اعتاد العالم أن ينصت جيدًا إلى توقعات وتحذيرات رجال الأعمال الأكثر بروزًا ومكانةً في العالم، وذلك لأن هذه التكهنات غالبًا ما تتحول إلى حقائق في غضون سنوات، ورغم تعبيرات الغرابة والاندهاش التي قد تعتلي الوجوه بسبب ما يقوله هؤلاء الأشخاص عن مستقبل البشرية، فبعد سنين من تحقيقها على أرض الواقع تصبح هذه الحقائق العجيبة ضرورة يومية وروتينية.
المثير للاهتمام والقلق في آن واحد، عندما تتناقض وتختلف وجهات النظر، ويكون العالم بصدد توقعات متناقضة، وذلك لوجود جهات تدعم فكرة ما وتعمل على تعزيز وجودها في الحياة العامة، على عكس، الجهة الأخرى التي تحذر وتطالب بالتعامل مع هذه الاحتمالات بأسلوب منطقي مدروس حتى لا يكون لها نتائج مدمرة لمستقبل الأرض والإنسان معُا.
في عالم التكنولوجيا والأعمال، اشتهر اسم إيلون ماسك مؤسس شركتي تيسلا موتورز وسبيس إكس لصواريخ الفضاء، بالعبقرية ونظرته المستقبلية وخاصة بتصريحاته عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، بالمقابل، تتناقض الأفكار المستقبلية لمارك زوكربيرج، مؤسس موقع فيسبوك الشهير، بخصوص هذا المجال، الذي يرى فيه تقدمًا للبشرية ضمن نظام كامل من الذكاء التقني الحديث.
في أكثر من مناسبة ومؤتمر، دعا رائد الأعمال إلى الحذر من الذكاء الاصطناعي لأنه “أكبر خطر تواجهه الحضارة”، وأنه مرحلة نادرة وفريدة من مراحل التقدم التقني، لذلك ينبغي على المسؤولين في هذا المجال التروي وحصر التطور في قواعد وأدوات يمكن التعامل معها لاحقًا في حال حدوث أي ردود فعل عكسية من هذه الأجهزة الذكية، التي وصفها بالشيطان والأسلحة النووية، على حد تعبيره.
يعمل ماسك على تحسين تقنيات يمكن من خلالها دمج الذكاء الاصطناعي بالذكاء البيولوجي لضمان السيطرة على هذه الآلات
كما حدد المخاوف من الذكاء الاصطناعي بالروبوتات التي قد تستولي على مكان الإنسان في سوق العمل، والتي قد يكون أداؤها أفضل منه لسرعتها ودقتها وتنظيمها، وهذه المميزات تساعد الآلات الذكية في السيطرة على العالم، وبالتالي التقليص من دور الإنسان، إضافة إلى القلق من بدئها حرب من خلال نشرها للأخبار الكاذبة والمعلومات المزيفة واختراق حسابات البريد الإلكتروني.
على الرغم من التهديدات التي يتنبأ بها ماسك، فإنه ليس ضد هذه التقنية، بل ضد استخدام هذه الآلات الذكية بلا ضوابط وبشكل غير آمن، إضافة إلى التخوف من الأبعاد غير المحتملة من هذه التقنية، ولعلاج هذه المشكلة، يعمل ماسك على تحسين تقنيات يمكن من خلالها دمج الذكاء الاصطناعي بالذكاء البيولوجي لضمان السيطرة على هذه الآلات.
وفي الوقت الذي يرى فيه ماسك نصف الكأس الفارغ، فإن زوكربيرج يعلق نظره على النصف الممتلئ من الكأس، ويقول: “بالنظر إلى المستقبل فإن إحدى أعظم الفرص المتاحة لنا للحفاظ على أمن الناس وسلامتهم هي تطوير الذكاء الاصطناعي، لنفهم ما يجري في المجتمعات بشكل أكثر سرعة ودقة”، وأضاف أن هذه التقنية الحديثة ستساعد على تحليل البيانات والصور التي قد تشكل خطرًا على الناس، كما أن هذه التقنية ستساعد على تشخيص الأمراض والقضاء على حوادث السيارات.
