“شكرًا جزيلًا.. مبروك لقطر” قالها إنفانيتو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم في ختام حديثه في 20 من مايو/أيار في أثناء فعاليات افتتاح أول استادات المونديال الثماني المزمع بناؤها خلال الفترة المقبلة، وأضاف إنفانيتو “مبروك للجماهير القطرية وشكرًا جزيلاً، متفائل جدًا بما تقوم به الدوحة، وشاهدت الملعب الذي يوضح مدى الإصرار والعزيمة للقطريين، وأعتقد أن تجهيزه بهذه السرعة شيء مميز، خاصة أن أحد أهم أحداث الكرة القطرية أقيم عليه، إنه حدث عظيم ويمثل ضربة البداية لاستادات كأس العالم لكرة القدم 2202”.
كلمة إنفانيتو نزلت بردًا وسلامًا على قطر التي فُرض عليها حصار بري وبحري وجوي من قبل دول الحصار (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) في 5 من يونيو/حزيران الماضي، وانهالت تقارير إعلامية من كل حدب عن إمكانية سحب مونديال 2022 من قطر، بالأخص بعد خروج تصريحات رسمية من ألمانيا، طالبت فيها كلوديا روث نائب رئيس مجلس النواب الألماني، بإزاحة قطر من استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، بعد قطع العلاقات السياسية بين السعودية ومصر والإمارات والبحرين مع الدوحة.
سارعت الشركات العُمانية بتصدير المنتجات الغذائية ومواد البناء إلى الدوحة، وافتتح خطان ملاحيان تجاريان بين البلدين بين ميناء حمد وميناء صحار العماني
واعتبرت روث أنه دليل دامغ على أن الأخيرة ليست البلد المناسب لاستضافة كأس العالم، وطالبت في الوقت ذاته رينهارد غريندل رئيس الاتحاد الألماني وعضو مجلس فيفا بوضع معايير واضحة لمنح تنظيم كأس العالم، وقالت في تصريح لصحيفة “دي فيلت” الألمانية: “اختيار قطر منذ البداية كان قرارًا خاطئًا ولم يكن رياضيًا، بل جاء بسبب المال”.
تنافس شرس على سحب المونديال من قطر
بعد اندلاع الأزمة الخليجية بدأت 3 دول كبرى، هي ألمانيا وإسبانيا وأمريكا، بالضغط بقوة على الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، للحصول على حق استضافة كأس العالم 2022، لامتلاكهم ملاعب وتجهيزات وفنادق وطرق وكل متطلبات كأس العالم، وكانت لها سابقة تنظيمية.
ورأى أحد الناقدين الرياضيين للصحيفة الروسية سبونتيك أنه في حالة استمرار العقوبات والمقاطعة العربية لقطر سيكون هناك صعوبة في استكمال الإنشاءات، خاصة أن هناك تحذيرات للدول التي ترسل عمالتها سواء الفلبين أو الهند أو دول شرق آسيا التي تتعامل مع الدوحة، وهذا سيخلق مشكلة كبيرة خاصة أن قطر أعلنت عن افتتاح استاد واحد فقط من 8 استادات مطلوبة لاستضافة كأس العالم 2022.
وأكد الناقد الرياضي أحمد الشامي أن الاتحاد الدولي في اتصالات مستمرة مع قطر حتى يكون هناك قرارًا حاسمًا، فكأس العالم للقارات 2021 سيكون في نفس الدولة التي ستستضيف كأس العالم لكرة القدم 2022، والوقت ضيق جدًا أمام قطر لتنفيذ باقي الإنشاءات، وفي مقال سابق بصحيفة “الفايننشال تايمز” ذكر كاتب المقال سيمون كير أن الحصار الذي تتعرض له البلاد قد يهدد تنظيمها للحدث الكروي الأكبر في العالم.
