دخل نواب تونس في عطلتهم البرلمانية دون التمكن من سد الشغور وانتخاب أعضاء جدد بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات (دستورية) بعد أن قدم الرئيس السابق للهيئة رفقة نائبيه استقالتهم منذ ما يقارب 3 أشهر، مما أعاد فرضية تأجيل موعد الانتخابات البلدية المزمع إنجازها في الـ17 من ديسمبر المقبل إلى الواجهة.
سد الشغور
في آخر جلسة لهم قبل الدخول في عطلتهم السنوية، لم يتوفق نواب الشعب في انتخاب أعضاء جدد لهيئة الانتخابات، ويفرض القانون أن يتم انتخاب ثلاثة أعضاء لسد الشغور بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات في الاختصاصات الثلاث المعنية، وهي قاضٍ إداري وقاضٍ عدلي وأستاذ جامعي، والتجأ النواب ثلاث مرات إلى التصويت لسد الشغور في عضوية الهيئة بشأن فئة القاضي الإداري دون نتيجة، حيث لم يحصل أحد المرشحين الثلاث وهم نجلاء إبراهيم وسليم البريكي وماهر الجديدي على أغلبية عدد الأصوات المطلوبة، ففي آخر جلسة صوت 103 نواب فقط في حين أن القانون يفرض حضور 145 نائبًا على الأقل.
حتى الـ25 من شهر يوليو الماضي، بلغ العدد الإجمالي للمسجلين في الانتخابات 5 ملايين و200 مسجّل من مجموع 8 ملايين و200 ناخب
وينص القانون على أن يحصل المرشح لعضوية الهيئة على ما لا يقل عن 145 صوتًا في البرلمان، وعطل فشل التصويت على عضو للهيئة في صنف القاضي الإداري عملية انتخاب أخرى كانت مبرمجة بعد ذلك وتخص التصويت لسد الفراغ في عضوية الهيئة في فئة أستاذ جامعي، والهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي هيئة أقرها الدستور التونسي الجديد في المادة 126، للإشراف على الانتخابات ويتم انتخابها من البرلمان وتتكون من 9 أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لفترة واحدة مدتها ست سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.
وفي الـ9 من مايو الماضي، أعلن شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حينها، صحبة بعض أعضاء الهيئة، استقالتهم من منصبهم بشكل مفاجئ، دون أو يوضّحوا الأسباب الرئيسية لذلك، إلا أن العديد من المراقبين ربطوا هذه الاستقالة بضغوط سياسية مورست على الهيئة، خاصة إنه قال: “لقد اضطررنا إلى هذا القرار الذي أؤكد بأنه قرار مسؤول، بعدما تأكدنا بأن الخلاف داخل المجلس (مجلس الهيئة) لم يعد مجرد خلاف في طرق العمل بل أصبح يمس القيم والمبادئ التي تتأسس عليها الديمقراطية”.
استقالة شفيق صرصار أربكت عمل الهيئة
منذ أكثر من ست سنوات وتونس دون مجالس محلية منتخبة، ويخشى التونسيون أن يتواصل هذا ويتسبّب في مزيد من عرقلة نشاط البلديات وعملية التنمية في الجهات وتأخّر تحقيق مطلب من المطالب الشعبية الأقرب للمواطنين وهو الحكم المحلي الذي نادى به التونسيون في يناير 2011، وحتى الـ25 من شهر يوليو الماضي، بلغ العدد الإجمالي للمسجّلين في الانتخابات 5 ملايين و200 مسجّل من مجموع 8 ملايين و200 ناخب.
وينظم الباب السابع من الدستور التونسي كل ما يخص السلطة المحلية، إذ ينص في فصله الـ131 على أن “السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية التي تتجسد في جماعات محلية تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون”، وتقدّر تكلفة الانتخابات البلدية بنحو 68 مليون دينار تونسي (قرابة 29.5 مليون دولار أمريكي)، وفق أرقام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
غياب التوافق
لئن برر العديد من النواب عدم تمكنهم من استكمال انتخاب باقي أعضاء الهيئة العليا للانتخابات إلى الغيابات المسجلة في صفوف زملائهم نتيجة الإرهاق والتعب الذي طالهم بعد حضورهم 12 جلسة عامة متواصلة خلال أسبوعين فقط، فإن متابعين للشأن البرلماني في تونس يؤكّدون عكس ذلك.
