ترجمة وتحرير نون بوست
يمكن القول إن الحملة العسكرية التي قادتها روسيا بهدف دعم الرئيس السوري في صراعه ضد المعارضة قد أتت أكلها، أخيراً. في الوقت ذاته، اكتشف الكرملين أنه قد أخذ يفقد سيطرته على الأسد الذي أصبح واثقا من نفسه ومن إمكانية بقائه في السلطة بشكل واضح. ومن هذا المنطلق، رفضت روسيا تقديم الدعم الجوي للنظام السوري الذي من شأنه أن يمكن الأسد من شن هجوم على آخر معقل المعارضة في محافظة إدلب. وتأتي هذه التحركات على خلفية محاولة موسكو استعادة نفوذها وتأثيرها الذي استشعرت تقلصه مؤخراً، وفقا لما ذكره بعض المشرعين الروس ومستشاري الكرملين.
أفاد العديد من المسؤولين أن الجانب الروسي، الذي كان يهدف فيما مضى إلى تعزيز جهوده الرامية إلى إقامة مناطق خفض التصعيد، لتعزيز وقف إطلاق النار في سوريا، عمد، في هذه المرحلة، إلى تعميق الهوة مع الأسد. وأضاف المصدر ذاته أنه من المحتمل أن يتم تعليق إستراتيجية تأمين المناطق، في ظل تصاعد التوتر السياسي مع الولايات المتحدة.
قبل سنتين تقريباً، أنقذ الرئيس الروسي الأسد من هزيمة نكراء كانت تحيط به، ونجح في تغيير مسار الحرب في سوريا إلى صالحه، وذلك من خلال شن حملة جوية ضد قوات المعارضة. في المقابل، وجد فلاديمير بوتين نفسه، في الوقت الراهن، في مواجهة معضلة كبيرة تحتم عليه، من جهة، الضغط على الأسد حتى يقبل بصفقة رمزية لتقاسم السلطة وإنهاء الصراع في سوريا، وإضفاء الشرعية على التمركز العسكري الروسي فيها، من جهة أخرى.
الجيش السوري يعمل جاهدا على الإطاحة بتنظيم الدولة في الفترة الراهنة. وبالتالي، لن يستطيع السيطرة على إدلب، حتى وإن أراد ذلك
في ظل إحكام الأسد لقبضته على السلطة، أصبح الرئيس الروسي أكثر ترددا فيما يتعلق بالتنازلات التي سيقدمها لصالح المعارضة. وتندرج هذه الخطوات ضمن محادثات السلام التي تقودها الأمم المتحدة والتي ستستأنف في جنيف، الشهر المقبل.
علاقات متوترة
في هذه المرحلة، يشوب التوتر التام العلاقة بين روسيا والأسد ووفقاً للمدير العام لمجلس الشؤون الخارجية الروسي، أندريه كورتونوف، يعزى هذا الأمر إلى توجيه الكرملين أصابع الاتهام للأسد بحجة تعمده إعاقة المفاوضات في جنيف منذ فترة طويلة. وأضاف كورتونوف أن “روسيا ليست مستعدة للسماح للأسد بشن حرب حتى النصر”.
من جانبه، يعمل الأسد، في الوقت الراهن، على دفع قواته نحو مدينة دير الزور، التي كانت ترزح تحت سطوة تنظيم الدولة منذ سنة 2015. وبفضل موقعها الإستراتيجي، ستتيح هذه المدينة للأسد فرصة السيطرة على الحدود المتاخمة للعراق، فضلاً عن الأراضي الغنية بالنفط والمحاصيل الزراعية فيها. وفي حال نجح هذا الهجوم، سيتمكن الجيش السوري من التحرر وتحويل جل تركيزه نحو محافظة إدلب في الشمال الغربي. والجدير بالذكر أن النجاح في هذا المخطط وتنفيذه لن يكون ممكنا دون المساعدة الجوية الروسية.
وفي هذا الصدد، أفاد فراس أبي علي، كبير المحللين في الشرق الأوسط، لدى مجموعة “أتش أس كانتري ريسك”، من خلال اتصال هاتفي، أن “الروس يرغبون في أن يظهروا للعالم أنهم يحكمون سيطرتهم على وكيلهم، في حين أن الأسد لن يتنازل إلا في حال تعرضت قواته للقصف. ولا أظن أن ذلك سيحدث طالما أنه بصدد حيازة العديد من الأراضي لصالحه”.
من جهته، صرح رامي عبد الرحمن، رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان التابع للمملكة المتحدة، أن “الجيش السوري يعمل جاهدا على الإطاحة بتنظيم الدولة في الفترة الراهنة. وبالتالي، لن يستطيع السيطرة على إدلب، حتى وإن أراد ذلك”.
