ترجمة وتحرير: نون بوست
كشف موقع “ميدل إيست آي” عن أن قناصًا إسرائيليًًا قَتَل بالرصاص امرأة فلسطينية كان حفيدها يحمل علمًا أبيض أثناء محاولتها الفرار من مدينة غزة إلى “منطقة آمنة” في جنوب القطاع المحاصر.
وكانت هالة رشيد عبد العاطي تسير مع عدد من الفلسطينيين الآخرين أثناء محاولتهم الفرار من حي الرمال بمدينة غزة في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، بينما كانت يداها تمسكان بحفيدها الذي كان يلوِّح بالعلم الأبيض، وحصل موقع “ميدل إيست آي” على لقطات حصرية يُزعم أنها تظهر عملية القتل.
https://twitter.com/MiddleEastEye/status/1744351540435935525?ref_src=twsrc%5Etfw
وبحسب الفيديو؛ فأثناء مرور هالة عبد العاطي في الشارع المتصل بشارع الوحدة، قُتلت برصاصة واحدة أطلقها جندي إسرائيلي، ويمكن سماع الشخص الذي يسجل اللقطات من مبنى مجاور، والذي لم يَذكر اسمه لأسباب أمنية، وهو يقول: “تم إطلاق النار على المرأة؛ لقد أطلق الأوغاد (القوات الإسرائيلية) النار على المرأة”.
وفي اللقطات؛ يمكن رؤية رجل فلسطيني من المجموعة وهو يركض نحو هالة للاطمئنان على صحتها، بينما كان حفيدها تيِّم، البالغ من العمر خمس سنوات، يركض نحو المارة بحثًا عن الأمان؛ وبحسب العائلة فإن الرصاصة أطلقت من منطقة تمركز للجيش الإسرائيلي.
وقال أفراد عائلة هالة الناجون، والمنتشرون الآن في جميع أنحاء قطاع غزة الذي مزقته الحرب، لموقع “ميدل إيست آي”، إن قرار اتخاذ هذا الطريق للخروج من مدينة غزة جاء بعد أن اتصلوا عدة مرات مع الصليب الأحمر.
ففي أعقاب الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر على جنوب إسرائيل؛ بدأ الصليب الأحمر – إلى جانب العديد من الدول الإقليمية الأخرى والولايات المتحدة – العمل مع إسرائيل لإنشاء “مناطق آمنة” افتراضية تسمح للفلسطينيين بالانتقال من شمال غزة إلى الجزء الجنوبي من القطاع.
وكان موقع “ميدل إيست آي” قد نشر – في وقت سابق – تقريرًا عن الغارات الجوية الإسرائيلية ونيران القناصة التي أدت إلى مقتل العشرات من المدنيين الذين اتجهوا على مضض إلى ما يسمى “المناطق الآمنة” للوصول إلى جنوب غزة بعد أن تلقوا تعليمات بذلك من قبل الجيش الإسرائيلي وحكومته.
وقالت سارة باسم خريس، إحدى بنات هالة، لموقع “ميدل إيست آي”، إنه قبل يوم واحد من فرار أسرتها من منزلهم، حاصرت القوات الإسرائيلية حيهم، ونشرت الدبابات والقناصة في المنطقة السكنية المكتظة بالسكان، مضيفة؛ في تصريحاتها لموقع “ميدل إيست آي”: “استيقظنا على أصوات الصراخ وبكاء الناس… وبعد ساعتين من محاصرة الدبابات، اتصلنا بالصليب الأحمر لمساعدتنا في محاولة الإخلاء، فأخبرونا أنهم توقفوا عن العمل في شمال غزة، وأن المنطقة التي نتواجد فيها أصبحت ساحة معركة خطرة، وأنه يتعين علينا مغادرة المنطقة على الفور”.
وقالت سارة خريس إن الأسرة بدأت تفقد الأمل مع اقتراب الدبابات لكنها قررت الاتصال بالصليب الأحمر مرة أخرى، الذي قال إن الوضع أصبح خطيرًا بشكل متزايد وأنهم مضطرون إلى المغادرة.
رأيتُها تسقط على الأرض
وبحسب سارة خريس؛ ففي صباح اليوم الذي قُتِلت فيه أمها، استيقظت العائلة بأكملها وصلوا معًا مع اشتداد أصوات القنابل الإسرائيلية التي تقصف حيهم؛ ثم أعدت لهم هالة الإفطار وهم جالسون يقرؤون القرآن قبل الاستعداد للمغادرة.
وقالت سارة خريس إنهم وافقوا على الخروج فقط عندما أمكن سماع صراخ جيرانهم الذين حثوهم على المغادرة، وهو ما قالوا إنه تم تنفيذه بناءً على تعليمات من الصليب الأحمر.
وتابعت سارة خريس قائلة: “في حوالي الساعة 11 صباحًا، سمعنا صوت القناصين والقنابل، وكان جيراننا يصرخون “ارحلوا، ارحلوا”، لذلك التقطنا أمتعتنا، وحملنا الأعلام البيضاء وغادرنا، بينما كانت الطائرات الحربية تحلق فوق رؤوسنا وكانت الذخيرة الحية تُطلق علينا بشكل عشوائي”.
