في الوقت الذي تبحث فيه الأطراف الليبية عن رابط ولو دقيق بينها لتحقيق السلام في البلاد وإنهاء الأزمة المستمرة هناك منذ أكثر من 6 سنوات وتكاد تعصف بما تبقى من ليبيا، أثارت موافقة البرلمان الإيطالي على خطة لإرسال قطع بحرية إلى ليبيا، في إطار المحاولات للحد من عبور المهاجرين البحر المتوسط باتجاه أوروبا، جدلًا كبيرًا في هذا البلد العربي، مما ينذر بأيام سوداء هناك.
بداية وصول القطع البحرية لسواحل ليبيا
بعد الاتفاق بين الجانبين الليبي والإيطالي على تفاصيل العملية، وافق البرلمان الايطالي أمس الأربعاء بأغلبية 328 صوتًا في مجلس النواب و191 عضوًا في مجلس الشيوخ، لبحرية بلده بالقيام بمهمة في المياه الإقليمية الليبية لتوفير الدعم الفني لخفر السواحل الليبيين في مكافحة مهربي المهاجرين، وتقليل تدفقهم من الساحل الليبي إلى السواحل الإيطالية.
وفي تصريح لها أمام لجان الدفاع والخارجية بمجلسي النواب والشيوخ في روما، أول أمس الثلاثاء قبل التصويت على المهمة، قالت وزيرة الدفاع الإيطالي روبرتا بينوتي: “المهمة تكمن في إرسال سفينة لوجيستية للقيام بعمليات صيانة على المعدات البحرية الليبية في بداية الأمر، ومن ثم الانتقال إلى عمليات دورية”، لتضيف “وفي حالة التعدي على الجنود الإيطاليين يمكنهم الرد ولكن بشكل محدود”.
تأمل إيطاليا أن يتمكن خفر السواحل الليبي من المساعدة في منع قوارب المهاجرين المتهالكة من الإبحار
وأكدت الوزيرة أن إيطاليا لا تسعى من وراء هذه المهمة لخلق حصار بحري على ليبيا، لأنه يعتبر عملًا عدائيًا، وإنما سيحدد مجال العمل بالاشتراك مع السلطات الليبية، وسبق لرئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني الكشف عن هذه الخطة الأسبوع الفائت إثر لقاء في روما جمعه مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، وتأتي موافقة البرلمان الإيطالي بعد إصدار روما لمدونة سلوك من 13 نقطة تهدف إلى منع مراكب المنظمات غير الحكومية الموجودة في مياه المتوسط قبالة سواحل ليبيا، والتي بلغ عددها 12 مركبًا في 2015، من الاقتراب من المياه الإقليمية الليبية، والتواصل مع المهربين، وتشديد ضبط أنشطة إغاثة المهاجرين بحرًا.
تواصل تدفق المهاجرين نحو إيطاليا من السواحل الليبية
وأمس أعلن الناطق باسم البحرية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني وصول السفينة الإيطالية “كوماندانتي بروزيني” التابعة للقوات البحرية الإيطالية الأربعاء، وكان على متن الباخرة الإيطالية مجموعة من الخبراء، وهي في طريقها إلى قاعدة طرابلس البحرية لمساعدة البحرية الليبية وخفر السواحل في مكافحة الهجرة غير القانونية داخل المياه الإقليمية الليبية قبالة ساحل طرابلس.
وتأمل إيطاليا أن يتمكن خفر السواحل الليبي من المساعدة في منع قوارب المهاجرين المتهالكة من الإبحار، كما تقود الجهود الرامية لزيادة فعالية هذه القوة الصغيرة من خلال تدريب أفرادها وتحديث أسطولها، وتضغط إيطاليا على منظمات غير حكومية حتى تلعب دورًا في انتشال المهاجرين قبالة الساحل الليبي ونقلهم إلى إيطاليا.
ومنذ بداية العام عبر أكثر من 94 ألف مهاجر البحر المتوسط إلى إيطاليا، بحسب الأمم المتحدة، ومات 2370 بينما كانوا يحاولون الوصول إليها، فيما عبر البحر إلى أوروبا ما يقرب من 163 ألف من المهاجرين واللاجئين في رحلة مباشرة من ليبيا عام 2016، وفقًا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، (تمت إعادة نحو 15 ألف منهم بموجب اتفاقات ثنائية مع دول شمال إفريقيا) مقارنة بأكثر من 138 ألف شخص في عام 2015، فيما دخل أكثر من نصف مليون شخص إلى إيطاليا قادمين من شمال إفريقيا منذ عام 2014، ويقدر الاتحاد وجود ما بين 300 و350 ألف طالب لجوء ينتظرون في ليبيا حاليًا فرصتهم لركوب البحر إلى أوروبا عند تحسن الطقس.
طلب من السراج
هذه العملية البحرية الإيطالية تقول روما إنها تأتي بناءً على طلب من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج، أرسله السراج نهاية الشهر الماضي، ووفقًا لنص المشروع فإن المهمة تقتضي إرسال باخرتين إلى ليبيا لأجل مساعدة السلطات الليبية في معركتها ضد الهجرة السرية.
