكشف النقاب عن مخطط الإمارات لفرض السيطرة على مفاصل الجزيرة في إطار مساعيها الحثيثة لإحكام قبضتها على الجزر اليمنية في الجنوب.
المعلومات التي خرجت للنور مؤخرًا بشأن تحركات أبناء زايد في تلك المنطقة الاستراتيجية تأتي في إطار الخطة الممنهجة التي وضعت خيوطها الأولى منذ بداية التدخل العربي في اليمن في 2015 لإخضاع باب المندب للسيطرة الإماراتية، من أجل لعب الدور الرئيسي في تأمينه لتوسيع نفوذها الإقليمي.
ورغم تعزيز تلك التحركات للاتهامات الموجهة للإمارات بالعمل على فصل الجنوب اليمني عن شماله وهو ما تتحفظ عليه المملكة العربية السعودية، فإن أبو ظبي تسير في نهجها وفق خطوات ثابتة، وصلت إلى حد التحول من مسألة الإدارة العسكرية للمعارك الجنوبية إلى استيطان أشبه بالاحتلال الكامل، وهو ما يتضح بصورة جلية في ضعف نفوذ المجالس المحلية أمام الإرادة الإماراتية، فما تفاصيل هذا المخطط؟
لماذا “سقطرى”؟
تتمتع جزيرة سقطرى بموقع استراتيجي غاية في الأهمية، كونها نقطة التقاء المحيط الهندي مع كل من بحر العرب مع بابا المندب قبالة شاطئ المُكلا جنوب اليمن (300 كم) وشواطئ الصومال (80 كم)، مما يضفي عليها أهمية استراتيجية بحرية لا تتوفر لكثير من الجزر المجاورة لها في تلك المنطقة.
وبحسب العقيدة العسكرية الأمريكية، فإن من يسيطر على هذه النقطة على وجه الخصوص يحكم قبضته بصورة كبيرة على البحار السبع الرئيسية في العالم، انطلاقًا من المحيط الهندي ومن باب المندب وبحر العرب، لذا كانت الجزيرة محط أنظار القوى الدولية منذ عشرات القرون وحتى الوقت الراهن، ففي 1893 احتلت القوات البريطانية أرخبيل سقطرى لضمان تجارتها حول العالم، كذلك البرتغاليون في عام 1507 لاستمرار نفوذهم البحري في المحيط الهندي وشرق آسيا بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام 1488.
وتتكون “سقطرى” من أرخبيل مكون من أربع جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الإفريقي بالقرب من خليج عدن، على بعد 350 كيلومترًا جنوبي شبه الجزيرة العربية، ويشمل الأرخبيل جزيرة رئيسة هي سقطرى، إضافة إلى ثلاث جزر أخرى هي: درسة، سمحة، عبدالكوري، فضلاً عن جزيرتين صخريتين أخرتين.
أما إداريًا فتتكون من مديريتين هما مديرية حديبو وبها العاصمة مدينة حديبو ومديرية قلنسية وعبد الكوري وهي أقل أهمية من الأولى، وتمتد سقطرى من رأس مومي في أقصى الشرق إلى رأس شوعب في أقصى الغرب إلى الشمال من خط الاستواء، ورغم ما تتمتع به الجزيرة من مقومات وإمكانيات وموارد، فإن أهلها يعيشون على صيد الأسماك والحيوانات وعلى جمع منتجات نباتات مقدسة مثل اللبان والصبر السقطرى والمر والبخور.
من يسيطر على هذه النقطة على وجه الخصوص يحكم قبضته بصورة كبيرة على البحار السبعة الرئيسية في العالم
موقع استراتيجي وفرص استثمارية هائلة في سقطرى
واشنطن وتعزيز أهمية الجزيرة
ظلت “سقطرى” غائبة عن أعين العرب لفترات طويلة رغم موقعها المتميز، فغياب الدوافع وراء وضعها تحت مجهر العناية والملاحظة كان السبب في إخراجها عن دائرة الاهتمام العربي، إلى أن جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في 2010 لتلفت أنظار الجميع إلى الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة وهو ما فرض نفسه بقوة في أعقاب أحداث الربيع العربي الذي ساهم بشكل كبير في تغيير ملامح خارطة الشرق الأوسط وأعاد تشكيل حزمة التحالفات من جديد.
