قبل ساعات من إجراء الاستفتاء المثير للجدل على التعديلات الدستورية التي أقرها النظام الحاكم، تبدو مظاهر الغليان في الشارع الموريتاني بارزة للعيان، خاصة مع ارتفاع منسوب العنف والقمع الأمني للمعارضة ومحاصرة مبنى مجلس الشيوخ.
قمع المعارضة
رغم التطمينات التي قدّمها النظام الموريتاني لمعارضي التعديلات، فقد عمدت الشرطة إلى تفريق مظاهرات المعارضة باستعمال العنف، وأخرها أمس حيث احتشد متظاهرون في العاصمة نواكشوط، للتنديد باستفتاء دستوري مثير للجدل يقضي بإلغاء عدد من المؤسسات بينها مجلس الشيوخ نهار السبت، واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريقهم
وكانت السلطات الموريتانية قد رفضت السماح بتنظيم تظاهرات معارضة للاستفتاء الدستوري في نواكشوط وثلاث مناطق أخرى في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، ويعارض ائتلاف يضم أطيافا سياسية مختلفة بينها إسلاميين ونشطاء مناهضين للعبودية الإجراءات التي تشمل إلغاء مجلس الشيوخ وتغيير العلم، ويقاطع بعضهم التصويت الذي يجري السبت.
كان أعضاء المجلس قد رفضوا تمرير التعديلات الدستورية مطلع مايو الماضي، في خطوة مفاجئة أدهشت الحكومة
عقب هذا القمع الأمني لمظاهرة المعارضة، أعلن أعضاء لجنة الأزمة بمجلس الشيوخ الموريتاني، الخميس، دخولهم في اعتصام مفتوح في مقر المجلس حتى يتم التراجع عن الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ما أدّى إلى محاصرة مقرهم. وكان أعضاء المجلس قد رفضوا تمرير التعديلات الدستورية مطلع مايو الماضي، في خطوة مفاجئة أدهشت الحكومة، إذ أن غالبية الأعضاء ينتمون للحزب الحاكم، ما دفع بالرئيس للدعوة إلى الاستفتاء. غير أن المعارضة تخشى أن يكون الرئيس يمهد لولاية ثالثة. وقال رئيس وزرائه مؤخرا إنه يؤيد الفكرة.
قلق الأمم المتحدة
بالتزامن مع ذلك، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من هذه “الاضطرابات” التي تشهدها موريتانيا، حيث قالت الناطقة باسم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في موريتانيا رافينا شامداساني، إنها قلقة حيال “الاضطرابات” التي تشهدها البلاد منذ عدة أيام، قبيل موعد الاستفتاء الشعبي الذي سينظم يوم غدا السبت على التعديلات الدستورية التي ترفضها المعارضة. وقالت شامداساني في بيان رسمي إنهم “قلقون حيال الاضطرابات التي تسبق الاستفتاء على تعديلات دستورية منتظر يوم السبت في موريتانيا، وخاصة القمع الواضح لعدد من الأصوات المعارضة والاستخدام المفرط للقوة من طرف السلطات ضد القادة الذين يتظاهرون ضد الاستفتاء“.
تواصل قمع المعارضين يقلق الأمم المتحدة
وأشارت في بيانها إلى أن “مظاهرات سلمية خرجت بشكل يومي منذ 21 يوليو، منظمة من طرف سياسيين في المعارضة يدعون لمقاطعة التصويت، السلطات لم تستجب لطلبات ترخيص أغلب هذه المظاهرات، كما لجأت إلى استخدام القوة لتفريق التجمعات، وفي الكثير من الحالات تم الاعتداء على قادة المعارضة، وتم اعتقال عدد منهم”، وفق نص البيان.
وطالبت الموظفة الأممية من الحكومة الموريتانية أن يكون تجاوبها مع الاحتجاجات مطابقاً لالتزاماتها بالقانون الدولي لحقوق الإنسان وأن تضمن احترام حرية التجمع السلمي وحرية التعبير عن الرأي، وهذه الحقوق على وجه الخصوص مهمة في الأجواء التي تسبق الانتخابات“. ودعت الأمم المتحدة في بيانها “جميع الأطراف إلى عدم اللجوء إلى العنف، واتخاذ التدابير اللازمة من أجل منع تدهور الوضع”، كما شددت على أن “مسؤولية الحكومة هي التأكد من إجراء انتخابات وفقا للالتزامات الدولية لحقوق الإنسان لموريتانيا. وينبغي أن تتخذ الحكومة جميع التدابير اللازمة لضمان إجراء انتخابات حرة وشفافة وذات مصداقية“.
