جاءت عملية “طوفان الأقصى” التي دشنتها المقاومة الفلسطينية بهجومها غير المسبوق صباح السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، لتشكل مرحلة غير مسبوقة في تاريخ الكفاح المسلح الفلسطيني والعمل المقاوم منذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة لاعتبارات ميدانية وعملياتية.
إلا أنه لم يدر في خلد الفلسطينيين بقطاع غزة أن تدخل الحرب الإسرائيلية يومها الـ100 دون أن يتم الوصول إلى اتفاق بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال، نظرًا لطبيعة الحروب الإسرائيلية التي عايشها الفلسطينيون في غزة منذ عام 2006.
لكت هذه الحرب تبدو مغايرة في شكلها وتفاصيلها وأهدافها وأبعادها الإستراتيجية، فالحديث عن وضع الحرب أوزارها ما زال يبدو بعيدًا، في ظل تمسك أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية التي يتزعمها بنيامين نتنياهو بالبقاء في مناصبهم وعدم الوصول إلى صفقات تبادل جديدة.
ما الذي حققته المقاومة في 100 يوم؟
المقاومة الفلسطينية نجحت في توجيه ضربات نوعية ضد الوحدات الإسرائيلية الخاصة، في المواقع القريبة من القطاع مع بداية العملية العسكرية التي أطلقت عليها اسم “طوفان الأقصى” واستهدفت بدرجة أساسية “فرقة غزة”.
كما نجحت المقاومة في كسر الصورة النمطية المعتادة عن الاحتلال الإسرائيلي بامتلاكه أوراق أمنية واستخباراتية عالية الدقة، من خلال التضليل الذي مارسته كتائب القسام على مدار عامين كاملين وصولًا إلى موعد تنفيذ العملية في غزة.
علاوة على ذلك، أثبتت المقاومة جهوزيتها الميدانية لتنفيذ عمليات هجومية باستخدام وحدات متنوعة ذات طابع قتالي، لا سيما على صعيد الإنزال الجوي باستخدام الطائرات الشراعية مرورًا بالمسيرات والصواريخ والضفادع البشرية وغيرها من الوحدات القتالية.
عدا عن ذلك، فإن الأداء العسكري المقاوم خلال الـ100 يوم من الحرب والمواجهة اتسم بالقدرة على القيادة والتحكم وهو أمر اتضح في اتساق الرشقات الصاروخية واتساعها وانخفاضها حسب الحاجة الميدانية، علاوة على التناسق في العمل الميداني مع المقاومة الفلسطينية.
شهدت كذلك الفترات التي كان يزعم فيها الاحتلال الإسرائيلي القضاء على المقاومة الفلسطينية نجاحها في إطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات بشكلٍ لافت وهو أمر يتنافى مع الدعاية الإسرائيلية التي تشير باستمرار إلى نجاح العمليات العسكرية في القضاء على قدرات المقاومة القتالية.
أزمة أخلاقية مخيفة
لا يمكن اعتبار ما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي عبر حكومة الحرب الحالية عملًا بطوليًا إذ ما قورن بالفعل المقاوم الفلسطيني، لا سيما أن هدف المقاومة من عملية “طوفان الأقصى” كان دفاعيًا بحتًا تمثل في الرد على الجرائم الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى والضفة الغربية المحتلة ومنع أي عمل إسرائيلي قتالي.
غير أن الاحتلال الإسرائيلي سعى من خلال ما قام به إلى نسف جوهر الحياة في غزة وإعادتها إلى العصر الحجري من خلال استهداف كل منشأة ومبنى وتدمير المساجد والكنائس والمدارس وقصف الجامعات والكليات، علاوة على قطع الكهرباء وضرب البنية التحتية.
كما شهدت الـ100 يوم الأولى من الحرب الإسرائيلية على غزة تسجيل أكبر عدد من الضحايا تجاوز معه ما تم تسجيله في الحرب الروسية الأوكرانية من خلال ارتقاء أكثر من 24 ألف فلسطيني وإصابة نحو 60 ألف فلسطيني بجراح جراء القصف الصاروخي والمدفعي الإسرائيلي.