وانطلاقًا من العقيدة العسكرية الأمريكية سالفة الذكر أن من يملك تلك المنطقة يفرض سيطرته على البحار السبع الكبرى في العالم، تجاريًا وعسكريًا، فقد استقر في يقين صناع القرار في واشنطن أن جزيرة “سقطرى” تعد مفتاحًا مهمًا من مفاتيح الصراعات الجديدة في القرن الواحد والعشرين المتعلقة بمواجهة تهديدات الإرهاب والقرصنة للسلام العالمي، ومن هنا كان التحرك.
بدأت أبو ظبي في نسج خيوطها لإحكام السيطرة على الجزر الواقعة في المنطقة الجنوبية لليمن والمطلة على الخليج العربي مع بداية التدخل العربي العسكري في اليمن 2015
في الثاني من يناير 2010 عقد الجنرال ديفيد بتريوس قائد القيادة الوسطى الأمريكية في صنعاء اجتماعًا مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبد اللـه صالح في العاصمة اليمنية صنعاء، لمناقشة الطلب الأمريكي إقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة، ووفقا لبعض المصادر وافق الرئيس اليمني على هذا الطلب في مقابل زيادة المساعدات العسكرية الأمريكية لليمن إلى أكثر من الضعف، لتبلغ أكثر من 150 مليون دولار أمريكي في 2010 مقابل 70 مليون دولار 2009.
ومن هنا كان اتفاق صالح – باتريوس، والذي تضمن بعض النقاط لعل أبرزها: السماح للولايات المتحدة باستخدام طئرات دون طيار من قاعدة سقطرى في حربها ضد القاعدة، استخدام صواريخ بحر – بحر وكل أنواع الصواريخ المحمولة بحرًا، وإنشاء قاعدة عسكرية كاملة من أجل تقديم المزيد من الدعم العسكري واللوجيستي في المعارك ضد الإرهاب وضد عمليات القرصنة البحرية التي تحدث بالقرب من السواحل الصومالية.
ومع اشتعال الأزمة اليمنية ومحاولة الإمارات الدخول كلاعب أساسي المشهد بجانب السعودية، بدأت أبو ظبي في نسج خيوطها لإحكام السيطرة على الجزر الواقعة في المنطقة الجنوبية لليمن والمطلة على الخليج العربي، لا سيما ميناء عدن وجزيرة سقطرى، وهو ما بدأ يترجم على أرض الواقع مع بداية التدخل العربي العسكري في اليمن في مارس 2015.
من أبرز التحركات الإماراتية في الجزيرة لإحكام السيطرة عليها شراء الأراضي، وذلك تحت إشراف إماراتيين، الأول هو خلفان بن مبارك المزروعي والثاني يدعى محمود محمود فتحي علي الخاجه
مخطط السيطرة الإماراتية
ازدادت أهمية وقيمة أرخبيل جزر سقطرى في أعين الإماراتيين بعد التدخل العسكري في اليمن وهو ما يفسر أسباب الاهتمام الإماراتي بالمنطقة الجنوبية على وجه الخصوص، ومساعيها الرامية إلى فرض قبضتها عليها في إطار مخطط فصلها عن شمال اليمن ما يؤهل أبو ظبي للتحكم في واحدة من أكثر بقاع العالم أهمية على المستوى التجاري والعسكري.
المنطقة في حد ذاتها تتمتع بفرص استثمارية غير مسبوقة في ظل تصنيفها من قبل منطمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة على أنها واحدة من مناطق الإرث الطبيعي للإنسان، مما يؤهلها لأن تصبح حال استغلالها بصورة جيدة مزارًا سياحيًا عالميًا فضلاً عما يتوفر بها من تنوع للحياة البرية والزراعية والبحرية بها، وهو ما جعلها قبلة للمستثمرين الإماراتيين المدعومين من أفراد من العائلات الحاكمة لمساندتهم من أجل إقامة المشروعات طويلة المدى بها، طيلة السنوات الماضية.
النفوذ العسكري
استطاعت الإمارات أن تفرض نفوذها العسكري داخل الجزيرة بصورة كبيرة، حيث إنها تشرف على القوات العسكرية في الجزيرة التي يفوق عدد أفرادها 5 آلاف في مناطق عسكرية مغلقة، كما أنها شرعت في بناء قاعدة جوية لها غرب مطار سقطرى تحت إشراف ضابط إماراتي يدعى حسن العطار.
