تصاعدت إجراءات الردع الأردنية لشبكات تهريب المخدرات والأسلحة على الحدود السورية خلال الفترة الماضية، وهو ما بدا واضحًا من خلال الغارات الجوية الأردنية المتكررة على مواقع ومخابئ المهربين في المناطق السورية القريبة من الحدود الأردنية.
وبموازاة ذلك، ظهرت أنباء عن اعتزام الأردن مدّ قوات حرس حدوده الشمالية بالمقاتلات الجوية، في إجراء “مكلف” يشي بما يشبه الحرب، ويأتي استجابة لتعاظم التهديدات التي باتت تشكلها محاولات تهريب المخدرات والأسلحة من سوريا.
جاءت الإجراءات الأردنية بعد تصاعد وتيرة عمليات التهريب، وعقب تسجيل الحدود السورية الأردنية اشتباكات متكررة وصفت بـ”العنيفة” بين شبكات التهريب وقوات حرس الحدود الأردني.
وراهن الأردن منذ رفع مستوى تمثيله الدبلوماسي مع النظام السوري عام 2019، على أن يُسهم تحسين العلاقات في كبح جماح التهريب إلى أراضيه، لكن ما جرى على الأرض هو العكس تمامًا، فقد ازدادت عمليات التهريب وصارت أكثر تنظيمًا مع زيادة وجود الميليشيات التابعة لإيران و”الفرقة الرابعة” على مقربة من الحدود الأردنية، خاصة بعد اتفاق “تسوية الجنوب” بين فصائل المعارضة والنظام السوري الذي أسهم فيه الأردن ورعته روسيا.
وتراوحت الردود الأردنية الرسمية على استمرار عمليات التهريب بين توجيه أصابع الاتهام لإيران، واعتبار النظام غير قادر على ضبط الحدود، لكن في الفترة الأخيرة غيرت عمان من نبرتها، وصارت تتحدث عن عمليات “تهريب منظمة” وامتلاك المهربين لقدرات كبيرة.
وفي وقت سابق، قال وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، إن عمليات التهريب عبر الحدود السورية الأردنية ازدادت عقب الحوار مع دمشق، مشيرًا إلى أن من بين 3 محاولات تهريب مخدرات، تنجح واحدة، مضيفًا “تهريب المخدرات ليس تهديدًا للأردن فحسب، بل تهديد أيضًا لدول الخليج وغيرها من الدول، ولا بد من تعزيز التعاون للتعامل مع هذا التهديد”.
تغيير قواعد الاشتباك
يقول المحلل السياسي الأردني المقرب من دوائر صنع القرار صلاح ملكاوي، إن الجيش الأردني غير قواعد الاشتباك بعد حادثتين، الأولى مقتل الضابط الأردني محمد ياسين موسى الخضيرات خلال اشتباك مسلح مع مهربين في مطلع العام 2022.
وأوضح لـ”نون بوست” أنه قبل مقتل الخضيرات لم يكن معتادًا أن تطلق مجموعات التهريب الرصاص على حرس الحدود الأردني، مضيفًا: “كانت الحادثة سابقة، وتم على إثرها تغيير قواعد الاشتباك”.
أما الحادثة الثانية، بحسب ملكاوي جاءت على خلفية ضبط شحنة صاروخية كانت معدة للتهريب إلى داخل الأردن في منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي، معتبرًا أن “الأردن بدأ يتصدى لحملة شرسة من التهريب، وأمام ذلك كان لا بد من تغيير قواعد الاشتباك، وهذا ما يمكن لمسه من خلال الغارات الجوية وعملية الإنزال الجوي التي جرت قبل أيام”.
وحينها صرح مصدر عسكري مسؤول في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، أنه لأول مرة يتم إحباط تهريب كميات كبيرة من المخدرات والأسلحة الأوتوماتيكية والصاروخية.
