تعتبر صحة الإنسان من أكثر الأمور حساسية والتي لا يمكن التلاعب بكل ما يتعلق بها من معلومات أو إرشادات، خاصة وأن هناك علاقة وثيقة مبنية على ثقة عمياء بين العلم والإنسان، وأي تضليل في المعلومات المتاحة قد يثير العديد من الشكوك. ومع ازدياد الوعي الصحي العام بشأن اختيارات الطعام الصحية عند التسوق في المحلات التجارية، فلقد بدأ العالم يميل إلى الأطعمة الصحية والتي تكون خالية من أي مواد صناعية أو دسمة أو غيرها.
العام الماضي، أشارت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية إلى وجود بعض العبارات المضللة والملصقة على علب الطعام مثل “صحي” و”عضوي” وطبيعي” و”خالي من الجلوتين”، والتي اعتبرتها خدعة تسويقية من شركات الطعام التجارية لتجاهل المكونات الأخرى غير الصحية. إذ قال الطبيب تيمبل نورثوب في جامع هيوستن، “يستغل العالم التجاري التسويقي رغبات المستهلكين في أن يكونوا بصحة جيدة من خلال تسويق هذه المنتجات التي لا تكون بالفعل صحية أو خالية من المواد الحافظة”
وتابع مضيفًا “المنتجات الخالية من الجلوتين مصنوعة للأشخاص الذي يعانون من الاضطرابات الهضمية، لكن هذه المواد تحتوي على المزيد من السكر والدهون والأملاح لجعلها أكثر استساغة، لكن ما يكتب على العبوة بأنها خالية من الجلوتين يعطي للمستهلك فكرة أنها صحية ومفيدة وهي على عكس ذلك تمامًا”.
كما قام الدكتور نورثوب بالاطلاع على المنتجات الغذائية التي تتضمن أغلفة عبواتها عبارات “صحي” وقام بإزالة هذه العبارة، ومن ثم أجرى دراسة على 318 مشارك لتقييم مدى صحة هذه المنتجات، وعندما عرض للمشاركين المواد الغذائية التي تضمنت كلمة من العبارات التي تدل على أن هذا المنتج أكثر فائدة وصحة، وفي الوقت نفسه عرض المنتجات التي لا تحتوي على أي ملصق تسويقي بشأن صحة المنتج، ونتيجة هذه الدراسة البحثية أن الناس قاموا باختيار المواد الغذائية المضرة والدسمة فقط لأن عبوتها حملت كلمة صحي، أما الأطعمة الصحية الأخرى فلم يتم اختيارها لأنها لا تحتوي على ما يدل بأنها طبيعية وغير مضرة وكانت نسبتهم 20%.
لابد من النظر دائمًا إلى مكونات الطعام من فترة إلى أخرى، لتفقد ما أن حدث أي تغييرات أو إضافات قد تضر نظامنا الغذائي الذي نتبعه على قواعد صحية معينة
وتأكيدًا على هذه النتيجة، يقول أستاذ الطب، نافيد ستار، “90% من مسببات أمراض السمنة هي الأطعمة الدسمة التي تحتوي على سعرات حرارية عالية والتي لا ينتبه إليها الناس بسبب العلامات التي تلصق عليها، وإن أردنا أن نساعد الناس على البقاء أكثر صحة ونشاطًا علينا أن نتخلص من هذه المفاهيم الخاطئة والخادعة”. كما أشار إلى ضرورة تتبع المستهلكين للمعلومات الملصقة على منتجات الغذائية بتفاصيلها حتى يعرفوا ما نوعية الطعام الذي يتناولوه وما هي الأنواع التي ينبغي أن يتجنبوها للتخلص من أي مخاطر صحية.
وفي هذا الخصوص تنصح اخصائية التغذية، كارين دوقان، وتقول “إن كنا نثق بأحدى المنتجات الصحية بالفعل والتي نستخدمها منذ سنين، فلابد من النظر دائمًا إلى المكونات من فترة إلى أخرى، لتفقد ما أن حدث أي تغييرات أو إضافات قد تضر نظامنا الغذائي الذي نتبعه على قواعد صحية معينة”.
ماذا تعني هذه العبارات “الصحية”؟
في بداية التسعينيات أقرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية شروط على الشركات المصنعة للمنتجات الغذائية، ومن احدى هذه القوانين كتابة كلمة “صحي” على الأطعمة التي تكون مكوناتها أقل من كمية الصوديوم والدهون المحددة في الوجبة الواحدة. دون تقديم تعريف توضيحي عن معنى هذه العبارات.
