لم يكن يخطر ببال الشيخ السعودي أحمد بن عمر الحازمي أن تأصيلاته العقدية التي روجها في دوراته العلمية بأحد مساجد حي الخضراء بالعاصمة تونس، ستصبح منهجًا عامًا لجيل جديد من الجهاديين المنتشرين في كل مكان والذين شكلوا النواة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية بنسخته العراقية السورية.
الشيخ أحمد بن عمر الحازمي هو داعية سعودي في العقد الخامس من العمر من مواليد مكة المكرمة، أتم شهادة البكالوريوس من جامعة أم القرى تخصص كتاب وسنة، درس على يد عدد من المشايخ وأكثرهم غير سعوديين، على غرار محمد علي آدم الأثيوبي الذي لازمه لسنوات طوال بدار الحديث بمكة المكرمة ومحمد الخضر الشنقيطي وسيدي الحبيب الشنقيطي ومحمد أمين الهرري ووصي الله عباس وأحمد بن حميد وعبد الكريم الخضير وغيرهم.
عَرف الشيخ الحازمي تحولات كبيرة في مسيرته العلمية وذلك فيما يتعلق بتدريسه للعقيدة، ففي بداياته كان يرى النظام السعودي حاكمًا شرعيًا لا يجوز الخروج عليه كما هاجم المعارضين السعوديين المقيمين في الغرب على غرار سعد الفقيه
عرف عن الشيخ الحازمي براعته في علوم الآلة وهي مفاتيح علوم الشريعة الإسلامية كما يذكر في دروسه، وهي النحو والصرف والبلاغة والمنطق وأصول الفقه والقواعد الفقهية، كما يحفظ القرآن الكريم وعددًا من الألفيات في شتى الفنون، وفي مقابل إتقانه لعلوم الآلة التي درسها على أيدي الشناقطة، لم يعرف عن الحازمي تلقيه دروس العقيدة على أيدي مشايخ متمكنين، فلم يذكر طلبته الكتب والشروح التي تلقاها من المشايخ الذين درس عليهم فيما يتعلق بهذا العلم الدقيق رغم تزامن فترة أخذه للعلم مع شد رحال أقرانه من كل مكان إلى المساجد التي يلقي فيها الشيخان عبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين دروسهما.
عَرف الشيخ الحازمي تحولات كبيرة في مسيرته العلمية وذلك فيما يتعلق بتدريسه للعقيدة، ففي بداياته كان يرى النظام السعودي حاكمًا شرعيَا لا يجوز الخروج عليه كما هاجم المعارضين السعوديين المقيمين في الغرب على غرار سعد الفقيه، حيث قال في الدرس السابع عشر من شرحه لكتاب “لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد” للإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي إن “ولي الأمر له خصوصية بالشرع، نحن لا نقول: الحكام كلهم على الإسلام، وإنما في مثل هذه البلاد يُعلن فيها الشرع تحكيم الشرع، نحن لا نُحكم هنا إلا الكتاب والسنة، إذا كان هذا المبدأ العام وهذا الذي يعرفه القاصي والداني، ولذلك من السفه ما يفعل الآن، يعني: بعضهم لا يرتئي أو ما يرتضي أن يكون بين بلاد المسلمين، يخرجون إلى بلاد الغرب، هذا غريب، سعد الفقيه ومن على شاكلته لم يرضوا أن يكونوا تحت راية آل سعود هنا، وهم يُحكمون الشرع ويُصلون مع المسلمين وظاهرهم ظاهر المسلمين ويتركون عباد الله يصلون ويصومون إلى آخره، ويرضى بحكم بلير وغيره”.
وأضاف “هل هناك مقارنة؟ ما فيه مقارنة أبدًا، ليس هناك مقارنة البتة، تعلم أن هؤلاء الذين يدعون إلى تحكيم الشريعة بمثل هذه الصور كأنهم أصحاب هوى، وهذا خوارج، هذا نبراس، الخوارج منهم من يخرج باللسان دون السنان، هذا واحد منهم خرج بالمظاهرات والاعتصامات ونحو ذلك، كل هذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف، ولذلك لا يورد أحد من أهل العلم الكبار عندنا من يؤيد مثل هذه الأشياء، إذ يرون أن المظاهرات من وسائل الدعوة البدعية إن صح أنها وسائل دعوة، ولا يرى الاعتصامات أنها مما يُدعى به إلى الله عز وجل، إنما هم يقلدون الغرب فيخرجون إلى بلاد الكفر، ثم يعيشون بينهم مثل إخوانهم، حبًا لهم ورضاءً بما عندهم ويحرسونهم ويدعمونهم بالمال ونحو ذلك، ثم يقولون: نريد حكومة إسلامية…”.
