شهدت ليبيا عقب ثورة 17 فبرير ظهور العديد من الكتائب المسلحة النظامية وغير النظامية في مختلف المدن في البلاد، وقامت البعض منها بإنشاء سجون ومعتقلات خاصة بها تمارس بعضها أشد أنواع الانتهاكات لحقوق الإنسان.
وخلال الفترة ما بعد ثورة 17 فبراير مرت ليبيا بمراحل وأزمات أمنية وسياسية واقتصادية عدة، دون الوصول إلى حلول لهذه الأزمات رغم الجهود والمساعي المحلية والدولية لإيجاد الحلول لها لتجنب وقوع حرب ومعارك مسلحة.
ولم تجد هذه الكتائب المسلحة التي أنشأت خلال فترات الأزمة رادعا قانونيا أو أمنيا لإيقافها عن ممارستها غير القانونية، التي من بينها إنشاء سجون ومعتقلات تعذيب.
وفي هذا التقرير سنذكر بشيء من التفاصيل عن السجون في فترة عملية الكرامة التي تقع داخل مدينة بنغازي، التي يمكن تقسيمها إلى: سجون سرية، وسجون معلنة، وسجون دائمة، وأخرى مؤقتة، وكل ما يرد في التقرير من معلومات مبنى على شهادات المعتقلين أو ذويهم.
ويعتبر إي سجين أو معتقل يثبت عليه أنه مقاتل أو داعم مباشر لمقاتلين ضد قوات عملية الكرامة، فهذا ليس في حكم المسجون أو المعتقل، وإنما في حكم “الميت”، وفترة سجنه أو اعتقاله ستكون محدودة لمصلحة أردوها المعتقلين فقط، وما سيذكر في التقرير إنما يسري على السجين من ليس بمقاتل أو الداعم المباشر للمقاتلين.
السجون السرية
وتعد من أبرز السجون المعروفة لدى قوات الكرامة السجون السرية، وهى سجون غير رسمية وغير ظاهرة أو معلومة، ينقل إليها أكثر المعتقلين في بداية اعتقالهم، وهناك يتلقى التحقيق الأول والتعذيب الأول، ومن أشهر هذه السجون، سجن شركة (الإفيكو) بمنطقة بودزيرة، وهو تابع للقيادي بقوات الكرامة صلاح بولغيب آمر قوة الاستخبارات العسكرية، ويظهر خارجيا هذا السجن شركة لقطع غيار شحنات وسيارات (الإفيكو)، ولكنه في حقيقة الأمر سجن للاعتقال والتعذيب، والتحقيق.
السجون السرية سجون مؤقتة وليست دائمة، فإما منها ينقل السجين إلى سجن دائم دون احتساب فترة اعتقالك أو محاكمتك، أو يقتل السجين تحت التعذيب أو رميا بالرصاص
وبين السجون السرية سجن (عنبر الأشباح)، الذي يقع داخل معسكر الصاعقة، وهو سجن مرعب يقع تحت الأرض وقليل ما ينجو منه المعتقلين، بحسب شهادات الواردة، يديره عسكريين من الصاعقة، بالاشتراك مع مقاتلي المنهج السلفي “المداخلة”، الذين يقومون بالاستجواب والتحقيق.
ومن أخطر السجون السرية التابعة للكرامة ويرد منها روايات لناجين منه، سجن الشرطة العسكرية بمنطقة بوهديمة، وسجن المعسكر التابع للصاعقة المقابل لسوق الفحم بمنطقة أرض إقريش، كما توجد أيضا سجون سرية تقع داخل المقرات الخدمية بمناطق داخل بنغازي، مثل سجن العيادة الصحية بأرض زواوة ، وسجن المثابة الثورية بمنطقة الليثي قرب السوق العام.
وتعد هذه السجون السرية سجون مؤقتة وليست دائمة، فإما منها ينقل السجين إلى سجن دائم دون احتساب فترة اعتقالك أو محاكمتك، أو يقتل السجين تحت التعذيب أو رميا بالرصاص أن ثبت عليه القتال ضد قوات الكرامة أو دعمهم مباشر.
السجون المعلنة
أما النوع الثاني من السجون، السجون المعلنة، وهى سجون معلومة ومعروفة لدى معظم الناس وذوي المعتقلين للاستفسار أو السؤال عن أبنائهم، وهى ثلاثة سجون مؤقته، هي: سجن مكافحة الإرهاب بمنطقة بودزيرة التابع للقيادي فرج أقعيم، وسجن مزرعة العقيلي بمنطقة بوعطنى التابع للأمن الداخلي تحت أمرة القيادي بو مرفوعة البرغثي، وسجن رأس المنقار، التابع للجنة القبض والمتابعة تحت إدارة السلفية “المداخلة”.
ومن بين السجون المعلنة السجون الدائمة منها: سجن الشرطة العسكرية المعروف بـ”سجن الكويفية”، وسجن مكافحة الإرهاب ببودزيرة التابع لفرج أقعيم وهو مبنى التشغيل التابع لسجن الكويفية سابقا، وفي داخل هذا السجن أكثر من خمس جهات أمنية مختلفة لابد من مرور السجين عليها، وهذه الجهات هي: كتيبة أولياء الدم، وجهاز الأمن الداخلي، وجهاز الاستخبارات العسكرية، وكتيبة السلفية “مداخلة”، وقوة المهام الخاصة.
