أثارت خسارة المعارضة السورية، المحتملة، لإدارة ملف الحج لصالح النظام السوري جدلًا واسعًا في الأوساط الشعبية المعارضة، والتي اعتبرت قرار المملكة العربية السعودية خطوة كارثية في مسار التطبيع مع النظام، وأن القرار أشبه بعقاب جماعي لملايين السوريين في (المناطق المحررة) شمال سوريا وفي دول اللجوء، وهو في الوقت ذاته خدمة للنظام، فمن خلاله سيحقق مكاسب مالية ضخمة، ناهيك بالمكاسب السياسية على الصعيد الخارجي، والترويج لتعافيه بين أنصاره وفي الأوساط المحلية بمناطق سيطرته.
كما حمّل ناشطون مؤسسات المعارضة مسؤولية خسارة “لجنة الحج العليا السورية” لإدارة الملف، مع أنها من أنجح اللجان التي انبثقت عن مؤسسات المعارضة، وذلك بسبب الانقسامات والأداء السياسي الهزيل عمومًا، وتوقع ناشطون أن تتوالى خسارات المعارضة إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن.
الحج في قبضة النظام
أعلن النظام السوري، الأربعاء 10 يناير/كانون الثاني، استعادة إدارة ملف الحج والعمرة، بعد مرور أكثر من 10 سنوات على تنظيمه من لجنة الحج العليا التابعة للمعارضة السورية، وقال وزير الأوقاف في حكومة النظام السوري عبد الستار السيد: “موسم الحج لهذا العام والعمرة سيكونان بإشراف وزارة الأوقاف”.
ونقلت وسائل الإعلام التابعة للنظام عن السيد، قوله، إنّه التقى وزير الحج والعمرة السعودي توفيق بن فوزان الربيعة في مدينة جدة، بحضور معاون وزير الأوقاف لشؤون الحج حسان نصر الله، وسفير النظام في السعودية، أيمن سوسان، وتابع “تم الاتفاق على أن يكون الحج والعمرة لهذا العام من دمشق وبإشراف وزارة الأوقاف، على أن تبحث اللجان التحضيرية المشتركة بين الوزارتين التفاصيل والإجراءات اللوجستية اللازمة لخدمة الحجاج والمعتمرين السوريين وتقديم التسهيلات اللازمة لهم”.
وفي وقت سابق قالت لجنة الحج العليا السورية في بيان إنها ما زالت تتابع الاتصالات مع الجهات ذات الاختصاص في المملكة العربية السعودية، من أجل خدمة وتيسير الحجاج والمعتمرين في العام الجديد 2024، وتضمن البيان رسالة شكر وعرفان للمملكة العربية السعودية.
وقالت مصادر متطابقة من داخل اللجنة لموقع “نون بوست” إن مدير اللجنة، سامر بيرقدار، بذل خلال الأشهر القليلة الماضية الكثير من الجهود، وأجرى العديد من الزيارات إلى السعودية لإقناعهم بعدم نقل الملف من يد المعارضة إلى يد النظام، ومنع تسييس الملف الذي سينعكس سلبًا على ملايين السوريين، وسيستفيد منه النظام في تعويم نفسه.
لكن وعلى ما يبدو أن الجهود لم تنجح، وقد بدأ الحديث بالفعل عن إمكانية سحب ملف الحج والعمرة من يد المعارضة وإعادته إلى النظام منذ الربع الثاني من العام 2023، أي بعد بداية خطوات التطبيع التي بدأتها السعودية مع النظام في شهر أبريل/نيسان من العام ذاته.
متى تأسست اللجنة؟
في عام 2013، سلمت السعودية ملف الحج والعمرة إلى لجنة الحج العليا في الائتلاف السوري وذلك في إطار سلسلة إجراءات اتخذتها المملكة ضد النظام السوري، من ضمنها قطع العلاقات وسحب سفيرها وطرد سفير النظام من أراضيها، ويورد الائتلاف في موقعه الرسمي تعريفًا باللجنة: “هي لجنة منبثقة عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وقد نالت شرف خدمة حجاج بيت الله الحرام منذ عام 1434هـ بموجب الاتفاقية الموقعة مع وزارة الحج في المملكة العربية السعودية”.
