ترجمة حفصة جودة
أدرجت الحكومة الأسترالية مؤخرًا علاجًا آخر لالتهاب الكبد الوبائي “سي” على قائمة برنامج الاستحقاقات الدوائية “PBS”، يجمع العقار “Epclusa®” بين سوفوسبوفير 400 ملليجرام وفيلباتسفير 100 ملليجرام، هذا العلاج هو الأول من نوعه في الأدوية المضادة للفيروس بكل أنواعه ومباشرة المفعول، يكلف العلاج المريض نحو 38.80 دولار أسترالي، أما قبل إدراجه على القائمة فكانت تكلفته تصل إلى 20 ألف دولار أسترالي.
كانت العديد من أدوية فيروس سي قد أدُرجت على قائمة البرنامج منذ مارس 2016، واستثمرت الحكومة مليار دولار أسترالي لمدة 5 سنوات لعلاج 230 ألف مريض أسترالي يعانون من هذا المرض، تعتبر أستراليا من الدول الرائدة عالميًا في الاستجابة لفيروس سي، فمنذ مارس 2016 خضع ما يقارب 40 ألف شخص يعانون من المرض للعلاج، وتمكن نحو 95% من الشفاء منه.
هناك نحو 70 مليون شخص مصابون بمرض التهاب الكبد الوبائي حول العالم
وضعت منظمة الصحة العالمية أهدافًا طَموحة للقضاء على فيروس سي الذي يهدد الصحة العامة، تتضمن الأهداف علاج 80% من المرضى وخفض انتشار المرض بنسبة 80% أيضًا بحلول عام 2030، ونظرًا لوجود نحو 70 مليون شخص مصابون بالمرض حول العالم ولم يتم تشخيص سوى 20% فقط من المرضى ولا يوجد دواء فعال، فإن المهمة القادمة ستكون كبيرة للغاية.
لكن إستراليا تتجه بشكل مثير للإعجاب نحو هذا الهدف وتقدم نموذجًا للبلدان الأخرى لاعتماده، وفي تقرير صدر عن معهد كيربي قال إن أستراليا تسير في الطريق الصحيح للقضاء على الفيروس بحلول عام 2026 (4 سنوات مبكرًا عن الهدف الذي وضعته منظمة الصحة العالمية).
لماذا نقوم بذلك؟
اتخذت الحكومة الأسترالية هذا النهج الاستباقي في علاج فيروس سي لعدة أسباب، أولها العبء الكبير الذي تسببه أمراض الكبد الخطيرة مثل سرطان الكبد وفشل الكبد، فقد صدر تقرير مؤخرًا عن المعهد الأسترالي للصحة والرعاية يقول إن معدلات سرطان الكبد زادت 5 أضعاف من عام 1982 وحتى عام 2013 والسبب الرئيسي في ذلك التهاب الكبد الوبائي، توفي نحو 1500 مواطن أسترالي بسبب سرطان الكبد بين عامي 2011 و2012 ومن الممكن أن يتضاعف هذا الرقم خلال العقد المقبل.
ثانيًا معظم المصابين بفيروس سي أشخاص يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن، ورغم أن أستراليا طبقت استراتيجية للحد من هذا الضرر مثل برنامج الحقن الطبية وعلاج المدمنين باستخدام عقار الميثادون، فإن آلاف الإصابات الجديدة تستمر في الظهور كل عام.
من المتوقع أن يكون هناك علاج آخر فعال ضد جميع السلالات في أستراليا عام 2018
السبب الثالث هو جاذبية الأدوية الجديدة ذات التأثير والعلاج المباشر الفعال والتي يمكنها علاج نحو 95% من المرضى ولديها القدرة على الوقاية من أمراض الكبد الخطيرة ومنع انتشار فيروس سي، على النقيض من ذلك نجد أن أدوية مثل “Harvoni” (سوفوسبوفير وليديباسفير) و”Zepatier” (جرازوبريفير وإلباسفير) والمضافين لجدول برنامج الاستحقاقات الدوائية في مارس 2016 ويناير 2017 على التوالي لهما فاعلية كبيرة لكنهم يعملون ضد سلالة واحدة أو اثنين فقط من سلالات الالتهاب الكبدي الوبائي “سي”.
يشمل العلاج الأخير “Epclusa” قرصًا واحدًا يتم تناوله يوميًا ويجمع بين دوائين موجودين بالفعل (سوفوسبوفير وفيلباتسيفير)، هذا الدواء فعال للغاية ضد أنواع التهاب الكبد الـ6، وتشمل مدة العلاج نحو 3 أشهر.