وفي رده على الادعاءات القائلة بأن هذه العملية تمثل تهديدًا لليبيا، أوضح السراج أن هذا الدعم البحري الإيطالي لا يعتبر تهديدًا للسيادة الوطنية الليبية بل تعاونًا ثنائيًا لاستكمال برنامج دعم خفر السواحل الليبية بالتدريب وتجهيزها بقدرات تسليحية ومعدات تمكنها من إنقاذ حياة المهاجرين ومواجهة المنظمات الإجرامية التي تقف وراء الهجرة غير الشرعية وعمليات التهريب.
من المنتظر أن تعاضد هذه السفن مجهودات عملية صوفيا البحرية التي يسهر عليها الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2016
وحسب متحدث من البحرية الإيطالية فإن الباخرتين، الأولى مختصة في حراسة السواحل والثانية توفر الدعم التقني واللوجيستي، قد تبدأن المهمة انطلاقًا من الأسبوع القادم، وفي فبراير الماضي أصدر قادة دول الاتحاد الأوروبي، خلال قمة جمعتهم في العاصمة المالطية فاليتا، وثيقة أطلقوا عليها “إعلان مالطا”، والتي ركزت على أساسيات العمل الأوروبي لمحاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ببرنامج من 10 نقاط للحد من تدفق اللاجئين من شمال إفريقيا عبر البحر المتوسط والتصدي لشبكات التهريب.
وفي وقت سابق أعلنت المفوضية الأوروبية أنها أعدت خطة عمل جديدة تهدف إلى وقف الهجرة غير القانونية عبر البحر المتوسط ومساعدة إيطاليا وتحمل الدول الأعضاء مسؤولياتها تجاه مسألة تقاسم أعباء اللاجئين الموجودين داخل حدود الاتحاد، وتضمنت الخطة مجموعة إجراءات تهدف إلى مساعدة إيطاليا لتحمل أعباء تضاعف أعداد المهاجرين القادمين إليها عبر ليبيا، ويجوز من الناحية القانونية إعادة المهاجرين الذين يتم العثور عليهم في المياه الإقليمية الليبية – وليس المياه الدولية – إلى ليبيا.
رئيس وزراء إيطاليا في لقاء مع السراج
ومن المنتظر أن تعاضد هذه السفن مجهودات عملية صوفيا البحرية التي يسهر عليها الاتحاد الأوروبي في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2016، والتي تهدف إلى عرقلة الأنشطة الربحية للمتاجرين بالبشر والمهربين الناشطين في المنطقة الجنوبية لوسط البحر المتوسط، وتمكنت العملية من مكافحة الهجرة غير النظامية بالمنطقة المتوسطية وإيقاف 101 متهم بالتهريب والإتجار وتسليمهم إلى السلطات الإيطالية، علاوة على تعطيل وسحب 380 مركبًا تستخدمها العصابات الإجرامية، كما مكنت العملية من إنقاذ حياة 32081 مهاجرًا بينهم 1888 طفلًا، بحسب أرقام صادرة عن الاتحاد الأوروبي.
حفتر يهدد
في مقابل ذلك أعرب البرلمان الليبي المنعقد في طبرق معارضته هذه العملية، وحذر البرلمان من أن مثل هذه الخطوة سوف تصدر أزمة الهجرة غير الشرعية إلى ليبيا عن طريق إرسال المهاجرين الذين يتم وقفهم في البحر إليها مجددًا، مؤكدًا أن وجود سفن تابعة للبحرية الإيطالية في المياه الليبية من شأنه أن يشكل انتهاكًا لسيادة ليبيا”.
يأتي هذا الخلاف بين حفتر وسراج بعد أيام قليلة من توصلهم لاتفاق مبدئي في باريس تضمن 10 نقاط
وقال الناطق باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، في بيان إن المجلس يجدد رفضه لأي اتفاق من هذا النوع، وأي مقترح تقدمه حكومة الوفاق، التي لم يمنحها المجلس الثقة، يسمح بانتهاك السيادة الليبية، وطالب الأمم المتحدة باتخاذ موقف ضد الخطوة الإيطالية، ودعا إيطاليا للالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية بشأن احترام سيادة الدول، بالتزامن مع ذلك أصدر اللواء المتقاعد خليفة حفتر تعليمات إلى رئيسي أركان القوات الجوية والبحرية بالتصدي لأي قطعة بحرية تدخل المياه الإقليمية الليبية، على أن تستثني التعليمات السفن التجارية المصرح لها بالدخول.
لقاء باريس بين السراج وحفتر
وقال مدير مكتب الإعلام بالقيادة العامة للقوات المسلحة الليبية خليفة العبيدي، الأربعاء: “أصدر القائد العام للقوات المسلحة، المشير خليفة حفتر، أوامره للقواعد البحرية الليبية في طبرق وبنغازي ورأس لانوف وطرابلس بالتصدي لأي قطعة بحرية تدخل المياه الإقليمية دون إذن من الجيش”، ويأتي هذا الخلاف بين حفتر وسراج بعد أيام قليلة من توصلهم لاتفاق مبدئي في باريس تضمن 10 نقاط ويتركز على بدء عملية سياسية في ليبيا، يسبقها وقف لإطلاق النار وإجراء انتخابات في ربيع 2018.