منذ بدء الثورة الصناعية أصبحت قضية الحفاظ على البيئة من الأمور التي تقض مضاجع العامة والعلماء على حد سواء لأن أي تصرف غير مسؤول قد يهدد الحياة بأوجهها كاملة، فلقد وصلت الأزمات البيئية إلى نقطة تحولت فيها إلى مسألة سياسية، يُنظم على إثرها مؤتمرات واتفاقيات دولية لدراسة حال البيئة وتحديد المشكلات التي قد ينجم عنها كوارث مميتة إن لم تستطع الدول وضع ضوابط للسلوكيات المضرة بالبيئة.
في أواخر الخمسينيات، واجه العلماء نوعًا جديدًا من الأخطار الكونية وهو التلوث الفضائي الذي حدث منذ أن أطلقت روسيا أول قمر صناعي “سبوتنيك” إلى الفضاء، ومن وقتها تم أكثر من 6600 عملية إطلاق فضائي، وكل رحلة فضائية تترك فيها المركبات والصواريخ مخلفات عالقة في المدار الفضائي حول الأرض، وتحدث هذه النفايات بسبب الأجزاء التي تتفكك أو تنفصل عن جسم القمر الصناعي.
ومع ارتفاع عدد الرحلات إلى الفضاء زادت كميات النفايات الفضائية لتصل إلى أكثر من 750 ألف جسم يدور حول الأرض ومن بينها 1380 قمرًا صناعيًا داخل نطاق الخدمة، والبقية فقدت قدرتها على العمل، هذا وفقًا لما قاله العلماء في مؤتمر بشأن القمامة الفضائية.
أطلق البعض وصف “مدار المقبرة” على المحيط الفضائي الذي تدور فيه الأجسام والشظايا المعدنية بطريقة عشوائية والذي قد تكون أخطر من النيازك نفسها في حال سقوطها على الأرض.
ما المخيف في وجود هذه الأجسام المعدنية داخل المدارات الفضائية؟
حذر العلماء من ارتفاع نسبة المخلفات الفضائية وهذا لأنها قد تتحول إلى حجة سياسية في حال اصطدامها بأحد الأقمار الصناعية العسكرية، مشيرين إلى مدى قوة هذه الأجسام في تدمير قمر صناعي، كما يوضح العلماء أن هذه الأجزاء المفككة لا يمكن التفريق بينها وبين شظايا أي هجوم مخطط من الدول المعادية للدولة المصنعة لهذا القمر، إذ رصد العلماء حجم هذه الأجزاء الذي يصل إلى 10 سنتيمترات وتدور في المدار بسرعة 28.164 كيلومتر في الساعة.
في عام 2013، تصاعدت تحذيرات العلماء بشكل أكبر، خاصة بعد اصطدام قمر صناعي روسي بأحد الأقمار الصناعية القديمة التي دمرته الصين في عام 2007 في إطار اختبار لمضادات الصواريخ، ولم يكن التهديد فقط في نشوب حرب بين الدولتين بل بتكاثر النفايات الفضائية الذي نتج عن هذا الاصطدام.
أظهرت الدراسة تصاعد في عدد الأجسام المعدنية من 9.949 في عام 2006 إلى 16094 في 2011، و20% من هذه المخلفات بسبب القمر الصناعي الذي حطمته الصين
كما حذرت وكالة ناسا الأمريكية من هذه المسألة ووصفت التلوث الفضائي بأنه “وصل إلى الحد الأقصى”، خاصة بعدما اصطدم المكوك الفضائي التابع لها بقطع من الشظايا المعدنية، الأمر الذي أكد عليه العلماء قائلين: “مستقبل ريادة الفضاء سيكون في خطر، بسبب العوائق التي ستمنع انطلاق الرحلات الفضائية خوفًا من قطع الحطام المدمرة”.
وخلال المؤتمر الأوروبي للحطام الفضائي في ألمانيا، قال هولغر كراغ رئيس مكتب الحطام التابع لوكالة الفضاء الأوروبية: “هذه الأجسام المفككة تتميز بسرعات هائلة نسبيًا، إنها أسرع من الرصاصة، ويمكن أن تدمر البنية التحتية الفضائية، مثل الأقمار الصناعية للاتصالات والطقس والملاحة الجوية والبث الفضائي”، ودعا إلى “ضرورة تطوير وسائل لإزالة الحطام في الفضاء بشكل فعال، من أجل جمع نفايات ما يقارب 10 أقمار صناعية كبيرة على الأقل من المدار حول الأرض كل عام”.