أعلنت مجموعة قطر للبترول عزمها زيادة إنتاج حقل الشمال بمقدار مليون برميل نفط مكافئ يوميًا، وأكدت أنها لن تقطع الغاز عن أي دولة
إذ خصصت قطر نحو 200 مليار دولار لإنجاز 8 ملاعب مخصصة لكرة القدم ومنشآت رياضية أخرى، فضلًا عن 35 مليار دولار لشبكة قطار الأنفاق والسكك الحديدية، تربط بين الدوحة والمدينة الجديدة شمال العاصمة التي ستتسع لـ200 ألف شخص، حيث ستجري المباراة النهائية لكأس العالم، بالإضافة إلى مضاعفة حجم مطار حمد الدولي للتعامل مع ما يصل إلى 53 مليون راكب سنويًا، وكل هذا يحتاج إلى استقرار في التدفقات المالية فضلًا عن الاستقرار في البيئة الاستثمارية في البلاد، كما أن أغلب المواقع لها احتياطي من مواد البناء يكفي لشهرين، وقطر تعتمد على استيراد جل حاجياتها، وعليه فإنها ستواجه صعوبات قريبًا.
فالحجارة التي تستعمل في صناعة الإسمنت تأتي من جبال الحجر في إمارة رأس الخيمة، وتأتي مواد أخرى من بينها الحديد والتجهيزات الميكانيكية عن طريق مطار دبي، وتأتي مواد بناء عبر الحدود البرية مع السعودية.
ولمواجهة الأزمة التي فرضت على قطر كان لا بد من إيجاد طريق بديل لتصدير المواد الأولية إلى قطر دون المرور عبر الإمارات والسعودية لتجنب قرار الحصار، كما أن ميناء حمد لا يتسع لدخول كل هذه الكميات من المواد والتجهيزات في حال تم الإقرار بإدخالها عبر المجال الجوي، ولا بد أن تتأخر المشاريع بعض الشيء، لذا كان على السلطات القطرية أن ترتب الأولويات وتوجد حلول بديلة وفي أسرع وقت.
وقد لاح خطر في مشاريع البناء منها عدم إمكانية قطر سداد مستحقاتها ونقص في مواد البناء الموردة للمشاريع، يؤدي في كلتا الحالتين إلى تأخير المشاريع ومشاكل تلحق بها، إذ تنفق قطر نصف مليار دولار أسبوعيًا على ورشة كأس العالم، وستحول المصاعب المالية واللوجستية والسياسية من قبل دول الحصار دون إمكانية تمويل الورشة بأدق تفاصيلها.
مع ذلك رغم كل ما واجهته قطر من مشاكل وأزمات لسحب استضافة كأس العالم من بين يديها، فإنها تمكنت خلال فترة وجيزة من تجاوز تلك العقبة والمضي قدمًا في مشاريعها وأخذ الرضى من الاتحاد الدولي لكرة القدم.
كأس العالم 2022 قطري
مع دخول الحصار الشهر الثالث وقطع مواد البناء من قبل تلك الدول لورشة كأس العالم التي تشرف على تشييد وبناء كل ما يتعلق بالمونديال، ذكرت قطر أنها ستضخ المزيد من الأموال زيادة عن المخطط له، لتحل أزمة الموردين في دول الجوار، فسلاسل التوريد الجديدة أكثر تكلفة، وهو ما سيضيف قسطًا إضافيًا على فاتورة كأس العالم، ومن المقرر أن تنتهي المشاريع بحلول العام 2020، للسماح بإجراء 18 شهرًا من الاختبارات قبل أن يصل المشجعين المقدر عددهم نحو 1.3 مليون مشجع.
في حالة استمرار العقوبات والمقاطعة العربية لقطر، سيكون هناك صعوبة في استكمال الإنشاءات في ورشة كأس العالم
فالحديد القادم من السعودية تم استبداله بحديد مصدره ماليزي، كما قدمت سلطنة عُمان مواد بناء كانت تأتي من الإمارات في السابق، والصين عرضت منتجاتها لتعويض قطر في حصارها وأمتها مع دول الجوار، كما أن بعض الموردين من دول الحصار التفوا على قرارات الحصار وقاموا بتصدير المنتجات عبر مواني عُمان.