ويرى المتابعون أن السبب الحقيقي وراء عدم التمكن من سدّ الشغور وانتخاب أعضاء جدد بالهيئة يعود إلى غياب التوافق بين أحزاب الائتلاف الحاكم، ومحاولة نداء تونس عرقلة العملية لتأخير الموعد الانتخابي لعدم جهازيته، ويقول مراقبون إن تعطل إتمام العملية لا يخدم الأجندة التي وضعتها الحكومة التونسية بخصوص تنظيم الانتخابات البلدية، ومنذ إقرار إجرائها في الـ17 من ديسمبر 2017، تعالت أصوات تطالب بتأجيل موعد الانتخابات البلدية إلى مارس 2018 لعدم توفّر كل ظروف إجراء الانتخابات المحلية.
تعدّ الانتخابات المحلية حسب متابعين للشأن التونسي، امتحانًا حقيقيًا ستخوضه الأحزاب نحو تحقيق الحكم المحلي وتخفيف الضغط على السلطة المركزية
وحددت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات يوم الـ17 من ديسمبر موعدًا لإجراء الانتخابات البلدية بعد التشاور مع رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس نواب الشعب والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والهياكل القضائية المعنية بمراقبة الانتخابات، وسُيّر العمل البلدي في تونس عقب ثورة 2011 من قبل النيابات الخصوصية وهي مجالس بلدية مؤقتة غير منتخبة عينت بالتوافق الحزبي، إثر حل المجالس البلدية.
وتعد الانتخابات المحلية حسب متابعين للشأن التونسي، امتحانًا حقيقيًا ستخوضه الأحزاب نحو تحقيق الحكم المحلي وتخفيف الضغط على السلطة المركزية، يذكر أن الانتخابات المحلية كانت مقررة في 30 من أكتوبر 2016، ثم تم تأجيلها إلى 26 من مارس 2017، نظرًا لأن البرلمان لم يصادق على القانون الانتخابي إلا في الأول من فبراير الماضي، بسبب خلاف بين الكتل البرلمانية بشأن القانون الانتخابي وبخصوص تصويت رجال الأمن والجيش في الانتخابات.
دورة برلمانية استثنائية
أمام انعدام التوصل إلى توافق بشأن سدّ الشغور الحاصل في الهيئة، يرى مراقبون أن الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق حتى لا تتأجل الانتخابات، الدعوة إلى دورة برلمانية استثنائية لاستكمال المهمة المنوطة في عهدتهم.
وفي حوار له أمس مع وكالة الأنباء الرسمية، أفاد رئيس البرلمان التونسي محمد الناصر، بأن مجلس النواب سيعقد دورة استثنائية مع بداية شهر سبتمبر المقبل، وسيكون على رأس أولوياتها استكمال انتخاب العضوين المتبقيين من أعضاء الهيئة، بعد تعذر ذلك في أثناء الدورة النيابية السابقة، مشيرًا إلى أن مكتب المجلس في حالة انعقاد دائم وأن المجلس بصدد انتظار طلب من ثلث أعضاء المجلس (74 نائبًا) لعقد دورة استثنائية.
من المنتظر أن تنطلق الدورة الاستثنائية في سبتمبر المقبل
وتنص الفقرة الثالثة من الفصل 57 من الدستور على أنه “يجتمع مجلس نواب الشعب في أثناء عطلته في دورة استثنائية بطلب من رئيس الجمهورية أو من رئيس الحكومة أو من ثلث أعضائه للنظر في جدول أعمال محدد”.
ويراهن أغلبية التونسيين على هذه الانتخابات وما ستفرزه من مجالس بلدية وجهوية لتركيز مؤسسات حكم محلي حقيقية تكون حلقة وصل بين المواطن والسلطة المركزيّة، وتمكنهم من المشاركة في إدارة شؤونهم بأنفسهم وتخفف من وطأة السلطة المركزية.