في خطوة تحريضية جديدة ضد الفلسطينيين على وجه الخصوص، تظهر وجه “إسرائيل” الحقيقي أمام العالم، في انتهاك القوانين الحقوقية والإنسانية الدولية المتعلقة بالنزاعات والحروب، تعالت الأصوات داخل دولة الكيان لتشريع قوانين “عنصرية” تُبيح قتل الأسرى الفلسطينيين ومنفذي العمليات الفدائية.
واقترح قادة الاحتلال مسألة تنفيذ عقوبة الإعدام بحق فلسطينيين، كملاذ أخير، بعد ثبوت فشل الإجراءات العقابية كافة التي تتخذها سلطات الاحتلال بحق منفذي العمليات البطولية ضد أهداف إسرائيلية، مثل هدم منازلهم وترحيل عائلاتهم واعتقال أفراد أسرهم وفرض الإقامات الجبرية عليهم.
وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية: “عقوبة إعدام الجرحى الفلسطينيين منفذي العمليات والمتعقلين لدى سلطات الاحتلال لا تحتاج لسن أي قوانين جديدة، وقرار الإعدام بيد كل من نتنياهو وليبرمان”.
القتل بدم بارد
وأضافت: “عقوبة الإعدام لا تحتاج لتشريع قانون جديد لأنها موجودة في القانون العسكري المعمول به في الضفة الغربية، والشيء الوحيد المطلوب هو تنفيذها بقرار من نتنياهو وليبرمان بعد موافقة الحكومة عليها، وأن يتم الإيعاز للنيابة العسكرية طلب هذه العقوبة أمام المحاكم العسكرية”.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن القانون العسكري يسمح بتنفيذ عقوبة الإعدام شرط أن تتم الموافقة على ذلك من جميع قضاة اللجنة التي تنظر في القضية.
ما ورد بالصحيفة العبرية، جاء بعد ساعات قليلة من دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية رسميًا إلى إعدام فلسطيني قتل 3 إسرائيليين طعنًا قبل عدة أيام في مستوطنة “حلميش” بقضاء رام الله، وقال نتنياهو في أثناء تقديم التعزية لعائلة القتلى الـ3: “آن الأوان لفرض حكم الإعدام على الإرهابيين، تم إرساء ذلك بالقانون”.
وأوضح نتنياهو: “يجب الحصول على إجماع من القضاة، ولكنهم يريدون أيضًا أن يعلموا ما موقف الحكومة من هذا الأمر”، مضيفًا: “يجب على هذا الإرهابي ألا يبتسم”، بحسب تعبيره.
وكان وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان قد قدم مسودة خلال الفترة الماضية إلى الحكومة الإسرائيلية يطالب فيها بسن قانون يقضي بإعدام منفذي العمليات وإعدام منفذ عملية القدس الأخيرة عمر عبد الجليل.
وكان الشاب الفلسطيني عبد الجليل، البالغ من العمر 19 عامًا ومواطن قرية كوبر الفلسطينية، تسلل في 21 من يوليو إلى مستوطنة “حلميش” الواقعة شمال غرب رام الله في الضفة الغربية، مسلحًا بسكين، وقتل 3 مستوطنين طعنًا قبل إطلاق النار عليه من قبل جندي إسرائيلي.
غضب فلسطيني
الدعوات الإسرائيلية لإعدام الأسرى أثارت غضب الفصائل الفلسطينية، التي اعتبرت ارتفاع الأصوات المطالبة داخل “إسرائيل” بتطبيق عقوبة الإعدام بحق الأسرى، دليلاً على حالة التخبط التي يعيشها الاحتلال وافتقاده للأمن رغم ممارسته مختلف أشكال الردع والعنف ضد الشعب الفلسطيني.
وقال الناطق الإعلامي باسم لجان المقاومة الشعبية أبو مجاهد: “يبدو أن الاحتلال وصل إلى قمة الإفلاس عندما يعيد التفكير بمثل هذه القوانين العنصرية ضد الأسرى”، مضيفًا “ليس بالغريب على الاحتلال الذي يقتل ويحاصر أبناء شعبنا، ويعتدي على مقدساتنا بشكل مستمر أن يناقش هكذا قرارات، ضاربًا بعرض الحائط كل المواثيق والقرارات الدولية”.
لا يجوز تطبيق حكم الإعدام على الأسرى الفلسطينيين لخضوعهم لاتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بأوضاع الأسرى خلال النزاعات والحروب
وأضاف أبو مجاهد، أن المقاومة وحدها القادرة على ردع الاحتلال عن مواصلة عنجهيته وعنصريته ضد الشعب الفلسطيني من خلال ما تملكه من أوراق قوة متمثلة في وجود أسرى من جنود الاحتلال بين يديها”، مشددًا على أن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي، وستعمل على حماية الأسرى بكل قوتها ومنع أي قرار يمس بحياتهم.
حركة الجهاد الإسلامي بدورها وعلى لسان القيادي نافذ عزام، أكدت على أن العقوبات المشار إليها ليست بالجديدة، إذ سبق وبحثتها حكومة الاحتلال على مدار السنوات الماضية، مقررة في كل مرة تجنبها وذلك لعواقبها “الأمنية الوخيمة”.
وقال عزام: “حكومة الاحتلال تدرك جيدًا أن اتخاذ هكذا قرارات لن يمنع الفلسطينيين من الدفاع عن أنفسهم، والتوقف عن التخطيط لتنفيذ هجمات بحق المستوطنين، خاصة أنهم يواجهون الموت وآلة القتل الإسرائيلية بشكل يومي وممنهج”.
