ترجمة وتحرير نون بوست
يعتبر اعتماد آلية “التخطيط الشخصي للمجتمع”، للتطرق إلى البيانات الشخصية الخاصة بالناخبين، التي يتم استخلاصها من خلال محاور الاهتمام المُعلن عنها، أمرا ناجعا وفقا لما توصلت إليه آخر الأبحاث. والجدير بالذكر أن هذه الأبحاث تم تناولها ضمن مؤتمر قراصنة الحاسوب “ديف كون” في لاس فيغاس في ولاية نيفادا الأمريكية.
في الحقيقة، تسمح هذه الممارسة المثيرة للجدل للمجموعات بصياغة رسائل تتناسب مع الأفراد الذين تستهدفهم خلال الحملات السياسية، بغض النظر عن اختلاف شخصياتهم. وفي الوقت الراهن، يتم توظيف هذه الآلية من قبل عدة شركات من بينها “كامبريدج أناليتيكا” “وأغريغايت أي كيو”، وذلك بغية استهداف الناخبين بشكل أفضل من خلال الإعلانات السياسية التي تعرف “بالإعلانات القاتمة”.
وفي هذا الصدد، قال مدير الأبحاث، كريس سومنر، والمؤسس المشارك “لمؤسسة الخصوصية على شبكة الإنترنت” غير الربحية الذي قاد البحث حول مسألة “الإعلانات القاتمة”، إن “القلق الذي كان ينتابنا قبل ظهور نتائج الاستفتاء (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) كان على خلفية إمكانية التلاعب بالأشخاص وتوجيه آرائهم المنحازة سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد. أما الآن، وبعد أن قمنا بهذا البحث، فقد ازدادت حدة مخاوفي”.
وأضاف سومنر أنه “عموما، لا يعتبر الأمر مفاجئ فقد كنا نتوقع رؤية ذلك. وبالنسبة للأشخاص الذين كان الفوز من نصيبهم في ذلك الوقت، فسيقولون أن الأمر لا يمثل مشكلة. في المقابل، سيصر الأشخاص الذين مُنيوا بالفشل على أن الأمر يشكل معضلة كبيرة”. وفي هذا السياق، تقوم آلية “التخطيط الشخصي للمجتمع”، بتصنيف الأفراد وفقا لأنواع شخصياتهم وذلك من خلال استخدام البيانات المتأتية من شبكات التواصل الاجتماعي على غرار فيسبوك.
عموما، ركّزت الأبحاث التي قادها سومنر على تجسيد البعض من النتائج الرئيسية للأبحاث فيما يتعلق “بالتخطيط الشخصي للمجتمع” وذلك من خلال تصوير إعلانات تستهدف تحديدا أنماطا معينة من الشخصيات. ومن خلال توظيف خاصية البيانات المتاحة للعلن لضمان اطلاع الأشخاص المستهدفين على هذه الإعلانات في الوقت المناسب، قام سومنر باختبار مدى فعالية هذا النوع من الإعلانات.
توظيف محاور الاهتمام المُعلن عنها لاستخلاص لمحة عن الأشخاص الذين توجه لهم الإعلانات، قائمة على “التخطيط الشخصي للمجتمع”.
في مرحلة لاحقة، وانطلاقا من نتائج الآنف ذكره، تم تقسيم الناخبين المحتملين إلى مجموعتين من الأشخاص وفقا لدرجة نزعتهم للسلطة إن كانت عالية أو منخفضة وذلك بالاعتماد على جملة من المعطيات من قبيل العمر، والجنس، ومكان الإقامة ومراكز الاهتمام. وتضم المجموعة الأولى بالشابات الأصغر سنا اللاتي حققن مراتب متدنية على مقياس السلطوية، فيما تضم المجموعة الثانية الرجال الأكبر سنا الذين احتلوا مراتب متقدمة على هذا المقياس.
أما من الناحية الجغرافية، فقد اختار سومنر خمس مناطق محلية تمت الإشارة إليها في أبحاث سابقة على أنها تتميز بمواقف سلطوية متدنية وهي؛ كامبريدج، وليفربول، ومانشستر، وإدنبرة، وهاكني. علاوة على ذلك، اختار الباحث سبع مناطق اتسمت بارتفاع مؤشر السلطوية ألا وهي باسيلدون، وتشيلمسفورد، ودادلي، وثوروك، ومانسفيلد، وروثرهام، وسويندون.
