يبدو أن ساعات بقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس على كرسي الرئاسة وزعامة حركة فتح ومنظمة التحرير باتت معدودة، وقد يشهد العام 2017 انسحابه الكامل من العمل السياسي نتيجة تردي وضعه الصحي وإخفاء الأطباء حقيقة مرضه.
دخول الرئيس عباس للمستشفى بصورة مفاجئة قبل أيام آثار اهتمامًا واسعًا لدى أطراف محلية وإقليمية ودولية عدة، كما أقلق الفلسطينيين بسبب ضعف النظام السياسي الفلسطيني وتفككه نتيجة الانقسام الوطني وتوقف عمل المجلس التشريعي والانتخابات منذ أكثر من 10 سنوات.
لكن الرئيس عباس بعد خروجه من المشفى سلك طريقًا آخر وخالف كل التوقعات وبعد كثيرًا عن طريق التهديد الذي كان يسلكه منذ شهور ضد حركة حماس، وعقد لقاءً مع قيادة حركة حماس بالضفة استمر لساعة واحدة، وبحث خلاله ملفات فلسطينية مهمة أبزرها المصالحة الداخلية.
اللقاء الأول من نوعه منذ سنوات عقد في مقر الرئاسة بمدينة رام الله بالضفة، بحضور الرئيس عباس ووفد حركة حماس برئاسة نائب رئيس الحكومة العاشرة ووزير التربية والتعليم سابقًا ناصر الدين الشاعر.
الرئيس الفلسطيني يريد إنهاء حياته السياسية بإنجاز فلسطيني طال انتظاره وهو إنهاء حقبة قاسية من الانقسام المستمر منذ عام 2007
وضم الوفد الحمساوي، إضافة للشاعر سمير أبو عيشة وزير التخطيط سابقًا، محمود الرمحي عضو البرلمان الفلسطيني عن حماس وأيمن دراغمة عضو التشريعي عن حماس ومحمد طوطح عضو التشريعي من القدس والمبعد للضفة الغربية وهو نائب عن حماس أيضًا.
مغادرة الحياة السياسية
مصادر فلسطينية كشفت عن حراك فتحاوي كبير يقوده الرئيس عباس نحو اتخاذ خطوات أحادية من جانبه لتسريع إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي والتحالف مع حركة حماس، في ظل ما أكدته المصادر أن الرئيس عباس سيترك منصبه في غضون أشهر قليلة.
الرئيس الفلسطيني يريد إنهاء حياته السياسية بإنجاز فلسطيني طال انتظاره وهو إنهاء حقبة قاسية من الانقسام المستمر منذ عام 2007، في أعقاب الضغط القوي الذي قاده لتحقيق انتصار مقدسي برفض كل الضغوطات وأنصاف الحلول تلبية لمطالب المقدسيين بفتح أبواب المسجد الأقصى المبارك.
وأكد مقربون من الرئيس عباس أن الأخير يرغب ترك منصبه في أعقاب الوعكة الصحية الأخيرة والتي لا تزال نتائج فحوصاتها طي الكتمان بين الدائرة المصغرة للرئيس أبو مازن وترفض الإفصاح عن التقرير الطبي للفحوصات.
وفي ذات السياق يريد الرئيس تحقيق المصالحة الفلسطينية قبل مغادرته المنصب، خشية حدوث صدام جديد بين حركتي فتح وحماس بشأن خليفته، والذي سيكون استلامه لمنصب الرئاسة مرحلة انتقالية توافقية بين الفصائل تحضيرًا لانتخابات عامة، كما ذكرت المصادر.
عرض جديد للمصالحة
ويقترح آخر عرض سياسي قدمه الرئيس عباس لحركة حماس في قطاع غزة خطة سريعة ومتكاملة لإنجاز المصالحة، ويتضمن إعلان حركة حماس من جانبها حل اللجنة الإدارية في القطاع وإعلان إنهاء الترتيبات التي جرت مع تيار عضو المجلس التشريعي محمد دحلان فورًا.
بالمقابل يعرض الرئيس عباس المبادرة بخطوتين من جهته هما وقف وتجميد كل إجراءات الرئاسة العقابية بما فيها التراجع عن قطع الكهرباء والسماح بدخول مادة الديزل وسحب قرار البنك المركزي الفلسطيني بمنع تحويل الدولار أو العملة الأجنبية لفروع البنوك العاملة في القطاع.
