ترجمة وتحرير نون بوست
بالنسبة لمؤيدي ترامب، لا يمكن العثور على معظم أعداء الرئيس بين الديمقراطيين في قاعات الكونغرس، وإنما بين أعضاء مؤسسة الأمن القومي، الذين يجب أن يكون ولاؤهم له لا جدال فيه. لذلك، تم تصنيف هؤلاء الأعداء على أنهم “الدولة العميقة”.
وفي هذا الإطار، اتهم أحد أبطال ترامب الأكثر عدوانية، موقع “بريتبارت” اليميني المتطرف، الدولة العميقة بتسريب المعلومات عن الرئيس الأمريكي إلى صحيفة نيويورك تايمز وواشنطن بوست، فضلا عن ذلك، وصف دونالد ترامب الابن الدولة العميقة بأنها “حقيقية وغير قانونية وتشكل تهديدا على الأمن القومي”. في الأثناء، قام ترامب بإعادة نشر تغريدة هي عبارة عن مونولوغ أدّاه مضيف قناة “فوكس نيوز”، شون هانيتي، يدعو فيه إلى اتخاذ إجراءات ضد المخربين المنتمين للدولة العميقة الذين يعرقلون جدول أعمال الإدارة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحدث في مقر وكالة المخابرات المركزية يوم 21 كانون الثاني/ يناير في لانغلي بولاية فيرجينيا. وركز ترامب في كلمته على الجناح اليميني التآمري الذي يشق طريقه نحو البيت الأبيض.
اجتاح ترامب السلطة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي وقد تعهد “باستنزاف المستنقع” في واشنطن، كما كانت علاقته بالبيروقراطية الفدرالية الأميركية متذبذبة. والجدير بالذكر أن علاقاته مع وكالات المخابرات على وجه الخصوص كانت متأزمة نظرا لأنها ادعت أن روسيا تدخلت في انتخابات سنة 2016 في محاولة منها للمساعدة في ضمان انتخاب ترامب. وبدوره اتهمهم الرئيس بإتلاف تسريبات مهمة لوكالات المخابرات.
وفي هذا الصدد، قال بول ماسغرايف، أستاذ الحكومة في جامعة ماساتشوستس في أمهرست، لمجلة “نيوزويك” إن “هذا لا ينطبق فقط على سياق روسيا”. كما أضاف ماسغرايف “منذ حفل تنصيبه، عمد الرئيس ترامب إلى إهانة واستهداف وكالات الاستخبارات. عموما، يرى أن مثل هذا الفعل من المرجح أن ينجر عنه ردود فعل من قبل أعضاء أجهزة الاستخبارات الأميركية”.
تُعرف الدولة العميقة في قاموس أوكسفورد الإنجليزي بأنها “مجموعة من الناس، عادة أعضاء مؤثرين في الوكالات الحكومية أو الجيش، يعتقد أنهم متورطون في التلاعب السري بالسياسة الحكومية أو السيطرة عليها”. وأشار ماسغرايف إلى أن هذا المصطلح يعود إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد استخدمه العلماء على مدى عقود للإشارة إلى “جهاز أمني وطني دائم يكون بمثابة مراقب للحكومة المدنية”.
يتحدث ستيف بانون، كبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب، في مؤتمر العمل السياسي المحافظ في الميناء الوطني في ماريلاند يوم 23 شباط/ فبراير.
في تركيا، اتهمت شبكات موظفي الخدمة المدنية والجنرالات المتقاعدين وزعماء الجريمة المنظمة بالعمل على دعم الدولة العلمانية التركية طوال تاريخها الحديث، حيث شن الجيش انقلابا فاشلا ضد الرئيس رجب طيب أردوغان سنة 2016. أما في مصر، فقام الجيش بالإطاحة بالرئيس الإسلامي المنتخب محمد مرسي سنة 2014، مع تنصيب الجنرال السابق عبد الفتاح السيسي محله.
في الواقع، إن مفهوم نخبة حكومة الظل، التي تتلاعب بالأحداث خلف الكواليس، لها تاريخ طويل في الولايات المتحدة في صفوف منظري المؤامرة اليمينية واليسارية، حتى لو كان استخدام مصطلح الدولة العميقة أكثر حداثة.
وفي هذا الشأن، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا، جوزيف أوسينسكي، “لقد أصبحت الدولة العميقة شعبية جدا مؤخرا، ويعود ذلك إلى حد كبير لترامب، ولكن من حيث استخدامها من قبل المنظرين للمؤامرة، فقد تم ذلك منذ زمن بعيد”. كما أضاف أوسينسكي “غالبا ما كان هذا المفهوم شائعا بين منظري المؤامرة، سواء كانوا يطلقون عليه دولة عميقة أو شيء آخر”.
