تعتبر منطقتنا العربية من المناطق الساخنة على مستوى العالم قرابة قرن من الزمان، وتتميز عن غيرها بالفوضى وعدم الاستقرار البنيوي، يظهر هذا بشكل جلي وواضح للعيان، وكثيراً ما نتساءل فيما بيننا عن سر هذا الفشل والضياع الذي تمر به منطقتنا، هل نحن اصل المشكلة كم نحب ان نقول كلما حلت علينا مصيبة ؟ وان كنا اصلها فما الحل أو لنقول هذا قضاؤنا وقدرنا وعلينا القبول به بحلوه ومره !، او لنتخذ من القول المأثور لإبن خلدون ” إذا عربت خربت” شماعة نعلق عليها هزائمنا وإنتكاساتنا،! أو أصل المشكلة يعود لاسباب و عوامل خارجة عن إرادتنا ؟ وحتى نتمكن من إجاد تفسير منطقي ومقنع للامواج الهائجة التي تجتاح منطقتنا التي تبدوا لنا ضبابية إلى حد ما، علينا ان نعود للوراء قليلا بالتحديد الى بدايات القرن العشرين.
في بداية القرن العشرين وصلت أوروبا الى ذروة عظمتها، واصبحت القارة العجوز المسيطرة على العالم بلا منازع، والى جانب ذلك بدأت تظهر بعض المتغيرات والمنغصات لصانع القرار في القارة العجوز على رأسها افول الامبراطورية العثمانية الى حد الزوال، و التمدد روسيا القيصرية جنوبا نحو البحر المتوسط وتهديده مصالح الدول الاستعمارية بالاضافة الى صعود نجم المانيا التي وضعت صوب عينيها منافسة كلاً من المملكة المتحدة ” بريطانيا العظمى” وفرنسا، هذا العوامل مجتمعة دفعت صانع القرار في القارة العجوز ” بريطانيا العظمى” للإسرع لإيجاد الحل الامثل والترياق الشافي لمعالجة هذه المنغصات المتصاعدة التي بدأت تهدد مكانتها على مستوى العالم ، وعليه في عام 1905 تقدم حزب المحافظين البريطاني بتوصية مشروع الى حزب الأحرار البريطاني الحاكم اثناه ذلك برئاسة هنري كامبل بانرمان الذي سمي المشروع باسمه فيما بعد.
مؤتمر كامبل بنرمان كما هو متعارف عليه، هو مؤتمر انعقد في لندن في 15 أبريل 1907 بمشاركة عدد من الدول الاستعمارية
يعتبر مشروع بانرمان من اخطر المشاريع التي لها الدور الريادي في حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تمر بها منطقتنا العربية حتى الان وبالاخص شمال الجزيرة العربية ” العراق وبلاد الشام” ومصر، بل اكثر من ذلك يعتبر إن صحة التعبير الاب الروحي لكل الاتفاقيات التي وضعت لتفتيت وتقسيم المنطقة العربية، بدءا من اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ومروراً بكلاً من وعد بلفور عام 1917 ومؤتمر فرساي عام 1919 ومؤتمر سان ريمو عام 1920 ومؤتمر سيفر عام 1920 ومؤتمر سان ريمو عام 1923
والمؤتمر الامبراطوري 1907 كما يحب ان يسميه البعض أو مؤتمر كامبل بنرمان كما هو متعارف عليه، هو مؤتمر انعقد في لندن في 15 أبريل 1907 بمشاركة عدد من الدول الاستعمارية وهي بريطانيا ،فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا،البرتغال، إيطاليا، والى جانب كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول في القارة العجوز ، واستمرت جلساته حتى 14 مايو 1907.
ولكن حسب الوثائق التي لدينا تؤكد ان الفترة التحضيرية له بدأت من عام 1905 وقد افتتح المؤتمر بكلمة القاها رئيس الوزراء البريطاني هنري كامبل بانرمان ويذكرها هنا التاريخ “إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوي وتستقر إلى حد ما ثم تنحل رويدا رويدا ثم تزول، والتاريخ مليء بمثل هذه التطورات، وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة، فهناك إمبراطوريات روما، أثينا، والهند والصين، وقبلها بابل وآشور، والفراعنة وغيرها، فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره؟ وقد بلغ الآن الذروة، وأصبحت أوروبا قارة قديمة، استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا”.
خرج المؤتمر بعد مناقشات ومجادلات مطولة بمجموعة من التوصيات على رأسها ” على الدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخر المنطقة، وتجزئتها وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متناحرة، وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب
وبعد مناقشات مطولة، توصل المؤتمرون إلى نتيجة مفادها أن “البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار، أنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب، والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والإفريقية، وملتقى طرق العالم، أيضا هو مهد الأديان والحضارات، ولكن الإشكالية أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص؛ شعب واحد تتوفر له كل عوامل الوحدة وهي وحدة التاريخ والدين واللسان”.
وقد خرج المؤتمر بعد مناقشات ومجادلات مطولة بمجموعة من التوصيات على رأسها ” على الدول ذات المصلحة أن تعمل على استمرار تأخر المنطقة، وتجزئتها وإبقاء شعوبها مضللة جاهلة متناحرة، وعلينا محاربة اتحاد هذه الشعوب وارتباطها بأي نوع من أنواع الارتباط الفكري أو الروحي أو التاريخي، وإيجاد الوسائل العملية القوية لفصلها عن بعضها البعض. وكوسيلة أساسية مستعجلة ولدرء الخطر، توصي اللجنة بضرورة العمل على فصل الجزء الإفريقي من هذه المنطقة عن جزءها الآسيوي، وتقترح لذلك إقامة حاجز بشري قوي وغريب “دولة إسرائيل” فيما بعد بحيث يشكل في هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس، قوة صديقة للاستعمار عدوة لسكان المنطقة”.
وبالرغم من وفرة المصادر التي تؤكد صدور مثل هذه الوثيقة، إلا ان عدم الإفراج عنها بشكل نهائي وتحفظ جميع الدول الموقعة على توصياته، جعل عدد من المؤرخين والباحثين يشكك بوجوده أصلاً أو أنه ضرباً من الخيال.