تصر فتح على إلغاء اللجنة الإدارية في غزة، بالمقابل تصر حماس على تراجع عباس عن الإجراءات العقابية كافة ضد غزة
خطة الرئيس عباس تعتبر خطوتان من كل جانب هما الأساس قبل الانتقال للمرحلة التالية وهي العودة وفورًا لطاولة المصالحة ثم حل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات والمبادرة لتشكيل حكومة وحدة وطنية بالشراكة مع حماس.
والجواب الذي حصل عليه الرئيس عباس حسب المصادر هو الموافقة من حيث المبدأ شريطة أن يعلن وقف كل الإجراءات العقابية أولًا وقبل التفاوض على بقية التفاصيل وشريطة ألا تعلن حماس إسقاط كل ترتيباتها مع أي طرف.
الدكتور ناصر الشاعر النائب في المجلس التشريعي كشف تفاصيل اللقاء الذي جمعه مع الرئيس محمود عباس، مؤكدًا أن الزيارة كانت بهدف الاطمئنان على صحة الرئيس ولكن تم خلالها مناقشة العديد من القضايا الوطنية المهمة.
وقال الشاعر: “الفترة الماضية كانت تشهد مناكفات بين فتح وحماس، حيث تصر فتح على إلغاء اللجنة الإدارية في غزة، بالمقابل تصر حماس على تراجع عباس عن الإجراءات العقابية ضد غزة كافة”، مضيفاً: “الرئيس عباس وافق على تطبيق شروط المصالحة رزمة واحدة، حيث كان لا يهمنا خلال اللقاء من يبدأ أولًا، إنما المهم أن يتم الاتفاق على القضايا من خلال الانتخابات أو تشكيل الحكومة وحل اللجنة الإدارية وإنهاء الإجراءات العقابية بحق غزة.
وقال الشاعر إنه تم الاتفاق أن تستمر الاتصالات ويمكن دخول أطراف أخرى، وقد تستمر حتى الخميس للخروج بمبادرة ووثيقة وطنية شاملة، يوقع عليها جميع الأطراف على أن تشمل القضايا الخمسة الرئيسية الفلسطينية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالب عباس بوقف دفع رواتب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وهي خطوة لا يستطيع أي رئيس فلسطيني القيام بها حاليًا
ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية منذ منتصف يونيو/حزيران 2007، إذ لم تفلح جهود المصالحة والوساطات العربية في رأب الصدع بين الحركتين وإنهاء الانقسام الحاصل.
ورغم تشكيل حكومة التوافق الوطني في 2 من يونيو/حزيران 2014، فإن حركة حماس لا تزال تدير قطاع غزة حتى الآن، حيث لم تتسلم الحكومة مسؤولياتها فيه نظرًا للخلافات السياسية بين حركتي فتح وحماس.
لماذا مرض الرئيس؟
وفي ذات السياق، قالت صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية إن الرئيس محمود عباس قد يقدم استقالته أو يغيب عن المشهد السياسي بسبب وضعه الصحي.
وأوضحت الصحيفة في مقال للجنرال موشيه إلعاد أن الرئيس عباس يتعرض لضغوط قوية قد تؤدى لاستقالته من منصبه أو وفاته بشكل مفاجئ، مبينة أن إرهاق عباس ينبع من ضغط نفسي كبير تعرض له في الأشهر الأخيرة ومن الصعب تحمله.
وأضافت أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالب عباس بوقف دفع رواتب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وهي خطوة لا يستطيع أي رئيس فلسطيني القيام بها حاليًا أو مستقبلًا لأنها وصفة سحرية للانتحار السياسي، لافتة إلى أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أدار ظهره لعباس.
وأوضحت “ذروة الضغوط على عباس بأحداث المسجد الأقصى الأخيرة، فأظهرت أنه لا أحد يهتم به، فقد أجرت “إسرائيل” والولايات المتحدة اتصالات مع الأردن ومصر ودول الخليج والأوقاف الإسلامية، وتم استثناء السلطة الفلسطينية ولعل ذلك ما قد يدفع عباس لاتخاذ قراره بالاستقالة”.
وبينت الصحيفة أن إمكانية استقالة عباس أو غيابه عن المشهد السياسي تحتم على واشنطن والعواصم الغربية وتل أبيب الاستعداد لليوم التالي لذلك، لأنه كسلفه ياسر عرفات، لم يعين وريثه.