في دراسة أجراها المجلس الوطني للبحوث في المسائل العلمية، كشفت الأبحاث عن تهديد الحطام المداري لأكثر من ألف قمر صناعي تجاري وعسكري ومدني يدور حول الأرض، كجزء من الصناعة الدولية في هذا المجال، كما أظهرت الدراسة تصاعدًا في عدد الأجسام المعدنية من 9.949 في عام 2006 إلى 16094 في 2011، و20% من هذه المخلفات بسبب القمر الصناعي الذي حطمته الصين.
حذر العلماء من انهيارات اقتصادية بسبب الاصطدامات الفضائية، مثل اقتصاد أستراليا التي يعتمد كليًا على الأقمار الصناعية
وتقول ناسا، إنه يجري حاليًا تعقب أكثر من 500 ألف قطعة من الأجسام المعدنية، و20 ألف قطعة من هذه الخردة الفضائية أكبر من كرة السوفتبول تدور حول الأرض، وتشكل خطرًا على المركبات الفضائية والأقمار الصناعية، إضافة إلى محطة الفضاء الدولية.
وفي أحدث إحصائيات لهذا العام، قال العلماء إن ما لا يقل عن 170 مليون قطعة نفايات فضائية تدور حول الأرض، وبهذا الصدد قال رئيس المركز الأسترالي للبحوث البيئية الفضائية بن جرين: “مشكلة الخردة الفضائية تزداد سوءًا كل عام، إذ يتم رصد 22 ألفًا فقط من الخردة الفضائية من بين ملايين الأجسام”، وتابع حديثه قائلاً “إننا نخسر 3 أو 4 أقمار صناعية سنويًا بسبب الاصطدام بالحطام الفضائي، كما أننا قريبون جدًا من فقدان كل شيء، وفقًا لتقديرات وكالة ناسا، في غضون 5 إلى 10 سنوات مقبلة”.
وأضاف “حدوث سلسة كارثية من الاصطدامات تدمر كل الأقمار الاصطناعية في المدار أصبح ممكنًا”، كما حذر من انهيارات اقتصادية بسبب الاصطدامات الفضائية مثل اقتصاد أستراليا التي يعتمد كليًا على الأقمار الصناعية.
ما الحل؟
في دراسة أجراها فريق بحث في مجال المخلفات الفضائية، توصل الباحثون إلى نتائج توضح مدى خطورة البيئة الفضائية لرواد الفضاء والمكوكات الفضائية في هذا المحيط الذي أصبح يعج بالخردة الفضائية والشظايا المعدنية، إذ اقترحت الدراسة التخفيف من هذه المخلفات لتحسين البيئة الفضائية، ودعت إلى ضرورة وجود أطر عمل قانونية تنظم فيها عمليات الإطلاق الفضائي لإعداد برنامج لإزالة المخلفات الفضائية، ذلك بالاتفاق مع وكالة ناسا.
في عام 2014، اقترحت وكالة الفضاء الأوروبية طريقة لعلاج مشكلة المخلفات الفضائية وتمثلت هذه الطريقة بالعمل على تصميم ذراع آلية تعمل على سحب الحطام من المدار الفضائي إلى ارتفاع منخفض في الغلاف الجوي للأرض، مما يؤدي إلى احتراقه، ويذكر أن هذا المشروع ما زال قيد التطوير حتى عام 2023.
زادت السلوكيات غير المسؤولة بشأن هذه المسألة، خاصة بعدما ألقى رواد الفضاء التابعون لوكالة ناسا كبسولة تزن طنًا ونصف من القمامة
وبالنسبة إلى اليابان، فقد عملت وكالة الفضاء اليابانية عام 2016، على تصنيع شريط كهروديناميكيًا يدعى “إي دي تي”، والذي يبلغ طوله 700 متر بهدف التخلص من النفايات الموجودة في المدار الفضائي، وتعتمد طريقته على التقاط الأجسام المعدنية المحطمة بمساعدة ثقل موازن يبلغ وزنه 20 كيلوجرامًا، وإبطاء حركته وتوجيهه إلى الغلاف الجوي فيحترق بأمان فور دخوله الغلاف.
أما الحل الأكثر ترجيحًا من قبل العلماء، إرسال بالونات إلى الفضاء من أجل ضرب النفايات بعاصفة من الرياح عند انفجار البالونات لدفع هذه الخردة باتجاه الغلاف الجوي وتحترق.
لكن حتى اليوم، لم تجد أي جهة مختصة في الفضاء حلاً لهذه المشكلة المقلقة، بل زادت السلوكيات غير مسؤولة بشأن هذه المسألة، وخاصة بعدما ألقى رواد الفضاء التابعون لوكالة ناسا كبسولة تزن طنًا ونصف من القمامة من محطة الفضاء الدولية، وهذه الكمية من الخردة الفضائية تعتبر الأكبر على الإطلاق.