السيطرة على إدلب
وفقاً لما أفاد به فراس أبي علي، سيتيح التقدم الذي حققه تنظيم القاعدة في محافظة إدلب، فضلاً عن الجهود المبذولة على جبهات أخرى من قبل القوات المدعومة من طرف الولايات المتحدة والقوات الحكومية السورية لأجل الإطاحة بتنظيم الدولة، الفرصة للأسد لمحاصرة المدينة بحجة القضاء على الإرهابيين وطردهم من المدينة. وفي السياق ذاته، أضاف أبي علي أن “الإستراتيجية الروسية تقتضي منع الأسد من السيطرة على محافظة إدلب، وهذا يختلف تماماً مع إستراتيجية الأسد، التي تتطلب انتظار اللحظة الملائمة حتى تخضع المدينة للسيطرة الكاملة من قبل الجماعات الجهادية”.
إدارة ترامب تسعى إلى تعزيز جهودها فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، وذلك من أجل تهيئة المناخ الملائم للعملية السياسية في جنيف
في الواقع، تعتبر محافظة إدلب بمثابة الأمل الأخير بالنسبة لفصائل المعارضة، خاصة إثر نجاح الحملة العسكرية التي قادتها كل من روسيا وإيران والتي ساهمت في إعادة السيطرة على محافظة حلب. وفي هذا الصدد، قالت إيلينا سوبونينا، خبيرة في شؤون الشرق الأوسط في المعهد الروسي للدراسات الإستراتيجية، إن “محاولة السيطرة على إدلب لن تنجح في حال لم يحظى بالدعم الجوي الروسي. عموماً، كانت القيادة السورية تعتقد أن روسيا ستمنحها الدعم الكافي للسيطرة على محافظة إدلب، تماما مثلما حدث في حلب. ولكن موسكو رفضت القيام بذلك نظرا لأنها ترى أن الأولوية لا يجب أن تكون لهذه المحافظة”.
برنامج وكالة المخابرات المركزية
في 24 من تموز/يوليو المنصرم، أعلن الرئيس الأمريكي عن انتهاء برنامج وكالة المخابرات المركزية التي أمّنت ما أسماه “بالإمدادات الهائلة والخطيرة والمهدرة” لفائدة المعارضة السورية. وخلال أول اجتماع لهما في قمة مجموعة العشرين، الشهر الماضي، تمكن بوتين وترامب من التوصل إلى اتفاق فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، قرب الحدود الإسرائيلية مع الأردن.
في واقع الأمر، لاقت سياسة التعاون مع روسيا، التي أقرها ترامب، معارضة من قبل المشرعين في الحزب الجمهوري والديمقراطي، الذين أصدروا خلال الأسبوع الماضي تشريعا يهدف إلى تعزيز العقوبات ضد روسيا ومنح الكونغرس سلطة منع ترامب من رفعها.
روسيا صادقة في مساعيها بخصوص منع أي تصعيد مفاجئ للقتال، خاصة وأن ذلك قد يؤدي إلى إجهاض المساعي الرامية لإنشاء مناطق خفض التصعيد.
من جانبه، أفاد البيت الأبيض أن الرئيس ترامب سيبادر بتوقيع مشروع هذا القانون، متفادياً بذلك إمكانية تجاوز قراره في حال قام بنقضه. وكرد فعل على هذا القرار، أمرت روسيا، واشنطن بخفض حوالي 755 موظف يعملون ضمن بعثتها الدبلوماسية، مستهلة بذلك “لعبة التدابير المضادة”. خلافا لذلك، أشاد بوتين، يوم الأحد الماضي، في مقابلة له مع التلفزيون الوطني، بالاتفاق الذي أبرمه مع ترامب فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في سوريا، مؤكداً أن القوتين “تعملان معا على تحقيق نتائج إيجابية، حتى في خضم هذا التوتر الذي يسود العلاقات بين الطرفين”.
من جانبه، أفاد وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، يوم الثلاثاء، أن إدارة ترامب تسعى إلى تعزيز جهودها فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، وذلك من أجل تهيئة المناخ الملائم للعملية السياسية في جنيف. بالإضافة إلى ذلك، صرح ثلاثة دبلوماسيين غربيين في موسكو، أبوا الكشف عن أسمائهم، أن روسيا صادقة في مساعيها بخصوص منع أي تصعيد مفاجئ للقتال، خاصة وأن ذلك قد يؤدي إلى إجهاض المساعي الرامية لإنشاء مناطق خفض التصعيد.
في المقابل، أعرب مسؤول أمريكي عن شكوكه بشأن قدرة بوتين على كبح الأسد. وفي الأثناء، تؤمن روسيا أنها تتمتع بالقدرة الكافية للتأثير على النظام الروسي، وبالتالي، عمدت إلى حث الرئيس السوري على التريث، وذلك وفقا لما ذكره فرانتس كلينتسيفيتش، نائب رئيس لجنة الدفاع في مجلس الاتحاد الروسي لشؤون الدفاع والأمن.
المصدر: بلومبرغ