ترجمة وتحرير نون بوست
اجتمع وزراء دفاع كل من تركيا وأوزباكستان في طشقند، لتوقيع بروتوكول تعاون بين البلدين في مجال التعليم العسكري. ومع ذلك، لا يعد هذا المجال الوحيد للتعاون بين البلدين، نظرا لأن الطرفين ينويان تطوير العلاقات الثنائية في مجالات عدة. وفي شأن ذي صلة، تعمل السلطات التركية بنشاط على ترسيخ فكرة “الوحدة التركية”، التي تقوم أساسا على بسط نفوذها في منطقة آسيا الوسطى؛ أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان. وفي هذا الصدد، لسائل أن يسأل، إلى أي مدى بإمكان تركيا ترسيخ فكرة “العالم التركي” في المنطقة، على أرض الواقع؟
قابول رايموفيتش برديي ونور الدين جانيكلي
التقى وزير الدفاع التركي نور الدين جانيكلي، بنظيره الأوزبكي الجنرال قابول رايموفيتش، في زيارة له إلى طشقند. وفي إطار هذه الزيارة، وقع الطرفان على بروتوكول حول التعاون بين الدولتين في مجال التعليم العسكري. وتطبيقيا، ينطوي الاتفاق على تلقي جنود من أوزباكستان لتدريب عسكري ل في تركيا.
أما على المدى البعيد، يبشر هذا الاتفاق بمزيد تعزيز العلاقات بين البلدين في مجال التعاون العسكري. وتجدر الإشارة إلى أن أنقرة تقوم بتطوير صناعاتها العسكرية وتبحث عن أسواق لتصدير أسلحتها، علما بأن الموردين الرئيسيين لمنتجات مصانع الأسلحة التركية هم أوزبكستان وروسيا والصين.
ومع ذلك، فإن اهتمام تركيا بجمهوريات آسيا الوسطى، ليس قائما على اعتبارها مستوردا محتمل للأسلحة التركية. في المقابل، تطمح أنقرة لإشراك أوزباكستان تدريجيا في محور اللعبة السياسية جنبا إلى جنب مع جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا؛ مثل تركمانستان، قيرغيزستان وكازاخستان. وفي سبيل تحقيق ما تصبو إليه، تعتمد تركيا على العامل العرقي وفكرة الثقافة المشتركة لتوحيد الشعوب الناطقة باللغة التركية، وتكريس فكرة “الوحدة التركية” كأحد إستراتيجيات تركيا في الوقت الراهن.
وفي السياق نفسه، أشار وزير الدفاع التركي في طشقند، إلى فكرة التقارب الثقافي بين تركيا وأوزبكستان. ونقلا عن وكالة الأناضول التركية، أكد جانيكلي “في هذه المناطق، يوجد تراث وتاريخ أجدادنا، هنا تاريخ وثقافة وتراث الأتراك”. من جهة أخرى، أشاد وزير الدفاع التركي بالإجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات الأوزبكية ضد “الإرهابيين” التابعين لحركة فتح الله غولن.
وفي شأن ذي صلة، يبدو أن الصدع الذي تشكل بين الحكومة التركية وحركة فتح الله غولن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في منتصف تموز/ يوليو سنة 2016، كانت له تبعات خطيرة جدا على الخطط التوسعية لأنقرة في المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن أعضاء حركة “حزمت” التابعة لغولن، قد لعبوا دورا كبيرا وفعالا لفترة طويلة لنشر القومية التركية في العالم.
ووفقا لهذا، انتشرت مدارس حركة “حزمت” في جميع أنحاء العالم وتمكنت من استقطاب مجموعات موالية لتركيا. فعلى سبيل المثال، سنة 2016 سنة 2016، درس في هذه المدارس الواقعة في قيرغيزستان ما يقارب 12 ألف طفل.