يتابع “لجنة الحج العليا السورية معنية بمهام تيسير إجراءات الحج وإعداد الترتيبات اللازمة لخدمة ورعاية حجاج بيت الله الحرام من رعايا الجمهورية العربية السورية الذين سيؤدون فريضة الحج، وتشمل هذه المهام عمليات التسجيل وتقديم الطلبات من أمناء الأفواج والمرشدين والمساعدين، وإصدار التأشيرات اللازمة والنظامية عبر سفارات المملكة العربية السعودية، وفتح مكاتب لها في لبنان وتركيا ومصر والأردن والأراضي السورية المحررة، ومتابعة عمليات النقل والإسكان بمكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، وأمور الطوافة المختلفة”.
تطور عملة اللجنة بشكل لافت خلال الأعوام الأخيرة، إذ عملت على إنجاز برنامج إلكتروني لملفي التقييم والشكاوي، ودربت كوادر المجموعات من خلال التعاقد مع شركات تدريبية، وتنفيذ المرحلة الثانية منه مشروع الهدي، والمرحلة الثالثة من مشروع نظام تتبع الحافلات عبر GPS، وبدء تطوير برنامج تسجيل الحجاج الإلكتروني، وإحداث تغيير جذري في آلية اختيار المقبولين للحج السوري من خلال اعتماد نظام القرعة إضافة لنظام المواليد الأكبر سنًا.
حرمان ملايين السوريين من الحج
قال مسؤول فوج طيبة للحج والعمرة، أحمد الطويل، إنّ “استعادة النظام إدارة ملف الحج والعمرة يعني بالضرورة حرمان ملايين السوريين من الذهاب إلى الحج هذا العام وفي الأعوام التالية، باعتبار أن الأعداد الكبرى من السوريين يعيشون خارج مناطق سيطرته (شمال سوريا)، وآخرين يقيمون في دول اللجوء، وفي دول لا تقيم أي علاقات دبلوماسية مع النظام، وغالبًا سيصعب عليهم الحصول على التأشيرات اللازمة للحج، بينما سيحصل المجنسون، الذين منحهم النظام الجنسيات السورية خلال السنوات الماضية مقابل القتال إلى جانبه، من أفغان وإيرانيين وغيرهم من عناصر المليشيات المقربة من النظام وإيران، على فرصة الحج، على أنهم سوريون، وهذا عدا عن كونه حرمانًا للسوريين المعارضين، أبناء الثورة، من فرصة الحج، سيشكل خطرًا على السعودية وعلى أمنها”.
ويشير الطويل إلى أن “النظام سيستخدم هذا الملف كورقة سياسية للضغط على معارضيه ووسيلة لابتزاز من يقيمون خارج مناطق سيطرته، وهي سياسة معهودة من النظام الذي لا يوفر فرصة للابتزاز، وجمع الأموال وسلب الناس”.
وأضاف الطويل “منذ تأسيسها، كانت لجنة الحج العليا من أنجح مؤسسات المعارضة السورية، أدارت الملف بشكل منظم ونزيه وشفاف، اللجنة التي انبثقت عن ثورة الحرية والكرامة قدمت خدماتها للسوريين، كل السوريين، بغض النظر عن ميلهم السياسي، وكانت ناجحة بكل جدارة، وإنني على يقين بأن النظام إذا استلم ملف الحج فسيصبح أضحوكة وسخرية أمام حجاج العالم الإسلامي كله، وسيحرم قسمًا كبيرًا من السوريين من تحقيق حلمهم، زيارة بيت الله الحرام، وسيسخر إدارة الملف لتحقيق مكاسب سياسية، ولن يأبه برعاية الحجاج السوريين ومنحهم خدمات أفضل”.
من جانبه، قال المسؤول في فوج “سُرّ من رأى” للحج والعمرة، خالد الأحمد، لموقع “نون بوست”: “السنوات العشرة التي نظمت فيها لجنة الحج العليا السورية زيارات السوريين إلى الأرض المقدسة لأداء الفريضة، كانت فترة ذهبية بالنسبة لنوع الخدمات المقدمة وجودتها، كانت الأفواج تطور عملها عامًا بعد عام، وتحسن من أدائها لخدمة الحجيج السوريين، لن يصل النظام السوري إلى ما وصلنا إليه في هذا المجال، وتسلم النظام هذا الملف خسارة كبيرة، وسيكون أثره سلبيًا على الحجيج السوريين على وجه الخصوص، وستحرم أعداد كبيرة حتمًا من أداء الفريضة”.