علاوة على ذلك فقد جندت أبو ظبي بتجنيد نحو 1000 شاب من الجزيرة، خضعوا لتدريبات مكثفة في الإمارات لعدة أشهر وجرى توزيعهم على نقاط عسكرية في الأرخبيل، للبدء في تنفيذ مخطط السيطرة والاستيلاء على الجزيرة ككل، في الوقت الذي تجاهلت فيه مئات الشباب السقطرى الذين تلقوا تدريبهم عن طريق السلطات الشرعية في مأرب تحت إشراف سعودي بهدف تعزيز قدرات اللواء أول مشاة بحري، كما أنها رفضت التعامل معهم.
هيمنة عسكرية إماراتية شبه كاملة على الجزيرة
النفوذ المجتمعي
من أبرز التحركات الإماراتية في الجزيرة لإحكام السيطرة عليها شراء الأراضي من المواطنين وتملكها بصورة ملحوظة، وذلك تحت إشراف إماراتيين، الأول خلفان بن مبارك المزروعي، والملقب بـ”أبو مبارك”، رئيس الوفد الإماراتي الزائر إلى سقطرى والثاني يدعى محمود محمود فتحي علي الخاجه، والملقب بـ”أبو طارق”، وكلاهما وصل إلى الجزيرة بغطاء خيري من خلال مؤسسة خليفة الخيرية.
ورغم نجاح تلك التحركات فقد قوبلت ببعض الاعتراضات من قبل أبناء سقطرى مما دفع مواطنين إماراتيين إلى الزواج من فتيات سقطريات في محاولة للدمج المجتمعي داخل الجزيرة، وهو ما تناقلته بعض وسائل الإعلام مؤخرًا بشأن ارتفاع حالات زواج إماراتيين من سقطريات مما ترتب عليه غلاء في المهور داخل الأرخبيل.
النفوذ المحلي
نجحت التحركات الإماراتية داخل الجزيرة في إحكام قبضتها على المحليات بصورة كبيرة، حتى تضاءل نفوذ السلطات المحلية أمام النفوذ الإماراتي وهو ما يجسد فشل الرئيس اليمني عبد ربه منصور، وهو رئيس الدولة، في تحجيم هذا النفوذ.
وقد انتهجت أبو ظبي سياسات عدة لفرض هيمنتها على المجالس المحلية أبرزها شراء ذمم المسؤولين بالهدايا والهبات، بدءًا بتوزيع سيارات وأموال لمسؤولين ومديرين حكوميين، مرورًا بتوزيع شقق وسيارات دفع رباعي على مشايخ ومسؤولين ووجهاء، أبرزهم المحافظ السابق سعيد سالم بحقيبه، والمحافظ الحالي سالم السقطري، ومدير الأمن وقائد اللواء مشاة بحري وقائد البحرية، كما أحضر بعضهم إلى الإمارات وعلى رأسهم قائد الحراك الجنوبي يحيى مبارك.
جندت أبو ظبي نحو 1000 شاب من الجزيرة، خضعوا لتدريبات مكثفة في الإمارات لعدة أشهر وجرى توزيعهم على نقاط عسكرية في الأرخبيل
شراء الإمارات لذمم وضمائر مسؤولي الجزيرة مما يدفعهم لتنفيذ أوامرها، بالتزامن مع وصول قوات عسكرية تابعة لها ساهم بشكل كبير في سيطرة شبه كاملة على مقاليد الأمور في تلك المنطقة.
ومن مظاهر هذا النفوذ وقوع ميناء سقطرى تحت السيطرة والإدارة الإماراتية، حيث تم تسيير رحلتين بين سقطرى وأبو ظبي دون خضوعهما لأي تفتيش أو رقابة من السلطات اليمنية، بينما منع الإماراتيون طائرة عمانية من الهبوط في ميناء سقطرى بزعم أن الجزيرة أشبه بمنطقة عسكرية.
الخدمات الصحية، أبرز استراتيجيات أبو ظبي لفرض الهيمنة على الجزيرة
وفي مارس 2017 قامت الإمارات بتشغيل شركة اتصالات إماراتية في الجزيرة كما أنشأت مصنعًا للأسماك دون تنسيق مع الحكومة الشرعية، ويشرف على المشروع خلفان المزروعي، رئيس الوفد الإماراتي الزائر إلى سقطرى.