مدراس فتح الله غولن
ولكن، بعد الصراع مع فتح الله غولن، بدأت أنقرة تبحث عن طرق أخرى لتعزيز مصالحها وتوسيع نفوذها في الخارج. والجدير بالذكر أن الرئيس السابق لأوزباكستان إسلام كريموف، تعامل مع الوجود التركي في بلاده بحذر شديد. ففي سنة 1999، تم منع نشاط مدارس فتح الله غولن في أوزباكستان، على خلفية رفض أنقرة ترحيل زعيم المعارضة الأوزبكي محمد صالح. ومنذ ذلك التاريخ، لم تشهد العلاقات بين تركيا وأوزبكستان أي تحسن يذكر، ففي سنة 2012، تم حظر بث المسلسلات التركية في عدد من جمهوريات آسيا الوسطى ومن بينها أوزبكستان.
بعد وفاة إسلام كريموف، بذلت أنقرة الكثير من الجهود لاستعادة العلاقات مع طشقند. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2016، توجه الرئيس التركي إلى أوزبكستان في زيارة رسمية للقاء الرئيس المؤقت آنذاك، شوكت ميرزيوييف (أو شوكت ميرأمانوفيتش ميرضيايف). وفي هذا الإطار، تبادل الجانبان وجهات النظر واتفاقا على رؤية آفاق كبيرة للتعاون التركي الأوزبكي. وفي أعقاب هذه الزيارة، أعفت تركيا مواطني أوزبكستان من نظام التأشيرة.
وفي نيسان/ أبريل سنة 2017، زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو العاصمة الأوزبكية طشقند. وفي أيار/ مايو من نفس السنة، تم التوصل إلى جملة من الاتفاقيات في المجال الاقتصادي تبلغ قيمتها أكثر من 2 مليار دولار. وعلى هذا الأساس، تضاعف حجم التبادل التجاري بين الدولتين حوالي ثلاث مرات، بقيمة بلغت 1,2 مليار دولار في نهاية سنة 2015.
بالنسبة لأوزبكستان، يهتم هذا القطر، أولا وقبل كل شيء، بالتعاون مع تركيا في المجال الاقتصادي. وتعد الزيارة التي قام بها أردوغان إلى طشقند في خريف سنة 2016، الأولى منذ 13 سنة، وبعد ذلك تبعتها سلسلة من الزيارات والمفاوضات المتعلقة بمختلف المجالات الحيوية؛ مثل الصناعة والتعدين والأسلحة…ووفقا للخبير الروسي دميتري ألكسندروف، فإن “التعاون بين البلدين قابل للتطور”.
رجب طيب أردوغان وشوكت ميرزيوييف
تاريخ مشترك وتعليم مشترك
يبذل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جهودا حثيثة لتوسيع النفوذ التركي في المنطقة. وبطبيعة الحال تعد فكرة القومية التركية وتوحيد الشعوب التركية تحت سيطرة تركيا ورعايتها من الأهداف الطموحة لأنقرة. وفي الوقت الراهن، تسعى تركيا إلى بناء “عالم تركي” بالاعتماد على العوامل الثقافية والتاريخية المشتركة. ومن أبرز محاولات تركيا الفعلية لتحقيق ذلك، العمل على إنشاء أبجدية تركية مشتركة.
وفي هذا الصدد، تم وضع أبجدية جديدة من اللغة التركية مع إضافة بعض الحروف الجديدة. وفي سنة 1993، أعلنت السلطات في أذربيجان وتركمانستان وأوزبكستان الانتقال إلى اعتماد أبجدية جديدة، إلا أن كلا من أوزبكستان وتركمانستان، بعد عامين، قررا إعادة النظر في هذا القرار.
بالإضافة إلى ذلك، وقع وزراء ثقافة كل من أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان وتركيا، في نفس السنة، اتفاقا بشأن إنشاء “منظمة دولية للثقافة التركية”. وتحت رعاية هذه المنظمة، تقام سنويا العديد من الفعاليات الثقافية التي تُعنى بتقديم “التراث المشترك للعالم التركي”. أما سنة 2009، تم تأسيس “مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية”، وشمل هذا المجلس كلا من تركيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان.
وفي سياق متصل، تحوّل مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية إلى أداة أخرى لدى أنقرة لتكريس فكرة “العالم التركي”. ومن مهام هذا المجلس تطوير الكتب المدرسية في التاريخ والجغرافيا والأدب في البلدان الأعضاء للمجلس بما يتوافق مع الخطط التركية لتعزيز تأثيرها ونفوذها في المنطقة. وفي مؤتمر لهذا الغرض عقد سنة 2015، اجتمع وزراء التعليم والتربية التابعين للبلدان الأعضاء بالمجلس.
مجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية
وفقا للباحثين، حاولت تركيا جاهدة، منذ أيام الإمبراطورية العثمانية، الحفاظ على علاقاتها مع دول آسيا الوسطى، إلا أن هذه العلاقات شهدت انتكاسة خلال القرن العشرين، لتعود وتُستأنف من جديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، حظيت هذه الجمهوريات، التي كانت فيما مضى تابعة للاتحاد، على دعم مالي من تركيا ، بينما لم تحاول هذه الأخيرة آنذاك اللعب على عامل التقارب الثقافي. ولكن، في العقد الماضي بدأت المعطيات تتغير.
وفي خضم المواجهة السياسية بين موسكو وأنقرة، وقفت حكومة قيرغيزستان إلى جانب روسيا، كما دعت تركيا للاعتذار على خلفية سقوط الطائرة الروسية سو-24 بتاريخ 24 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2015. ومن أشكال هذا الدعم لروسيا، رفض ألمازبيك أتامباييف إغلاق شبكة مدارس حركة “حزمت” في قيرغيزستان، الذي كان بناء على طلب من السلطات التركية، ناهيك عن عدم قبول بيشكك الانصياع “للإملاءات والشروط التركية”.
ألمازبيك أتامباييف
القومية التركية
وفقا للخبراء، بدأت فكرة الوحدة التركية تجد صدى لها في بلدان آسيا الوسطى منذ سنة 1990، إلا أن هذه الجمهوريات في الوقت الراهن، ليست على استعداد حتى تكون تابعة لتركيا بشكل تام. في الواقع، تبحث هذه الدويلات على مصالحها مع أنقرة. ووفقا لرئيس معهد بلدان آسيا وأفريقياالتابعة لجامعة موسكو الدولية، ميخائيل ماير، فإن “تركيا تعول بشكل كبير، منذ تسعينات القرن الماضي، على مسألة القومية التركية لتعزيز نفوذها في منطقة آسيا الوسطى”.
وفي حيال هذا الشأن، تعتزم أنقرة مواصلة العمل في هذا الاتجاه ومن بين الأدوات الرئيسية لتحقيق هذه الغاية، استقطابها للطلبة من الجمهوريات التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي، للدراسة في الجامعات التركية، بالإضافة إلى تقديم جملة من الامتيازات لهم. ولكن، في سبيل تحقيق هذه الأفكار، سيكون على تركيا توفير الظروف الملائمة التي تجذب الشباب إلى جامعاتها، مما يعني أنها بحاجة إلى موارد مالية لتنفيذ مشاريعها.
وفي سياق متصل ، أشار الخبير دميتري ألكسندروف إلى مخططات تركيا الرامية إلى إشراك جمهوريات آسيا الوسطى في محور اللعبة السياسية، حيث قال “في بداية تسعينات القرن الماضي، تمكنت تركيا في وقت وجيز من الحصول على مكانة هامة في منطقة آسيا الوسطى، ولم يكن ذلك على الصعيد الاقتصادي فقط، وإنما على الصعيد الجيوسياسي أيضا. وعلى هذا الأساس، يبدو أنه بات بإمكان تركيا تحقيق مصالحها الخاصة في آسيا الوسطى وبسط نفوذها، لكن مع مراعاة مصالح جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة”.
كما أفاد الخبير أن “فكرة الوحدة التركية قد لاقت في البداية ترحيبا كبيرا من قبل جمهوريات آسيا الوسطى، خاصة أوزبكستان وكازاخستان. ولكن في الوقت الراهن، لم تنعكس هذه الأفكار على أرض الواقع، بصفة فعلية. فعلى الرغم من الدور المهيمن الذي تحظى به تركيا في المنطقة، بالإضافة إلى توسع نطاق نفوذها في تلك المنطقة في العديد من المجالات الحيوية، إلا أن هناك عدة أسباب تحول دون ترسيخ فكرة “العالم التركي” أو الوحدة التركية على أرض الواقع”.
المصدر: روسكايا فيسنا