وبحسب سارة خريس؛ فقد غادروا منزلهم باتجاه شارع الشهيد عبد القادر الحسيني ثم باتجاه شارع عمر بن عبد العزيز، موضحة أن ما لا يقل عن 100 شخص آخرين انضموا إليهم، معظمهم من النساء والأطفال.
ووفقًا لسارة خريس؛ فبمجرد خروجهم إلى منتصف الطريق، رأت والدتها تسقط على الأرض مع دوي صوت إطلاق النار، وقالت: “كانت والدتي ممسكة بحفيدها (ابن أختي) الذي سقط على الأرض عندما قُتلت”، وأضافت: “صرختُ من أجل أمي.. وشعرتُ أننا نذوق الموت ألف مرة في كل دقيقة”.
كانت تحمل الخبز وزيت الزيتون في حالة شعرنا بالجوع
وقالت هبة، شقيقة سارة خريس، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 28 عامًا، لموقع “ميدل إيست آي”، إن سكانًا محليين آخرين أخبروا أسرتهم مرارًا وتكرارًا أنهم سيغادرون معًا لأن الوضع سيكون أكثر أمانًا على الأرجح، وأضافت: “التعليمات التي تلقيناها استندت إلى معلومات من الصليب الأحمر؛ حيث قيل لنا إنه سيكون هناك ممر آمن إلى جنوب غزة، وكانت والدتي تحمل ابني تيِّم”.
وتابعت قائلة: “كنتُ عند مخرج منزلنا أنتظر زوجي عندما سمعت صوت الذخيرة الحية وصراخ أختي وابنة عمي. وظلوا يصرخون “ارجعي.. ارجعي”، ثم رأيت جثة أمي هامدة. ثم خاطر أخي محمد – البالغ من العمر 22 عامًا – بحياته للذهاب لأخذ جثة والدتي من الشارع وإعادتها إلى المنزل”.
وقالت هبة إن والدتها – عندما قُتلت – كانت تحمل معها أكياسًا من الخبز وزيت الزيتون لأنها لم تكن متأكدة من المدة التي سيبقونها بعيدًا عن المنزل وما إذا كانوا سيحصلون على الطعام وغيره من المؤن الأساسية.
وبحسب هبة؛ فقد أدت عملية القتل إلى فصلها هي وزوجها يوسف عن ابنهما تيِّم منذ ذلك الحين، مما أضاف إلى معاناتهم المزيد من الألم والعذاب غير المحدود.
وقال يوسف لموقع “ميدل إيست آي”: “كنتُ أجمع الأغراض في منزلنا وأستعد للمغادرة عندما سمعتُ الصراخ في الخارج. لم أكن أعتقد أنها عائلتنا… فخرجتُ للبحث عن تيِّم ورأيت دبابة قريبة جدًّا منا. وعندما عدتُ إلى المنزل كانت حماتي ميتة في الداخل وكان تيِّم مفقودًا”.
وبعد عملية القتل؛ تم نقل تيِّم إلى النصيرات من قبل أحد الجيران ومن ثم إلى رفح في جنوب غزة؛ حيث يوجد مع عمته، وليس من الواضح ما إذا كان والديه سيريانه مرة أخرى ومتى.
وتحدثت ابنة خالة هبة وسارة، مَلَكْ أنور الخطيب، 18 عامًا، مع موقع “ميدل إيست آي” عن اللحظة التي قُتلت فيها هالة عبد العاطي بالرصاص؛ حيث قالت: “بعد مقتلها، تم نقل خالتي إلى منزلها وحاولنا إنقاذها لكنها كانت ميتة بالفعل، فصليَّنا على جثمانها ودفنَّاها بالقرب من المنزل… وبعد ذلك؛ قيل لنا إن الصليب الأحمر سيساعدنا على المغادرة مرة أخرى ولكننا فقدنا الثقة ولم نكن مستعدين للمخاطرة بالمزيد من عائلتنا”.
ولم يرُد الجيش الإسرائيلي على الأسئلة المتعلقة بمقتل هالة عبد العاطي، لكن صورة نشرها الجيش في نفس يوم الحادثة تظهر دبابات الجيش وقناصة متمركزين في شارع النصر، وهو طريق موازٍ لمنزل هالة، ويظهر في الصورة أيضًا تواجد الجيش في منطقة التقاطع الذي أطلقت منه الرصاصة.
وتواصل موقع “ميدل إيست آي” مع الصليب الأحمر للتعليق، لكنه لم يتلق ردًّا حتى وقت النشر.
وقالت الأسرة لموقع “ميدل إيست آي” إنهم بعد ذلك دفنوا هالة عبد العاطي بالقرب من منزلهم، وهو أمر يقولون إنهم ممتنون له؛ حيث لا تزال العديد من الجثث المتحللة متناثرة في الشوارع، وغالبًا ما تدوسها الدبابات والمركبات العسكرية الإسرائيلية أو تأكلها الكلاب الضالة.
إعداد: محمد الحجار في غزة ولبنى مصاروة في القدس وخالد شلبي وندى عثمان في لندن
المصدر: ميدل إيست آي