وعن الخطوات اللاحقة، يتوقع المحلل الأردني أن يواصل الأردن عمليات القصف الجوي والتصدي، إلى حين الانتهاء والقضاء على كل شبكات التهريب، كاشفًا عن فرار عشرات المهربين إلى مناطق بعيدة عن الحدود السورية الأردنية.
وقال ملكاوي إن المهربين توجهوا إلى العمق السوري ولبنان خشية استهدافهم بالغارات، ويدلل على ذلك بتراجع وتيرة عمليات التهريب خلال الأيام الأخيرة، قائلًا: “في حال لم تجد الإجراءات الأخيرة نفعًا، فالمؤكد أن الجيش الأردني يمتلك أكثر من خطة صارمة لوقف التهريب”.
مهمة صعبة ومكلفة
مع أن “الغضب” الأردني بلغ ذروته من استمرار عمليات التهريب، لا تبدو مهمة عمّان سهلة، خاصة في ظل وجود ما يشبه “الإصرار” على اختراق الأردن بالمخدرات والأسلحة، من جماعات مسلحة تتهمها عمان بموالاة إيران.
ويؤكد الباحث في القضايا الأمنية المقدم عبد الله النجار لـ”نون بوست”، أن مهمة عمان في وقف تهريب المخدرات والأسلحة تحتاج إلى وقت طويل، فـ”ملف تهريب المخدرات معقد جدًا”.
ويرجح مشاركة أطراف إقليمية في الحرب التي يخوضها الأردن مع المهربين، ويقول: “الإجراءات الأردنية الأخيرة هي مرحلة أولى، وفي الغالب ستنخرط دول الإقليم التي يطالها تهديد المخدرات، وهذا يحتاج بعض الوقت”.
وحتى تنجح مهمة الأردن، لا بد من وجهة نظر مدير وحدة الدراسات في مركز “أبعاد للدراسات الإستراتيجية” محمد سالم، أن تكون الإجراءات مستدامة، معتبرًا في حديثه لـ”نون بوست” أن “نجاح حملة مكافحة التهريب، رهن كثافتها واستدامتها”.
مستدركًا بقوله: “لكن الكثافة قد تحتاج إلى تمويل كبير جدًا وهو ربما التحدي الأكبر أمام الأردن باعتبار أن التكاليف الاقتصادية لمثل هذه العمليات باهظة، وقد يحاول الأردن طلب المساعدة الخارجية من دول الخليج العربي أو من الولايات المتحدة لدعمه ودعم اقتصاده لتنفيذ مثل هذه العمليات على اعتبار أن لها علاقه بالأمن الإقليمي وليست مرتبطة بأمن الأردن الخاص فقط”.
وفي السياق ذاته، يقول خبراء إن الضربات الأردنية لم تمتد إلى الأطراف المسؤولة عن تهريب المخدرات والأسلحة، أي “الفرقة الرابعة” وميليشيات إيران، بل الأدوات، ما يعني من وجهة تقديرهم أن الإجراءات تبقى قاصرة.
وبالفعل وصفت شبكة “السويداء 24” أفراد مجموعات التهريب الذين قتلوا أو اعتقلوا خلال الاشتباكات مع حرس الحدود الأردني بـ”الحلقة الأضعف”، موضحة في تقرير رصده “نون بوست” أن “الفرد الواحد من أفراد المجموعات هذه يتقاضى مبالغ تتراوح بين 5000 إلى 7500 دولار أمريكي، في حال نجح بتهريب الشحنة”.
وتابعت الشبكة بالتأكيد على قيام شخصيات معروفة بعلاقاتها الأمنية (تابعة للنظام السوري) القوية، بتجنيد الشباب مستغلة حالة الفقر، وتحدثت عن “أجندات خارجية” لعمليات التهريب نحو الأردن.
ويمكن القول إن استمرار محاولات التهريب رغم الإجراءات الأردنية العسكرية والانفتاح السياسي على النظام السوري يؤكد ما كان متوقعًا، بأن التهديدات التي تنطلق من سوريا إلى دول الجوار مستمرة لحين التوصل إلى حل جذري للملف السوري.