وتشجيعًا لفكرته، كشف زوكربيرج عن نظام الذكاء الاصطناعي الموجود في منزله، والذي لا يتحكم في منزله كاملاً، بل يعمل على ترفيه ابنته أيضًا، إذ قال على صفحته الشخصية: “بنيت هذا العام نظامًا بسيطًا من الذكاء الاصطناعي، أستطيع التحدث معه عبر الهاتف والحاسوب لغرض التحكم بالأضواء وحرارة المنزل وأجهزة الموسيقى والأمن، كما يمكنه تعلم كلمات جديدة وترفيه ابنتي ماكس”، وبهذا الإنجاز يكون زوكربيرج رد بالرفض على أفكار ماسك السلبية.
وبعدما وصف ماسك زوكربيرج بأنه “محدود التفكير” بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي، قال زوكربيرج الأسبوع الماضي في أثناء بث مباشر على موقعه الشهير: “أنا متفائل جدًا بما يخص الذكاء الاصطناعي، والأشخاص الرافضون له يحاولون جذب الانتباه لهذه السيناريوهات الكارثية، إنهم سلبيون جدًا، وفي بعض النواحي أعتقد أن هذا القلق ناجم عن استهتار منهم وعدم مسؤولية”، وأشار إلى عدم تفهمه للأشخاص الذين يسعون لإبطاء حركة تطور الذكاء الاصطناعي.
زادت مخاوف العالم من قدرة هذه الأجهزة على تطوير اللغة بشكل قد يتجاوز قدرات العقل البشري على فهمها أو تحليلها، لأنها تستخدم منطقًا مختلفًا عن المنطق اللغوي الذي يستخدمه البشر
وتزامنًا مع هذا التلاسن بين الطرفين، نشرت وكالات الإعلام أخبارًا عن إغلاق شركة فيسبوك برنامجًا للذكاء الاصطناعي بعد أن طور من لغته بنفسه، فقد كان الروبوتان يتحدثان بلغة تقلصت فيها الكلمات الإنجليزية وكانت اللغة أقرب ملاءمة وشبهًا بالمصطلحات المستخدمة للحواسيب أكثر من لغة البرمجة التي وضعها المبرمجون، ويذكر أن الهدف من تطوير هذه الآلية كان لتسهيل عملية التواصل بين الروبوتات والبشر، لكن النتائج لم تكن في الحسبان عندما قررت هذه الأجهزة الذكية التواصل مع بعضها البعض بدلاً من التواصل مع البشر وبلغة ليست مفهومة سوى لها.
وبسبب هذه الصدفة الذكية، زادت مخاوف العالم من قدرة هذه الأجهزة على تطوير اللغة بشكل قد يتجاوز قدرات العقل البشري على فهمها أو تحليلها، لأنها تستخدم منطًقا مختلفًا عن المنطق اللغوي الذي يستخدمه البشر.
الأبحاث والتجارب الحالية ما زالت في بداياتها وتحتاج إلى سنوات طويلة من التطور لتصل إلى المدى الذي يخشاه الكثير
قد تدعم هذه الحادثة آراء ماسك وتشكك بحماس زوكربيرج، لكن الأمر الذي يجب أن يتفق عليه كلا الطرفين، أن التكنولوجيا الحجر الأساسي في أعمالهم، فمثلاً سيارات تيسلا التي تدعم القيادة الذاتية، لا يمكنها أن تكون أو تعمل على تحسين أدائها دون استمرار تقدم الآلات الذكية، وفي الوقت نفسه، الخدمات التي يقدمها فيسبوك لا يمكن لها أن تعمل بشكل دقيق وسريع دون وجود الذكاء الاصطناعي الذي يساعد في تنبؤ ماذا يريد أن يقرأ أو يشاهد الناس، وكلا الشركتين تعمل على توظيف عدد هائل من الخبراء المبرمجين لدعم وجهات نظرهم بشأن هذا الموضوع.
بالنسبة إلى أستاذ علوم الحاسب الآلي الكندي يوشوا بينغوا فيري، فإنه لا يحبذ القلق من التقنيات الذكية، وذلك لأن الأبحاث والتجارب الحالية ما زالت في بداياتها وتحتاج إلى سنوات طويلة من التطور لتصل إلى المدى الذي يخشاه الكثير.
ومن وجهة نظر العلماء، أجرى الفيلسوف السويدي، نيك بوستروم، استطلاعًا للرأي عن الموعد المتوقع الذي ستتحقق فيه إنجازات هائلة في عالم الذكاء الاصطناعي، إذ قال مجموعة من العلماء المتوسط عام إن هذه الآلات الذكية ستكون الأساس في حياتنا المستقبلية عام 2075 في المتوسط، بينما قال 21% من العلماء إن هذه التوقعات لن تتحقق أبدًا.