خلافا لذلك، يتمثل أهم عامل في إطار هذه الأبحاث في توظيف محاور الاهتمام المُعلن عنها لاستخلاص لمحة عن الأشخاص الذين توجه لهم الإعلانات، قائمة على “التخطيط الشخصي للمجتمع”. ومن خلال استخدام المعلومات التي يؤمنها موقع فيسبوك فيما يتعلق بمستخدميه، أنشأ سومنر مجموعة ذات مستوى عال من السلطوية التي حددها موقع فيسبوك على أنها مهتمة بالتوجه المحافظ وصحيفة “ديلي ميل”، ومجموعة أخرى ذات مستوى منخفض من السلطوية، مهتمة بالليبرالية وصحيفة “الغارديان”.
في سبيل إخضاع المجموعات، التي تم فرزها بدقة من بين مستخدمي موقع فيسبوك، للاختبار، تم سُؤالهم عما إذا كانوا يتفقون مع عبارة: “فيما يتعلق بخصوصية الإنترنت: إذا لم ترتكب أي خطأ فليس لديك ما تخشاه”. وحين تم التحقق من الإجابات بشكل عشوائي، أظهرت النتائج موافقة 38 بالمائة من الأشخاص على هذه العبارة. لكن، وبمجرد دمج كافة الدلالات القائمة على “التخطيط الشخصي للمجتمع”، اتضح أن المجموعة التي تتمتع بسلطوية منخفضة قد وافقت بنسبة 25 بالمائة فحسب، في حين ارتفعت نسبة الموافقة في المجموعة التي تتسم بسلطوية عالية إلى غاية 61 بالمائة.
في هذا الإطار، يعتبر عامل الاطلاع على البيانات الشخصية التي تستند إلى آلية “التخطيط الشخصي للمجتمع”، لكلا المجموعتين أكثر فاعلية من مجرد القدرة على التخمين الدقيق للمواقف التي تتبناها بالفعل. فضلا عن ذلك، يمكن توظيف هذا العامل لصياغة رسائل معينة تستهدف تلك المجموعات على وجه التحديد وذلك بغية التأثير على آرائهم ومواقفهم بشكل ناجع.
الاستهداف القائم على آلية “التخطيط الشخصي للمجتمع” مسموح به على موقع فيسبوك، كما أن الشركة تروج لهذه الممارسة في صفوف السياسيين باعتبارها الطريقة المثلى “لإقناع الناخبين”
من جانب آخر، قام كريس سومنر بتصوير أربعة إعلانات، حيث يهدف اثنان منها إلى كسب المزيد من التأييد فيما يتعلق بمراقبة الإنترنت فيما يهدف الآخران إلى الحد من نسبة التأييد. وفيما بعد، تم توجيه كل من هذه الإعلانات إلى المجموعتين ذات السلطوية العالية والمنخفضة. على سبيل المثال، احتوى الإعلان المناهض للرقابة الخاص بالمجموعة ذات السلطوية العالية على الشعار التالي: “لقد قاتلوا من أجل حريتكم فلا تلقوا بها بعيدا!”، مرفقا بصورة لعمليات الإنزال في يوم النصر.
أما الرسالة المُوجّهة للمجموعة ذات السلطوية المنخفضة المؤيدة للرقابة فكانت كالتالي: “الجريمة لا تتوقف حيث تبدأ شبكة الإنترنت: قل نعم لمراقبة الدولة”. ومما لا شك فيه أن الإعلانات المستهدفة آتت نتائج أفضل بشكل ملحوظ. في الحقيقة، كانت المجموعة التي تتميز بسلطوية عالية أكثر استعدادا لمشاركة منشور ترويجي يستهدفهم على مشاركة منشور مماثل يستهدف معارضيهم. في المقابل، صنّفت المجموعة التي تتسم بسلطوية منخفضة الإعلان الذي يستهدفهم على أنه أكثر إقناعا مقارنة بالإعلان الذي لم يكن مُوجها لهم.
والجدير بالذكر أن الاستهداف القائم على آلية “التخطيط الشخصي للمجتمع” مسموح به على موقع فيسبوك، كما أن الشركة تروج لهذه الممارسة في صفوف السياسيين باعتبارها الطريقة المثلى “لإقناع الناخبين” “والتأثير على النتائج سواء كان ذلك على شبكة الإنترنت أو خارجها”. خلافا لذلك، وصف البعض قدرة الحملات الانتخابية على الاستهداف المثالي لمجموعات مختلفة من خلال رسائل متنوعة بأنها مصدر قلق خاصة على مستوى التوجهات الديمقراطية، حيث تسمح للسياسيين باستدراج أسوأ جانب في شخصية الناخبين بطريقة يستحيل اكتشافها تقريبا.
المصدر: الغارديان