الاستفتاء غدا
ويدلي الموريتانيون السبت بأصواتهم في صندوقين، واحد للتعديلات الرئيسية، والثاني لتغيير العلم الذي سيضاف إليه خطان أحمران يرمزان إلى دماء “شهداء المقاومة” للاستعمار الفرنسي، وشهدت البلاد في شهر أكتوبر 2016، تنظيم حوار وطني شارك فيه حوالي 600 شخص، ممثلين عن عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وبعض هيئات المجتمع المدني، فيما قاطعه منتدى المعارضة – الذي يضم 14 حزبًا سياسيًا وهيئات نقابية ومنظمات مجتمع مدني، بالإضافة إلى حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يقوده زعيم المعارضة السابق أحمد ولد داداه، وانسحب منه في منتصف الطريق، التحالف الشعبي بقيادة مسعود ولد بلخير.
تفيد تقارير حقوقية وصحفية بأن السلطات الموريتانية مارست القمع ضد معارضي الدستور واعتقلت بعض النشطاء
وأفرز الحوار عدة مقترحات لتعديل الدستور، منها إلغاء مجلس الشيوخ واستبداله بمجالس محلية (مجالس جهوية منتخبة)، بالإضافة إلى الاتفاق على تنظيم انتخابات برلمانية وبلدية مبكرة وتغيير علم البلاد ونشيده وإجراء استفتاء دستوري بشأن تعديلات دستورية قبل نهاية العام الجاري. ويصف قادة المعارضة الموريتانية مخرجات الحوار بأنها هزيلة، وتتجاهل مطالب الشعب الذي يعاني من الغلاء وسوء الأوضاع الاقتصادية، فيما دعا رئيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة الشيخ سيد أحمد ولد بابامين، الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى التوقف عما أسماه “ازدراء الشعب وعدم الاستماع له”.
وتفيد تقارير حقوقية وصحفية بأن السلطات الموريتانية مارست القمع ضد معارضي الدستور واعتقلت بعض النشطاء، في حين سخرت المال العام والإعلام الرسمي لإنجاح الاستفتاء رغم أنه لا يحظى بتوافق وطني.
الرئيس يتّهم المعارضة
في مقابل ذلك، دعا الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، في حملة جال خلالها أرجاء موريتانيا، إلى التصويت بـ “نعم” في الاستفتاء، واتهم المعارضة بالسعي إلى “نشر الفوضى“. ونفى ولد عبد العزيز مساء أمس الخميس وجود أي رابط بين الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقرر إجراؤه غدا السبت وبين الحديث عن سعيه للبقاء في السلطة لولاية ثالثة.
الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز يدعو للتصويت بـ “نعم”
وقال ولد عبد العزيز في مهرجان اختتم به حملته لتعديل الدستور إن الاستفتاء لا صلة له بالمأمورية الثالثة أو إلغاء محكمة العدل السامية التي تختص بمقاضاة الرئيس وأعضاء الحكومة. وجاء نفي ولد عبد العزيز على الرغم من أن التعديلات تنص فعلا على إلغاء محكمة العدل السامية، في حين يشدد رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة على أن الرئيس باق في السلطة بعد انتهاء مأموريته الثالثة.
ووصف ولد عبد العزيز، في خطابه العلم الوطني المعتمد حالياً بأنه “علم مشبوه”، مشيراً إلى أنه اعتمد من طرف الاستعمار ولم يساهم الموريتانيون في اختياره، وقال إن “العلم الحالي مع احترامنا له علم مشبوه، حتى أن البعض يقول إنه علم دولة أخرى”، مشدداً على ضرورة أن يصوت جميع الموريتانيين على تعديل العلم وإضافة “خطين أحمرين” رمزاً لوجود مقاومة في موريتانيا ضد الاستعمار الفرنسي.