تقف قطر بموقف راسخ أمام الحصار عبر احتياطيات الغاز الضخمة التي تسمح لسكان قطر البالغ عددهم 2.6 مليون نسمة بالاستمتاع بأعلى دخل في العالم، بالإضافة إلى أكثر من 335 مليار دولار من الأصول المالية في جميع أنحاء العالم، لم تثر أي مؤشرات على سحب أو بيع تلك الأصول لتغطية الأزمة، كما لم تتوقف المشاريع في البناء ولو لحظة في الورشة، وقد تم نصب الرافعات في موقع جديد الأسبوع الماضي في ملعب الوكرة الذي يتسع لـ40 ألف متفرج حيث يعمل فيه نحو 1800 عامل على مدار الساعة لمحاولة الانتهاء منه بحلول العام المقبل.
ومن بين الخطوات التي عملت عليها قطر في مواجهة الأزمة، والحول دون التأثر بالحصار أو حتى عدم إظهار أي صورة من صور الخلل في الاقتصاد المحلي، إذ أعلنت مجموعة قطر للبترول عزمها زيادة إنتاج حقل الشمال بمقدار مليون برميل نفط مكافئ يوميًا، وأكدت أنها لن تقطع الغاز عن أي دولة، في مطلع الشهر الحالي، حسب تصريحات للرئيس التنفيذي لـ”قطر للبترول” سعد شريدة الكعبي، حيث ذكر أن إنتاج قطر الكلي من جميع حقولها سيصل إلى نحو 6 ملايين برميل نفط مكافئ يوميًا.
خصصت قطر نحو 200 مليار دولار لإنجاز 8 ملاعب مخصصة لكرة القدم ومنشآت رياضية أخرى، فضلاً عن 35 مليار دولار لشبكة قطار الأنفاق والسكك الحديدية، تربط بين الدوحة والمدينة الجديدة شمالي العاصمة التي ستتسع لـ200 ألف شخص
وأشار الكعبي أن المجموعة سترفع الإنتاج من الغاز المسال من 77 إلى 100 مليون طن سنويًا، وشدد أن بلاده لن تقطع الغاز عن أي دولة، وباشرت قطر فورًا بفتح خطوط ملاحية جديدة، حيث أعلنت عن تدشين خط ملاحي جديد لنقل البضائع بشكل مباشر بين قطر والهند، وذلك بعد 3 أيام من تدشين خط ملاحي جديد يربط “ميناء حمد” جنوب شرق الدوحة بـ”ميناء صحار” بسلطنة عمان، كذلك تم تدشين خط ملاحي ثالث بين ميناء حمد وميناء صلالة العمانية.
وسارعت الشركات هناك لتصدير المنتجات الغذائية ومواد البناء إلى الدوحة، وافتتح خطان ملاحيان تجاريان بين البلدين (بين ميناء حمد وميناء صحار العماني)، كما تم توريد مواد بناء من تركيا أيضًا عبر 109 رحلات جوية على متن شركة القطرية للطيران، ومن ثم بدأ توريد المنتجات التركية إلى قطر عبر خط بحري من ميناء إزمير لميناء حمد الدولي، كما أن القطاع الخاص داخل قطر أسهم بشكل فعال في إيلاء الأزمة بعدًا أكثر مرونة وصلابة، عبر فتح خطوط إنتاج محلية للاستعاضة بها عن المواد التي كانت تأتي من الخارج.
جميع تلك الخطوات أسهمت في تعطيل خطوات دول الحصار للتضيق على قطر والتأثير على مشاريع كأس العالم، وسحب حق الاستضافة من قطر ومنحه لدول أخرى، كما أظهرت قطر بصورة أقوى من السابق بسبب نجاحها في امتصاص الصدمة التي افتعلتها دول الحصار، ولعل أكثر ما يعبر عن نجاح قطر في استحقاقاتها لاستضافة كأس العالم ما قاله إنفانيتو: “كأس العالم 2022 قطري”.