وفي هذا الشأن، أشار إلى الفيلم الذي يسلط الضوء على المؤامرة التي حيكت ضد جون كينيدي، وهو فيلم من إخراج اليساري أوليفر ستون، تحدث فيه عن مجموعة من المسؤولين السريين الذين يقفون وراء اغتيال الرئيس كينيدي سنة 1963. لذلك، قال أوسينسكي “على الرغم من أن أوليفر ستون لا يطلق عليه اسم الدولة العميقة، ولكن المفهوم واضح”. في الواقع، لعقود من الزمن كان الأكاديمي بيتر ديل سكوت يكتب عن ضرورة الكشف عن الدولة العميقة الأمريكية، خاصة في كتابه الصادر سنة 1993، “السياسة العميقة وموت جون كينيدي” الذي أشاد به ستون.
من ناحية أخرى، ازدادت شعبية فكرة النخبة المتآمرة في قلب الحكومة الأمريكية خاصة في صفوف اليمين. لسنوات، زعمت عدة مواقع على غرار “بريتبارت” و”أنفو وارس” التابعة لأليكس جونز أن هناك مؤامرة تحاك من قبل النخب السياسية في الدولة العميقة من أجل حرمان المواطنين من حقهم في الانتخاب.
مصطلح الدولة العميقة كان بمثابة الوقود لمنظري المؤامرة. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تغيرت من كونها مصطلح يستخدمه الناس للتحليل وربما للدفاع عن هذا النوع من الديناميات
وقد سلط ترامب الضوء على هذا الجناح التآمري اليميني وهو يشق طريقه للبيت الأبيض. علاوة على ذلك، عمد ترامب إلى نشر مشروع نظرية “بيرثر” الذي يدور حول الرئيس السابق باراك أوباما في حين كان يستعد للترشح للانتخابات الرئاسية. كما نصب الرئيس التنفيذي لشركة بريتبارت، ستيف بانون، كبير الإستراتيجيين بمجرد وصوله للسلطة.
وفي شأن ذي صلة، قال ماسغرايف في مقابلة أجراها مع مجلة “نيوزويك” إن “ترامب المشهور لدى برامج تلفزيون الواقع، سلط الضوء على مفهوم كان يتنزل سابقا في منتديات التآمر الموجودة في أعمق زوايا الإنترنت”. كما أضاف المصدر نفسه أن “أسلوب ترامب الحاكم يميل إلى الاعتماد أكثر على معارضة عامة الناس لنظرية المؤامرة من قبل الرؤساء في هذا القرن أو القرن الماضي”.
ومن بين المؤيدين، كانت مؤامرة الدولة العميقة ذات شعبية. وحيال هذا الأمر، قال ماسغرايف “اتضح أن مصطلح الدولة العميقة كان بمثابة الوقود لمنظري المؤامرة. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تغيرت من كونها مصطلح يستخدمه الناس للتحليل وربما للدفاع عن هذا النوع من الديناميات، التي يجب أن يواجهها ترامب في علاقته مع مؤسسة الأمن القومي، إلى أن يكون مصطلحا جامعا، إذ يتم إلقاء اللوم على الدولة العميقة لأي شيء يسير على نحو خاطئ”. بالإضافة إلى ذلك، شعر المحاربون القدامى في الإدارات السابقة بالجزع إزاء استخدام مصطلح ترامب والمدافعين عنه.
وفي سياق متصل أورد مايكل هايدن، الذي شغل منصب مدير وكالة المخابرات المركزية في ظل إدارتي أوباما وجورج دبليو بوش، لشبكة “إم إس بي سي” في آذار/ مارس، “الدولة العميقة” لن أستخدمها أبدا”. وأضاف هايدن “إنها عبارة استخدمناها لوصف ما يحدث في تركيا ودول أخرى من هذا القبيل، وليس الجمهورية الأميركية”. في المقابل، يعتبر مفهوم الدولة العميقة ذو مصداقية من قبل معظم الأمريكيين، إذ أن حوالي 48 في المائة من الأميركيين يؤمنون بوجودها، وذلك وفقا لاستطلاع “أي بي سي” الذي أجرته صحيفة واشنطن بوست.
في مؤتمر العمل السياسي المحافظ في شباط/ فبراير، عرّف بانون الهدف الرئيسي للإدارة بأنه “تفكيك” الدولة الإدارية. وبسبب هذا العداء، وفقا لأوسينسكي، من المتوقع أن تكون هناك بعض المداولات ضد البيت الأبيض من قبل البيروقراطيين.
كما أفاد بانون في هذا الصدد، “هل يعني ذلك أنهم يقيمون “معسكرات فيما” يخططون لانقلاب ضده؟ لا، ولكن من المرجح بأنه سيحاول المقاومة. عموما، ما يقوم به منظرو المؤامرة هو أخذ هذه الفكرة المعقولة و تطبيقها”.
بالإضافة إلى ذلك، أعرب ماسغرايف عن الشكوك التي تساوره حول ما إذا كان ترامب يؤمن بصدق بنظرية المؤامرة. لذلك، صرح “لا أعتقد أن ترامب يأخذ هذا الأمر بجدية، إنها وسيلة سهلة بالنسبة له. في الواقع، يبدو أن المشكلة الأكبر هي عدم الانخراط مع البيروقراطية”.
المصدر: نيوزويك