بعد أيام قليلة من خطاب العرش، الذي وجّه فيه العاهل المغربي محمد السادس، مجموعة من الانتقادات اللاذعة، للطبقة السياسية والأحزاب والإدارة محملا إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع في المملكة، أعلن رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني إنشاء خطة عمل “لتصحيح أوجه القصور في مجال إدارة الشؤون العامة”.
6 إجراءات عملية
في أول اجتماع لها، عقب خطاب الملك بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لاعتلائه العرش الملكي المغربي، أعلنت الحكومة المغربية برئاسة سعد الدين العثماني، أمس الخميس، عن خطّة تصحيح تتضمّن ستّة إجراءات عملية، تتعلّق بإصلاح الإدارة، وتشجيع الاستثمار وتبسيط الإجراءات الإدارية. وقال رئيس الحكومة “قررنا وضع برنامج واقعي عملي وسريع لتصحيح الاختلالات”، وأضاف أن الإدارات الحكومية “ستكون مضطرة في الأشهر المقبلة لتقديم اقتراحات ملموسة إلى مكتبه” لتنفيذ المبادئ التوجيهية.
الاجراء السادس الذي اتخذته الحكومة يتمثّل في الإسراع في اعتماد المخطط التنفيذي للبرنامج الحكومي على ضوء حصيلة مائة اليوم من العمل الحكومي
وفي ختام الاجتماع الأسبوعي للحكومة، قال الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في بلاغ تلاه خلال لقاء صحفي، إن أعضاء الحكومة عبروا عن تنويههم بالخطاب الملكي والحاجة إلى رفع حالة التعبئة من أجل تنزيل ما دعا إليه الملك محمد السادس، مؤكدين أن المسؤولية تقتضي أن تقع أجرأة الخطاب الملكي وفق محاور عملية.
ويتمثّل أول قرار تم اتخاذه، في إطلاق ورش إصلاح شامل وتحديث كلي لعمل المراكز الجهوية للاستثمار، وتشكيل لجنة بين وزارية للعمل على هذا الورش برئاسة وزارة الداخلية والقطاعات الحكومية المعنية، فيما يتمثّل ثاني قرار حسب الوزير المغربي في إحداث لجنة لبحث ملف الحكامة وإصلاح الإدارة، تتكون من عدد من الوزارات برئاسة الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية.
رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني
ويتمحور رابع اجراء أعلنت عنه الحكومة في تشديد رئيسها سعد الدين العثماني على أن كل قطاع حكومي معني بدراسة مضامين الخطاب الملكي وصياغة مقترحات عملية لأجرأته على المستوى القطاعي ورفع تلك المقترحات إلى رئاسة الحكومة. أما رابع إجراء تم اتخاذه فهو الإسراع في بلورة الإجراءات المرتبطة بتبسيط المساطر والتي تهم عمل الإدارة والإعلان عنها في أقرب الآجال، و”برمجة اجتماع لندوة الحكومة لمدارسة مشروع ميثاق اللاتمركز”، كخامس خطوة ضمن خطة الحكومة لتطبيق خطاب الملك على أرض الواقع، وأوضح الوزير أن الاجراء السادس الذي اتخذته الحكومة يتمثّل في الإسراع في اعتماد المخطط التنفيذي للبرنامج الحكومي على ضوء حصيلة مائة اليوم من العمل الحكومي.
سرعة الاستجابة
هذه الاجراءات الحكومية جاءت بعد أقل من أسبوع على خطاب للعاهل المغربي تضمن انتقادات لاذعة للطبقة السياسية والإدارة محملا إياها الجزء الأوفر من مسؤولية تردي الأوضاع وفشل مجموعة من المشاريع، مطالبا إياها بالإنصات لهموم الشعب وتقديم خيرة نخبتها، والابتعاد عن الصراعات السياسية الضيقة وجعل احتياجات المواطن ومصلحة الوطن فوق أي اعتبار سياسي ضيق.
وأشار ملك المغرب إلى أن بعض السياسيين انحرفوا بالسياسة، كما أن المواطن لم يعد يثق بهم، وخاطب المسؤولين بقوله إما أن تقوموا بمسؤولياتكم أو تنسحبوا، وقال إنه عندما لا تسير الأمور كما ينبغي يتم الاختباء خلف القصر الملكي في حين يتم الهرولة لقطف نتائج وثمار النجاح، معبرا عن صدمته من تواضع الإنجازات في بعض القطاعات. ويؤكّد مراقبون أن الشارع المغربي فقد الثقة في وزراء حكومة سعد الدين العثماني، والأحزاب السياسية المغربية، والمؤسسات الوسيطة في الدولة لحل هذا ملف حراك الريف المتواصل منذ تسعة أشهر.
الملك: المغرب يعيش مفارقات صارخة من الصعب فهمها
واعتبر، حينها، الملك محمد السادس، أن تعطيل مسؤول ما لمشروع تنموي أو اجتماعي، لحسابات سياسية أو شخصية، يعدّ “خيانة”، وإن تصرفات عدد من المسؤولين تزكي الفكرة السائدة لدى عموم المغاربة، بأن “التسابق على المناصب، هو بغرض الاستفادة من الريع، واستغلال السلطة والنفوذ”. وقال الملك إن المغرب يعيش “مفارقات صارخة من الصعب فهمها”، فـ”بقدر ما يحظى به المغرب من مصداقية، قاريا ودوليا، ومن تقدير شركائنا، وثقة كبار المستثمرين، بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع، بتواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، حتى أصبح من المخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم”.
تأخر المذكرة التوجيهية لإعداد موازنة العام لسنة 2018
في غضون ذلك، لم تصدر الحكومة المغربية بعد المذكرة التوجيهية لإعداد موازنة العام لسنة 2018، وكان يفترض أن يكون رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، قد أصدر المذكرة التوجيهية حول مشروع موازنة العام المقبل، كي يشرع في إعدادها، لعرضها أمام البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول، قبل التصويت عليها في نهاية العام، لانشغالها بحراك الريف المتواصل منذ أكتوبر 2016.
إلى جانب ذلك، أصدر صندوق النقد الدولي الأربعاء الماضي، بعد اختتام مجلسه التنفيذي للمراجعة الثانية لأداء الاقتصاد المغربي في ظل اتفاق “خط الوقاية والسيولة”، توصية للمملكة تشدد على ضرورة التحكم في عجز الموازنة، وفي الوقت ذاته تحفيز النمو من أجل توفير فرص العمل. وسبق للحكومة أن عقدت اتفاقا مع صندوق النقد الدولي للاستفادة من خط الوقاية والسيولة لمدة عامين بقيمة قدرها حوالي 3.42 مليار دولار أمريكي، واستكملت في ماي الماضي مراجعة الأداء الأولي في ظل الاتفاق. وستنتهي المدة التي يغطيها الاتفاق في يوليوز من السنة القادمة.
صندوق النقد الدولي يحث المملكة على القيام ببعض الاصلاحات
وأشاد صندوق النقد بالتحسّن الذي شهده الاقتصاد المغربي، متوقعا أن يسجل عجز الميزانية انخفاضا إضافيا سنة 2017، بفضل قوة أداء الإيرادات واحتواء النفقات، إلى جانب تحسن نسبة النمو وتسارع معدلها بالتدريج على المدى المتوسط، إلا أنّ هذا التحسن حسب الصندوق مقرون بشرط تحسن الأوضاع الخارجية والمثابرة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، منبها إلى أن “هذه الآفاق لا تزال معرضة لمخاطر التطورات السلبية على المستويين الداخلي والخارجي”.