ويعتبر سجن مزرعة العقيلي ببوعطني التابع للأمن الداخلي، بأمرة بو مرفوعة البرغثي، من السجون الأقل سوء من بين كل ما سبق ذكره من السجون، ويعد هذا السجن الوحيد الذى لا سلطة لكتيبة السلفية عليه، استجوابا وضبطا، وبحسب شهادات ذوي المعتقلين في هذا السجن فإنهم يتلقون من أبناءهم اتصالات هاتفية من حين لآخر، كما أنهم يمكن زيارتهم وتفقد أحوالهم، وكثير من قضايا هؤلاء المعتقلين قد حلت ويمكن حلها خلال جلسات خاصة أو عرفا وحفل عشاء.
سجن الكويفية من السجون الجيدة خدميا والمعاملة العامة، رغم تأخير تنفيذ عمليات الإفراج عن السجناء لعدة أشهر
أما سجن رأس المنقار أو كما يطلق عليه أحيانا بسجن (برسس 2)، الذي يقع بمنطقة رأس المنقار شرق بنغازي التابع للجنة القبض والمتابعة التابعة لكتيبة السلفية “المداخلة”، فيعتبر من أشد السجون في المدينة حيث لا يوجد به معاملة جيدة ولا حتى زيارات لأهالي المعتقلين، فالمعتقل داخل هذا السجن أما مقتولا، أو منقولا إلى سجن قرنادة شرق ليبيا.
ويدير سجن رأس المنقار قيادي من مقاتلي السلفية يدعى الفيتوري، من سكان منطقة السلماني الشرقي مقابل مسجد بيعة الرضوان، والمعتقل لديهم مدان في كل حالاته، وأن عجزوا القائمين على السجن عن اتهام السجين فيتهمونه: بأنه لا يصلي خلف الإمام السلفي في المسجد، أو غيرها من التهم المشابهة.
فيما يعد سجن الشرطة العسكرية (سجن الكويفية)، سجنا رسميا ومعلنا، وتسمح فيه الزيارات السجناء ومحاكمتهم وعرضهم على النيابة العسكرية، وأفادت روايات المعتقلين فيه مقارنة بما سبق من سجون فأن سجن الكويفية من السجون الجيدة خدميا والمعاملة العامة، رغم تأخير تنفيذ عمليات الإفراج عن السجناء لعدة أشهر.
كتيبة السلفية “المداخلة”
وتمارس كتيبة السلفية “المداخلة” عملها وسلطتها في عمليات الضبط والإحضار والاستجواب والإفراج والتعذيب على كل ما سبق من سجون ماعدا سجن مزرعة العقيلى التابع للأمن الداخلي، ويتعرض المعتقل أثناء مداهمته في منزله أو اعتقاله لعملية السلب بكل ما بحوزته من سيارة أو مال أو هاتف محمول، وكل ما سبق من سجون حريصة على عدم إعطاء مستند أو أدنى ورقة تثبت المداهمة والاعتقال وحتى الإفراج.
معظم السجون التي تقع في المنطقة الشرقية التابعة لقيادة عملية الكرامة تحذو حذوا سجون بنغازي، أو ربما أشد وأسوء من ذلك
وهناك كتيبة أخرى تعرف بكتيبة (الشناني الحمر)، التي لها محركا وأثرا لا يستهان به من الإفراج وصولا إلى التقاضي العرفي المعروف بـ”المسار” حيث رصدت حالة من هذا التقاضي العرفي لمعتقل وهو من قبيلة العبيدات من سكان حي السلام تمت مداهمته وتفتيش منزله واعتقاله لساعات ليتضح أنه بريء من الاتهامات الكيدية الموجه إليه، وكان هذا المعتقل أثناء مداهمته واعتقاله مسلحا وقام بالرماية على القوة المهاجمة وهم مكافحة الإرهاب التابع للقيادي أقعيم، وأصاب منهم أحد عناصرهم وهو من منطقة بطة شرقا لعائلة الدرسي.
ورغم كل ذلك فإن هذا المعتقل وبعد الإفراج عنه استطاع تحريك كتيبة (الشناني الحمر) الذين قالو: “إن كانت مداهمة المنزل مرخصة وبإجراء قانوني فلا اعتراض لنا على إجراء الدولة، وإن كانت بغير أي إجراء قانوني فهذا يتطلب إقامة تقاضي عرفي ميعاد، ومسار)”، وقامت قبيلة الدرسة بـ”المسار” على قبيلة العبيدات بشأن الحادثة، لأنه كما هو معروف أن كل السجون والجهات المداهمة حريصة على عدم إعطاء مستند تثبت المداهمة أو الاعتقال أو حتى الإفراج.
يذكر أن معظم السجون التي تقع في المنطقة الشرقية التابعة لقيادة عملية الكرامة تحذو حذوا سجون بنغازي، أو ربما أشد وأسوء من ذلك، وتنتشر ظاهرة الاحتجاز التعسفي والتعذيب وغير ذلك من ضروب إساءة المعاملة أثناء الاحتجاز على نطاق واسع في مقرات الاحتجاز التي تقع بشرق ليبيا.
وقد رصدت في السابق عدة منظمات ومؤسسات حقوقية محلية ودولية وقوع انتهاكات جسيمة في حق السجناء والمعتقلين بسجون المنطقة الشرقية، أبرزها سجن قرنادة.
المصدر: ليبيا الخبر