كما كشف ضباط سابقون في أمن مطار سقطرى بأن الإماراتيين يقومون بعمليات تهريب لثروة حيوانية وبيئية نادرة من الجزيرة وبأشغال وحفريات في مناطق أثرية بهدف إقامة قصور لهم مطلة على البحر، مما أثار حفيظة سكان المنطقة لكن دون جدوى، مما دفع أبو ظبي لمغازلتهم من خلال عدة سبل أبرزها تسهيل حصولهم على تأشيرات دخول رغم ما تتميز به الإمارات كونها أكثر الدول العربية تشددًا في إصدار تأشيرات لليمنيين لدخول أراضيها.
حتى الدين لم يخرج عن عباءة السيطرة الإماراتية على الجزيرة، حيث أقامت العديد من الدورات الدينية والتدريبية لخطباء الجزيرة ودعاتها داخل أبو ظبي كأحد القوى الناعمة التي استخدمها أبناء زايد لتحقيق مخططهم، وكان هاني بن بريك وزير الدولة المقال بقرار من الرئيس هادي، صاحب الدور البارز في تنسيق تلك الدورات.
وفي إطار الحديث عن القوى الناعمة، عزفت أبو ظبي على بعض الأوتار التنموية داخل الجزيرة لكسب تأييد الشارع السقطري لتحركاتها، منها بناء مستشفى خليفة، وهو المستشفى الوحيد في سقطرى، ويعالج فيه 95% من سكان الجزيرة، كذلك إعادة تأهيل وترميم وصيانة مطار جزيرة سقطرى، وتوسعة ميناء أرخبيل سقطرى، لتسهيل حركة الملاحة البحرية للمحافظة، على مدار الشهور الماضية، لم تتوقف زيارات وفود هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، على زيارة سقطرى، واضطلعت بعدد من المهام الإنسانية، حيث تفقدت بجانب إشرافها على توزيع المساعدات على المتضررين، الأوضاع الإنسانية للمتأثرين.
وفي تقرير نشرته صحيفة “البيان” الإماراتية في التاسع من أبريل الماضي تطرق إلى بعض صور الدعم الإماراتي لسكان الجزيرة، حيث شمل عددًا من المجالات الخدمية والتنموية والأمنية، ففي التعليم أعادت تأهيل مدارس الجزيرة وعددها 9 مدارس، وإضافة فصول دراسية جديدة للمدارس المزدحمة.
تم تسيير رحلتين بين سقطرى وأبو ظبي دون خضوعهما لأي تفتيش أو رقابة من السلطات اليمنية، بينما منع الإماراتيون طائرة عمانية من الهبوط في ميناء سقطرى بزعم أن الجزيرة أشبه بمنطقة عسكرية
تلك التحركات وإن كان في ظاهرها تخدم سكان الجزيرة إلا أنها وفق بعض البيانات أثارت القلق لدى قطاع كبير من الأهالي، ومع ذلك خرج سالم السقطرى، محافظ الجزيرة الحالي، بتصريحات أشاد فيها بـ”الدعم الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مؤسساتها الإنسانية العاملة في المحافظة، في تنفيذ وتمويل العديد من المشاريع التنموية والخدمية والحيوية”.
مثار قلق
لم تكن التحركات الإماراتية في جزيرة سقطرى هي الوحيدة من هذا النوع، إذ أنها تأتي بالتزامن مع بعض الخطوات التي خطتها في هذا المربع، منها إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون بباب المندب وأخرى غربًا في ساحل أرض الصومال المطلة على مياه خليج عدن وباب المندب.
هذا التزامن لا يبدو مصادفة كما يعتقد البعض، كما أنه لا يمكن تفسيره بمعزل عن المخطط الرامي لأن تصبح منطقة خليج عدن والبحر العربي كلها تحت سيطرة الإمارات بدءًا من سقطرى في الجنوب وصولاً إلى سواحل الجنوب اليمني في الشمال، مرورًا بجزيرة ميون بباب المندب ناحية الشرق، إلى ساحل القرن الإفريقي والصومال غربًا.
وبصرف النظر عن صحة الأنباء التي تشير إلى توقيع أبو ظبي اتفاقية غير معلنة مع الحكومة اليمنية، تمنح الإمارات السيادة على سقطرى لـ99 عامًا، وهو الأمر الذي نفته مصادر حكومية، إلا أن تحركاتها في المنطقة الجنوبية باتت مثار قلق وريبة للجميع، حتى حلفائها السعوديين، ويبدو أن أبناء زايد مستمرون في مخططهم نحو السيطرة الكاملة على الجزر الجنوبية ومضايقها الحيوية من أجل التحكم في هذه المنطقة الاستراتيجية لتوسيع نفوذها الإقليمي.