في أحد الأفلام الأمريكية الجميلة “شوشانك” قال مورجان فريمان لطفل صغير: “الحياة ككرة السلة، إذا لعبت لنفسك فقط، ستخسر”.
لا أستطيع الجزم، كم أسرة قابلت، كان الأهل ممن يتعاملون مع أبنائهم بمنطق ممنهج في التربية، يؤمنون بأن الطفل له “نفسية” دون استهزاء، يسألون من حولهم أو ذوي الخبرة، أو يمكثون كثير من الوقت أمام محرك البحث جوجل للقراءة والاطلاع عن كيف أعامل طفلي العنيد أو كيف أعاقبه دون أن أسبب له أذى نفسي وعواقب وخيمة!
قرأت يومًا أن لتربية الطفل منهجين، نوع يربي الطفل بنظرة لاعب الكرة، كل همه وأعظمه أن يحرز ابنه هدفًا، أما النوع الآخر فهو مثل الحكم، تتلخص أهداف حياته في تربية ابنه، في أن يجد له خطأ ليصححه.
حين نتمعن في أحوال الآباء والأمهات حولنا، سنجد الأكثرية من النوع الثاني، حيث ينظرون لأبنائهم دومًا بنظرة المدقق المتوجس لوقوع خطأ، ثم يعقب التدقيق واكتشاف الأخطاء، صب اللعنات من نوع “مش أنا قولتلك، مش أنا عرفتك، ثم يعقبها فرحة خفية لأن الأب داخله قد انتصر في نظرياته المليئة بالخوف من خوض الحياة”.
التربية هي السند والدعم، أن تبذل من روحك وليس صحتك، أن تنمي العقل والموهبة وليس الجسم والعضل
قليلون من يتعاملون مع أبنائهم بنظرة لاعب الكرة، فلو قرر الطفل أن يلعب لعبته الخاصة، سيتحولون فورًا إلى لاعبين يجرون إلى جوارهم في الملعب، ينظرون لهم بمنتهى الاهتمام دون أن يقطعوا عليهم الهدف، سيصبحون فريقًا واحدًا، لن يجرحوهم حين يقعوا في أثناء اللعب، سيلعبون إلى جوارهم دون تذكيرهم بأنهم فشلوا في مباريات سابقة في إحراز هدف.
تربية الأطفال لن تتلخص أبدًا في توفيرك للطعام والشراب والتعليم لأبنائك، لأن تلك الأمور بمنتهى البساطة من الممكن توفيرها في الملاجئ، هو واجب إنساني قد يوفره الغرباء لطفل مسكين نائم مشرد على الرصيف، التربية أيضًا لن تقاس بكم المجهود البدني المبذول على الأبناء، لأن نفس المجهود يمكنك أن تصرفّه في “الجيم”، الأمر ليس سحريًا، الطاقة لها طرق كثيرة لإخراجها.
أما التربية فهي السند والدعم، أن تبذل من روحك وليس صحتك، أن تنمي العقل والموهبة وليس الجسم والعضل، أن ترعى الحلم والطموح مهما بلغ مداه، وليس رعاية الابن من أذى الطريق الذي قد يلحق به ويودي بحياته بينما يلهو داخل المنزل وأمام عينيك، وكل أمر في النهاية مقدر ومكتوب.
التربية أن تحافظ على نبتة منحها الله لك، تحافظ عليها وتحفظها كما هي على فطرتها، فطرتها التي هي حتمًا سوية، ولا تعرف سبيلاً للحياة سوى في حرية الطائر، تلك ليست كلمات لموضوع إنشاء ولكنها حقًا ما يجب أن يكون في أذهان كل أب وأم لديهم أطفال أو لديهم مجرد فكرة تكوين طفل وعلى وشك الدخول بحيز التنفيذ، أما حين يتعلق الأمر بإنشاء “رجل” تحديدًا، فلنا حديث آخر مختلف تمامًا.
أوجه كلماتي تلك للأم أولاً.. بل للأم فقط.
أولاً وآخرًا.