ومع انطلاق الثورات العربية وسقوط نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، سافر عدد من الدعاة السعوديين إلى تونس ومصر لإلقاء محاضرات ودورات علمية متنوعة عرفت إقبالاً كبيرًا خاصة من الشباب التونسي الذي عاش أكثر من نصف قرن في دولة اتخذت سياسة تجفيف المنابع خيارًا لها.
كان الشيخ الحازمي أحد عشرات الدعاة الذين دخلوا تونس لإلقاء دورات علمية في العقيدة والنحو وأصول الفقه، ومن المفارقة أن أول زيارة له جاءت بعد أقل من شهرين من انتخابات المجلس التأسيسي في 23 من أكتوبر 2011، وذلك في إطار إلقاء دروس في الشريعة بأحد مساجد حي الخضراء أحد أبرز الأحياء الشعبية التي ينشط بها السلفيون بالعاصمة تونس، وكانت الزيارة الأولى للشيخ السعودي عادية ولم تعدُ أن تكون جس نبض للشباب التونسي ومدى استعدادهم لتلقي العلم و”العقيدة الصحيحة” من أفواه الدعاة الأصوليين، لكن سرعان ما تحولت الزيارتان اللاحقتان إلى نشر تأصيلات عقدية لم يسبقه إليها أحد من المعاصرين، مما أحدث ضجة في صفوف التيار السلفي الجهادي ما زالت تبعاتها إلى الآن.
ما ذهب إليه الحازمي لم يعجب عددًا من العلماء السلفيين في السعودية وتونس وغيرها من الدول الأخرى
ففي أحد دروسه التي ألقاها بأحد مساجد حي الخضراء، قال الشيخ الحازمي إن كل من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر كافر عالمًا كان أم عاميًا حاشدًا الأدلة من أقوال أئمة الدعوة النجدية وابن تيمية وغيرهم من العلماء لإثبات صحة ما ذهب إليه ولم يتوقف عند هذا الحد بل وصل إلى تكفير المتوقف في تكفير العاذر بالجهل.
ما ذهب إليه الحازمي لم يعجب عددًا من العلماء السلفيين في السعودية وتونس وغيرها من الدول الأخرى وكان من بين هؤلاء الشيخ سليمان العلوان الذي أجاب عن سؤال بشأن العذر بالجهل ورأيه فيمن يقول إن من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر لا يسمى مسلم، فأجاب قائلاً: “من يقول إن من يعذر بالجهل في الشرك الأكبر ليس بمسلم هذا من أهل الجهل والضلال ولا يسمى عالمًا، بل ولا طالب علم، وهذا القول قول الخوارج والمعتزلة، نعم لو قال إن من يعذر فقد غلط فهذا لا شيء فيه، وما زال أهل العلم مختلفون في هذه المسألة، ولم يبدِع بعضهم بعضًا فضلاً عن التكفير، فهذا القول لا أصل له”.
رد الشيخ أحمد الحازمي على العلوان لم يتأخر كثيرًا وذلك من خلال أربعة أشرطة بعنوان “الأدلة والبراهين القطعية على بطلان الفتوى التونسية” قال في مقدمة الشريط الأول “نخصِص هذه الليلة وما يأتي من ليالٍ بإذن الله تعالى في وقفة علمية تأصيلية مع فتوى قد انتشرت في تونس، ونشرها بعض الأخوة هناك، وطلب أكثر من إخواننا الموحدين النظر في هذه الفتوى، والرد عليها بأصول علمية مقررة على مذهب أهل السنة والجماعة، وهي فتوى تتعلق بمسألة العذر بالجهل والموقف من العاذر الذي يعذر من يقع في الشرك الأكبر”.
وأضاف مهاجمًا العلوان “هذه الفتوى فيها شيء من الأباطيل والجهالات التى تدل على جهل قائلها، وأنه لم يضبط أصل التوحيد من أصله، ولم يعرف حقيقة الكفر بالطاغوت، فإنما ترمى كعادة الجهمية، ترمي ألفاظ فيمن يكفر المشركين أو يكفر من لم يكفر المشركين بكون هذا مذهب الخوارج، أو أنه مذهب المعتزلة، أو أنه مذهب التكفريين، هذا كله من الأباطيل التي يجب ردها لكن بطريقة علمية تبين وتكشف عور هؤلاء الذين يتلبسون بالعلم يتلبسون بالسلفية وكذلك بالتوحيد…”.