الكابويرا رياضة الحياة والحرية لأطفال الحروب

في دائرة صغيرة يقف الأطفال يغنون بالبرتغالية على إيقاعات الرق الذي يستخدمه المدرب أحيانًا أو أحد الأطفال أحيانًا أخرى، يتحركون في مساحتهم الصغيرة ضاحكين ومقلدين حركات المدرب أو ممارسين لحركات يحفظونها جيدًا، أطفال من سوريا والعراق وبلدان أخرى أتوا لهذه المساحة الآمنة لاستعادة طفولتهم التي غيبتها النزاعات في بلادهم الممزقة.
مبنى صغير بين البيوت في أحد الشوارع البعيدة الهادئة في حي الفاتح التاريخي بمدينة إسطنبول التركية أصبح يمثل لهم تلك المساحة، وحتى يظل المكان هادئًا اختار مؤسسوه الابتعادعن زخم المدينة المترامية الأطراف الصاخبة في أغلب الأحيان.
مؤسسة “مشاريع صغيرة في إسطنبول” غير الحكومية تدير مركز “شجرة الزيتون” وهو مركز مجتمعي ينظم عددًا من الأنشطة للأطفال وأمهاتهم لمساعدتهم على تخطي الأزمات الناتجة عن النزوح خارج بلادهم والتأقلم في البلد الجديد الذي أصبح بيتهم الآن، وذلك من خلال عدة برامج حيث تتعلم الأمهات المشغولات اليدوية والأطفال اللغات والموسيقى والتصوير وأنشطة أخرى من بينها “الكابويرا”، وهو النشاط الذي تنظمه المؤسسة بالتعاون مع مؤسسة كابويرا من أجل اللاجئين ومقرها المملكة المتحدة.
الكابويرا بحسب موقع المؤسسة لعبة قتالية برازيلية أسسها العبيد القادمون من إفريقيا إلى البرازيل في القرن الـ16 واستخدموها كنوع من كفاحهم من أجل حريتهم، كما يقول الموقع “إن لم يكن بالجسد فعلى الأقل بالعقل”، وتتكون من حركات قتالية ولكنها ليست قتالاً، فهي استعراض متتالي للحركات على أنغام إيقاع موسيقي وأغانٍ، والآن تستخدم كوسيلة دعم للأطفال القادمين من مناطق النزاعات المختلفة.
“الكابويرا هي فن استعراضي ولا تتضمن أي تلامس جسدي أو قتال” يقول عبد الله برزاوي المدرب السوري في مركز شجرة الزيتون، “تساعد الأطفال على أن يكونوا اجتماعيين أكثر ويتغلبوا على بعض ما حدث لهم في بلادهم وما رأوه من أحداث عنف” يضيف عبد الله.
عبد الله وأخوه عامر الذي يعمل في نفس المؤسسة تعلما الكابويرا في دمشق عام 2007 قبل بداية النزاع السوري المسلح وكانوا يمارسونها بداية كرياضة ثم بدأوا في تعليمها للأطفال من مناطق النزاعات كنوع من الدعم النفسي.
يستطرد عبد الله حديثه قائلًا: “تساعد الكابويرا الأطفال على تحريك عضلات لا يستخدمونها طول اليوم كما تجعل في يومهم موضوعًا جديدًا يحبون الكلام عنه مع أصدقائهم في المدرسة مما يجعلهم متفاعلين أكثر مع المجتمع وتساعدهم على التخلص من الطاقة السلبية”.
يتكون الفصل في المؤسسة من 10 إلى 15 طفلًا من الذكور والإناث، وبحسب عبد الله فإن الكابويرا رياضة يمكن للجميع ممارستها في أي سن ولكن نظرًا للظروف الحالية فتركيزهم الأكبر مع الأطفال.
يتكون تدريب الكابويرا من حركات كل منها لها اسم باللغة البرتغالية إضافة إلى الموسيقى والأغاني، الأطفال من أعمار مختلفة إناث وذكور يقفون في دائرة ويغنون معًا بالبرتغالية أغانٍ يعلمها لهم المدربون، يُستخدم الرق للعزف ويشجع المدربون الأطفال على المشاركة في ألعاب مختلفة ويتفاعل الأطفال معهم كثيرًا.
يقول عبد الله: “نحن نصمم التدريب بحسب احتياجات الأطفال، أحيانًا يكون غناءً فقط وأحيانًا نمارس حركات الكابويرا وأحيانًا كلاهما معًا”.
ويرى عبد الله أن الأطفال يختلفون كثيرًا بعد الاندماج في التدريبات، ويعلق أن المشاركين في التدريبات الأسبوعية معه اختلفوا كثيرًا نفسيًا منذ قدومهم إلى المؤسسة وأصبحوا أكثر تفاعلًا مع أصدقائهم وأكثر اهتمامًا باللعبة رغم أنهم في البداية كانوا لا يحبون الكلام أو المشاركة على الإطلاق.
وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فإنه بنهاية عام 2016 وصل عدد النازحين واللاجئين حول العالم إلى 65.5 مليون شخص وهو أعلى رقم منذ الحرب العالمية الثانية، منهم 22.5 مليون طفل تحت سن الـ18، وتعد تركيا أعلى بلد استضافة للاجئين حيث يعيش بها 2.9 مليون لاجئ.