وصلت أعداد الأفواج التي نظمت رحلات الحجاج السوريين تحت إشراف اللجنة العليا في العام 2023، إلى 180 فوجًا، وزاد عدد موظفي اللجنة على 700 موظف، ورغم تسلم النظام الملف رسميًا، فإن مسؤولين في لجنة الحج العليا السورية يتوقعون أن تطرح مسألة إدارة الملف مناصفة، بين النظام والمعارضة، أو على الأقل أن تتولى لجنة الحج التابعة للمعارضة تسيير رحلات الحجيج من مناطق المعارضة وبلاد اللجوء، وأن يتم تخصيصها رسميًا من المملكة بعدد سنوي من الحجاج الذين يمكن إرسالهم بإشرافها، لكن يبقى السؤال، هل يقبل النظام بتقاسم إدارة الملف مع المعارضة، فقد سبق أن رفض القسمة في الفترة ما بعد العام 2013، بعد أن طرح الأمر في قنوات غير رسمية، وذلك بحسب مسؤول (لم يكشف عن هويته) في اللجنة.
هل تتحمل المعارضة مسؤولية خسارة الملف؟
سحبت المملكة العربية السعودية سفيرها في دمشق وأغلقت سفاراتها هناك في 2012، كما طردت السفير السوري لديها، بسبب القمع والقتل الذي مارسه النظام السوري ضد المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية وإسقاطه، وفي نهاية العام 2023، أعلنت سفارة النظام السوري في السعودية استئناف أعمالها القنصلية بعد قطيعة دبلوماسية دامت أكثر من 11 عامًا بين البلدين، وكذلك بعد يوم واحد من تعيين بشار الأسد سفيرًا لدى المملكة، وبالتالي فسر فريق من المعارضة عملية نقل الملف من المعارضة وتسليمه للنظام على أنه خطوة من خطوات التطبيع التي انتهجتها السياسة السعودية مؤخرًا تجاه النظام السوري، ولا علاقة بأداء المعارضة بخسارة الملف.
ويقول الناشط الإعلامي ممتاز أبو محمد لـ”نون بوست”: “تطبيع المملكة العربية السعودية اكتمل تقريبًا، وكان متوقعًا أن يسحب ملف إدارة الحج من المعارضة ويسلم للنظام”.
فريق آخر حمل مؤسسات المعارضة المسؤولية واعتبر أن فشلها سياسيًا وعسكريًا كان سببًا مباشرًا في خسارة هذا الملف، وربما سيكون سببًا في خسارة الكثير من التجارب الريادية خارج سلطة الأسد.
ويرى الباحث بسام عدنان، أنه “رغم كون لجنة الحج من أنجح اللجان خلال الثورة، فإنها ضحية فقدان الدول الداعمة للثورة، ثقتها بكيانات المعارضة، ككيانات مؤسسية، ليس فقط الدول، أنت إذا عملت إحصاء في مناطق المعارضة، الناس ستقول لا جدوى من مؤسسات هزيلة وفاسدة، المشكلة في المعارضة، عندما تعطيك جهات دولية فرصة إدارة ملفات سيادية لفترة طويلة وتفشل، فهذه مشكلة، ولا تحقق تقدمًا، لجنة الحج جزء من التحرك السياسي، هذا التحرك السياسي فشل، أسوأ شكل من أشكال الدولة أفضل من أفضل شكل من أشكال المليشيات”.
يتابع عدنان في حديثه لـ”نون بوست” “مؤسسات المعارضة بلغت مستويات مؤسسات النظام نفسه بالفساد، فشل المعارضة سياسيًا وعسكريًا سينعكس سلبًا على تجارب الكيانات المعارضة الناجحة، لجنة الحج اليوم، وستكون هناك خسارة أخرى ربما غدًا”.
لكن، ما مكاسب النظام من الخطوة؟
يرى الناشط السياسي حميد بعاج في مداخلة مع “نون بوست”، أن “استلام النظام السوري إدارة ملف الحج والعمرة في هذا التوقيت مهم جدًا له، فعلى الصعيد السياسي هو إشارة جديدة سيوظفها النظام لخدمة دعايته بأنه يتعافى، وهو قادر على استعادة هيبته ومؤسساته، وأن الدول تسعى للتطبيع معه، وأنه عاد بقوة إلى المحافل الدولية، واستعاد الملف الذي جهد كثيرًا لاستعادته”.
وقال: “محليًا، ربما يرسل النظام من خلال ملف الحج رسالة بأنه باق، ولا سبيل إلى إسقاطه، وأن المعارضة قد فشلت، أما ماليًا، فغالبًا سيحقق ملف الحج عائدات مالية لا بأس بها، لكنها بكل تأكيد لا يمكن مقارنتها بالعائدات المالية التي يجنيها من تهريب المخدرات إلى السعودية ودول الخليج”.