عكست الشهور الثلاث الأولى من الحرب الأزمة الأخلاقية التي يعاني منها جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو ما كشفت عنه شهادات الناجين من المذابح الإسرائيلية أو المعتقلين من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، إلى جانب ما نشره جنود الاحتلال بأنفسهم من فيديوهات ومقاطع توثق لحظات استمتاعهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية أمام الملأ دون أي مراعاة لقانون دولي أو رأي عام.
وتعكس جميع المعطيات والأرقام المسجلة الواقع اللاأخلاقي للاحتلال الإسرائيلي منذ بداية المعركة الحاليّة والواقع الصعب الذي تمر به القيادة السياسية الحاليّة برئاسة نتنياهو، لا سيما أن الجميع في دولة الاحتلال استشعر الخطر الوجودي الحقيقي.
قراءة تحليلية
يصف الكاتب والباحث في الشأن السياسي ساري عرابي الحرب الحاليّة بالمختلفة عن جميع الحروب السابقة، كونها مغايرة من الناحية الكفاحية، حيث تعتبر واحدة من أبرز المعارك من الناحية الثورية الفلسطينية وهي مختلفة عن كل المحطات السابقة.
ويقول عرابي لـ”نون بوست” إن المعركة الحاليّة سيكون لها تداعيات على المستوى الإستراتيجي والإقليمي والدولي، فما يمكن الحديث عنه حتى الآن هو إعادة القضية الفلسطينية للمربع الأول وإعادة المجتمع الإسرائيلي للمربع الأول المتمثل في غياب الشعور بالأمان وجعلت جمهور المستوطنين غير آمنين وفرضت عليهم النزوح، وأضافت نوعًا من التفكيك إلى المجتمع الإسرائيلي سيظهر على المستوى المتوسط والبعيد.
ويضيف “هذه الحرب أغرت خصوم إسرائيل وأعدائها وأعادت للعرب القناعة والثقة بإمكانية هزيمة الاحتلال الإسرائيلي، فهناك وعي جديد بإمكانية توجيه هزيمة استخباراتية وأمنية للاحتلال، وبالتالي وفرت أرضية مهمة جدًا لمواجهة الاحتلال أكثر سعة وشمولية بأن العربي يمكنه أن ينتصر على “إسرائيل” وأنها ليست قدرًا جذريًا”.
يتابع الكاتب ساري عرابي قوله بأن المعركة الحاليّة كشفت الجدار الأمني الذي كان يستند إليه جمهور المستوطنين خلال الفترة الماضية، ونسفت الرواية الإسرائيلية القائمة على المظلومية على مدار عقود.
ويرى أن الاحتلال الإسرائيلي فشل ولا يمكنه أن يتعايش مع حالة المقاومة التي اتسمت بالمصداقية في خطابه، وهو بالتالي لا يمكنه أن يتسامح مع حالة مقاومة جادة ولا مع النزوح وحالة الانكسار التي لحقت بالجندي الإسرائيلي.
يعتقد أيضًا أن كل الخيارات الإسرائيلية قاسية، فهو غير قادر على القضاء على حركة حماس من جهة وبالتالي إذا أراد ذلك فعليه إرسال وحداته القتالية للجلوس بين التجمعات السكنية وأن يقوم بعمليات تمشيط لفترات طويلة من الزمن، وهو أمر مرهق للغاية بالنسبة له.
أما الحل الثاني القائم للاحتلال الإسرائيلي فهو البقاء في مناطق يسميها عازلة ويتحمل حينها صواريخ المقاومة قصيرة المدى وقذائف الهاون وهو أمر تكلفته عالية، علاوة على امتلاك المقاومة ورقة الأسرى، وبالتالي فإن الخروج من قطاع غزة دون تحقيق الأهداف المعلنة يمثل مشكلة على المستوى الأمني والسياسي الإسرائيلي، وفقًا لعرابي.
كما يلفت إلى أن المقاومة خلخلت الاحتلال الإسرائيلي وأعادت تصدير القضية لتصبح رقم 1 على مستوى العالم وجعلت الاحتلال المتهم الرئيسي في العالم وهو فقط يجتر الخطاب الدعائي القائم على المظلومية، وأثبتت استحالة طمس القضية الفلسطينية.