ومن المتوقع أن يكون هناك علاجًا آخر فعال ضد جميع السلالات في أستراليا في عام 2018 (يجمع بين جليسابريفير وبيبرينتاسفير)، وتشمل مدة هذا العلاج شهرين فقط ما عدا أمراض الكبد المتقدمة.
ما السر في نجاح أستراليا؟
تمكنت أستراليا من تطوير برنامج للوصول غير المقيد لعلاج مرضى فيروس سي، فكان جميع المرضى البالغين مؤهلين للعلاج، تفرض معظم البلدان قيودًا على الوصول إلى المرضى في الحالات المتقدمة، وهناك بعض البلدان ترفض الوصول إلى الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات والكحوليات بصورة مستمرة.
كان السبب الرئيسي لهذا الوصول الشامل قدرة الحكومة الأسترالية على التفاوض للحصول على أقل سعر للدواء عما هو عليه في الدول ذات الدخل المرتفع، يلي ذلك تأييدًا قويًا من قطاع التهاب الكبد، فعلى سبيل المثال دفعت الحكومة الأسترالية لعلاج كل مريض عام 2016 أقل من 10 أضعاف ما دفعته ألمانيا.
في ديسمبر 2015 التزمت الحكومة الأسترالية بتوفير تمويل كبير للتصدي لفيروس سي لمدة 5 سنوات
في ديسمبر 2015 التزمت الحكومة بتوفير تمويل كبير للتصدي لفيروس سي لمدة 5 سنوات مع وجود سقف للإنفاق وعدم وجود سقف لعدد الحالات التي سيتم علاجها، كما أشركت أستراليا أيضًا غير المتخصصين في علاج فيروس سي وبحلول مارس 2016 كانوا قادرين على وصف الأدوية الجديدة.
يستطيع الممارس العام وغير المتخصص الآن وصف أكثر من نصف الأدوية الجديدة المضادة للفيروس، وتوجد نحو 80% من تلك الأدوية في الصيدليات العامة.
في معظم الدول الأخرى لا يتوافر علاج الفيروس إلا من خلال العيادات المتخصصة في المستشفيات، وفي العديد من البلدان يستطيع المتخصص فقط أن يصف الدواء، كان لتاريخ أستراليا في مشاركة الممارس العام في علاج مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) دورًا رئيسيًا لتأسيس برنامج مشترك للتعليم والتدريب على علاج فيروس سي.
استطاعت أستراليا كذلك الوصول إلى أعداد كبيرة من السكان المهمشين، كما وصل العلاج إلى نحو 20% من الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات وازداد عدد الأشخاص الذين يُعالجون في السجون، وكما ذكرنا فقد قادت أستراليا العالم في الحد من الضرر الذي قد يصيب الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات (مما أدى إلى انخفاض نسبة الإصابة بالإيدز إلى 1%)، كما قادت العالم أيضًا في تقييم الأدوية الجديدة على تلك الشريحة الرئيسية من السكان.
للحفاظ على الزخم الأولي للعلاج، من الضروري الفحص المستمر للمواطنين المعرضين للخطر
تطور السلطات القضائية في أستراليا برامج وصول العلاج الجديد للسجون وللمدمنين، وتوفر هذه التدابير الإطار الأمثل للاستفادة من تلك الإمكانات العلاجية المذهلة لفيروس سي وقدرتها على تحسين نوعية الحياة ومنع أمراض الكبد المتقدمة والحد من انتشار فيروس سي.
كيف نحافظ على هذا الزخم؟
من الطرق الرئيسية للحفاظ على الزخم الأولي للعلاج، الفحص المستمر للمواطنين المعرضين للخطر، يتضمن ذلك مدمني المخدرات بالحقن سواء السابقين أو الحاليين وكذلك المهاجرين الذين جاؤوا من بلاد بها نسبة مرتفعة من المرض مثل مصر وباكستان، حيث تكون الإجراءات الطبية في تلك البلاد غير آمنة ومسؤولة عن معظم الإصابات، وفي أستراليا هناك نحو 20% من المصابين بفيروس سي لم يخضعوا للفحص بعد.
وفي النهاية رفع مستوى الوعي في أيام مثل اليوم العالمي لالتهاب الكبد والتغلب على وصمة العار التي تصيب مرضى فيروس سي له دور رئيسي في النجاح، كما أن إمكانات العلاج الثورية التي ستمكن القطاع بأكمله بالإضافة إلى الدعم والتأييد الحكومي المستمر سيدفع أستراليا نحو القضاء على المرض خلال العقد المقبل.
المصدر: ذي كونفرزيشن