ويضيف أن الاحتلال يدرك جيدًا أن تطبيق هكذا مقترحات يعني إبقاء نقاط المواجهة مفتوحة ومعززة بإصرار الفلسطينيين على الدفاع عن حقهم ومقدساتهم.
في الغضون أكد القيادي في حركة حماس يحيى موسى، أن مقاومة الاحتلال وإصرار الشعب على الدفاع عن مقدساته، أمر يدفع الاحتلال نحو ممارسة المزيد من العنصرية والإجرام.
وقال موسى: “هكذا قرارات تكشف عن حقيقة الاحتلال الإجرامية ضد شعبنا الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، وتُعري ديمقراطيته الزائفة، الاحتلال يعلم جيدًا أن هكذا عقوبة لن تردع الفلسطينيين عن تنفيذ الهجمات ضد جنوده، بل ستمثل دافعًا جديدًا لتنفيذ المزيد منها”.
رغم عودة الحديث عن عقوبة الإعدام بحق الأسرى المعتقلين، فإنه يطبق ميدانيًا بحق الفلسطينيين من خلال تركهم ينزفون في الشوارع بذريعة محاولتهم تنفيذ عمليات هجومية
ولا تتوانى حكومة الاحتلال عن تنغيص واقع الأسرى المعيشي داخل المعتقلات من خلال سن قوانين عنصرية وانتقامية، فمنذ عام 2015 رصدت الجهات الحقوقية ما يزيد على 120 مشروع قانون وما يزيد على 30 قانونًا دخلوا مراحل التشريع، إلى جانب 13 مشروع قانون ضد الأسرى في الكنيست الإسرائيلي منذ تلك الفترة، جزء كبير منها تمت المصادقة عليه.
ردع المقاومة
تطبيق عقوبة الإعدام بحق الأسرى المعتقلين لدى الاحتلال له بعد تاريخي متجذر في ثقافة الاحتلال، وفقًا للمحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية ناجي البطة.
ويقول البطة: “هناك ثقافة احتلاليه إسرائيلية تم اعتمادها أواخر الستينيات، اسمها “متى تشن إسرائيل حربًا”، تتلخص في أنه إذا وصل العمل الفدائي لمرحلة لا تقوى دولة الاحتلال على مواجهته ويهدد المشروع الإسرائيلي ديموغرافيًا، عندها يتم اتخاذ إجراءات ذات علاقة بالإعدام لردع وتقليل العمليات”.
ويضيف البطة، أنه رغم عودة الحديث عن عقوبة الإعدام بحق الأسرى المعتقلين، فإنه يطبق ميدانيًا بحق الفلسطينيين من خلال تركهم ينزفون في الشوارع بذريعة محاولتهم تنفيذ عمليات هجومية.
ووفقًا للمحلل السياسي، فإن هذه المناقشات ما هي إلا تلويحات إسرائيلية لمحاولة ردع المقاومة عن تنفيذ المزيد من العمل المقاوم، وهذا لن يغير شيئًا في معادلة الصراع الذي يتأجج يومًا بعد يوم.
من جانبه رأى الخبير في القانون الإسرائيلي محمد دحلة أن هناك قابلية كبيرة في القانون الإسرائيلي لسن أي رئيس حكومة قانون جديد وتطبيقه في المحاكم الإسرائيلية، كون دولة الاحتلال لا تزال بلا دستور، حيث ترفض “إسرائيل” سن دستور لها مما يمنحها مزايا إضافة أو تغيير أو تعديل قوانينها بما يتناسب مع نزعاتها التوسعية القائمة على طرد الفلسطينيين.
ويقول: “إسرائيل ترفض اتخاذ دستور واضح ومعلن لها، لأن إعلان دستور يعني ترسيم حدود الدولة التي سيطبق عليها هذا الدستور، وبالتالي لا حاجة إسرائيلية للدستور طالما هناك اندفاع نحو مصادرة وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية وشرقي القدس”.
وبيّن دحلة أن ذلك يمنح رئيس الحكومة الفرصة لسن قانون جديد متعلق بإعدام الأسرى، شريطة أن ينال هذا القانون ثقة أغلبية أعضاء الكنيست الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” عملت على مر العقود الماضية على تغيير قوانينها عدة مرات بما يتناسب مع احتياجاتها ومتطلباتها.
ويضيف “ذلك يشير إلى أن اليمين الإسرائيلي لا يزال يفرض أيديولوجيته على الشارع الإسرائيلي الآخذ بالمضي قدمًا نحو التطرف أكثر من أي وقت مضى، ولا استبعد أن يسن القضاء الإسرائيلي قانون إعدام فلسطينيين إذا انحرف أيضًا نحو اليمينية”.
ولفت النظر إلى أن التوجه نحو إعدام أسرى فلسطينيين يعد مخالفًا للقانون الدولي، إذ إن الأحداث التي تجري بين الفلسطينيين والإسرائيليين ليست جنائية إنما على خلفية قومية ووطنية ونتيجة صراع مستمر منذ عام 1948، وهذا يعني أن الأسرى الفلسطينيين لا يجوز تطبيق حكم الإعدام عليهم لخضوعهم ضمن اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بأوضاع الأسرى خلال النزاعات والحروب”.
ومن الجدير بالذكر في هذا السياق أن عقوبة الإعدام في “إسرائيل” قائمة في القانون المحلي، ولكن القضاء الإسرائيلي يتفادى تنفيذها، علمًا بأن تطبيق الأحكام بالإعدام كان يتطلب موافقة الهيئة القضائية كاملة في محكمة مركزية، أي أن يوافق القضاة الثلاث على العقوبة دون معارضين.