ولم تحدد هذه الكلمة صلتها بالطعام بشكل واضح، لكن افتراضًا اعتقد المستهلك بها أنها خالية من المواد الحافظة أو الملونة، على الرغم من إضافة بعض هذه المواد. وهذا بحسب وكالة حماية البيئة التي اعتبرت الطعام الطبيعي الصحي هو الذي لم تتغير نكهته إو شكله بشكل كبير بسبب هذه الاضافات. إضافة إلى وكالة الغذاء والدواء التي لم تعترض بدورها على استخدام هذه المصطلحات الصحية حتى وإن كانت هذه الأطعمة تحتوي على مواد اصطناعية. لهذا يقول الخبراء أن القصد من هذه العبارات هو طمأنة المستهلك ومنحه بعض الراحة النفسية عندما يلاحظ وجود هذه الكلمة على غلاف طعامه المفضل دون التفكير بالاضافات البديلة التي تم وضعها.
يوصي خبراء التغذية باختيار الأطعمة التي تحمل عبارة “عضوي” أكثر من كلمة “صحي”، ويعود السب في ذلك أن هذا المنتج العضوي يخضع لنظام دقيق وتبع معايير صارمة وواضحة، إذ يعني أن المنتج عضوي بنسبة لا تقل عن 95%
على سبيل المثال، وجدت دراسة في مجلة أكاديمية مختصة في علم التغذية أن المتسوقين ينجذبون نحو تسميات مثل “الصوديوم المنخفض” و “قليل الدسم” و “انخفاض السكر”، بالرغم من أن هذه المنتجات لم تكن أكثر صحية عن غيرها من الأطعمة، وفي بعض الحالات كانت أقل صحية. تثول الدراسة أن الحساء منخفض الصوديوم قد يكون خاضع لمبادئ الهيئة الغذاء والدواء التوجيهية مقابل 140 ملغ أو أقل لكل حصة، ولكن لاتزال نسبة السعرات الحرارية أو السكريات أو الدهون مرتفعة في نفس المنتج الذي كُتب عليه “صحي” أو “طبيعي”.
عند وجود عبارة “صوديوم منخفضة ” و “صوديوم مُخقض” فهذا يعني أن العبارة الأولى هي الخيار الصحيح لأي شخص يحاول أن يقلل من تناول الملح أما العبارة الأخيرة فتعني أنه يوجد كمية من الصوديو بكمية كبيرة
لهذا يوصي خبراء التغذية باختيار الأطعمة التي تحمل عبارة “عضوي” أكثر من كلمة “صحي”، ويعود السب في ذلك أن هذا المنتج العضوي يخضع لنظام دقيق وتبع معايير صارمة وواضحة، إذ يعني أن المنتج عضوي بنسبة لا تقل عن 95% وأن المحاصيل الزراعية تزرع بطريقة طبيعية دون استخدام مبيدات حشرية أو كيميائية ولا تحتوي على أسمدة صناعية، وبالنسبة إلى المنتجات الحيوانية فتتم تربية وتغذية الحيوانات بعيدا عن استخدام الهرمونات أو المضادات الحيوية وفي بيئة مناسبة مكيفة ونظيفة، ولا يمكن أن تحتوي المنتجات العضوية على أي مكونات اصطناعية أو حافظة أو ملونة، ويمنع انتاجها أو بيعها دون أن تمر بعملية مراجعة دقيقة.
كما ينصح مستشاري علم التغذية بالانتباه على معلومات المكتوبة والتفريق بينها بذكاء، فمثلا عند وجود عبارة “صوديوم منخفضة ” و “صوديوم مُخقض” فهذا يعني أن العبارة الأولى هي الخيار الصحيح لأي شخص يحاول أن يقلل من تناول الملح أما العبارة الأخيرة فتعني أنه يوجد كمية من الصوديو بكمية كبيرة لا تقل عن 25%.
إذا كان المنتج يحاول أن يقنعك بأنه صحي فعلى الأغلب أنه ليس كذلك، فخضار البروكلي لا تحتاج لأن تقول لك هذا لتثبت فائدتها وصحتها
مثال آخر، عبارتي “خالي من السكر” مقابل “غير محلى”، فالعبارة الأولى تعني أن المنتج يحتوي على أقل من 0.5 غرام من السكر لكل وجبة ولا تحتوي على محليات اصطناعية، أما العبارة الثانية تعني أنه لم تتم إضافة أي محليات سكرية صناعية وأن المنتج يحتوي على السكر الطبيعي فيه.
يقول البروفيسور في كلية الطب في جامعة أوتاوا، يوني فريدهوف، “إذا كان المنتج يحاول أن يقنعك بأنه صحي فعلى الأغلب أنه ليس كذلك، فخضار البروكلي لا تحتاج لأن تقول لك هذا لتثبت فائدتها وصحتها”. ويضيف “إن المستهلك يتخذ قرار الشراء خلال 3 إلى 5 ثوان، فهو لا يملك كل الوقت من أجل التسوق، لذلك عبارة “صحية” هي وسيلة مباشرة وسريعة تقدم القرار الأسرع والأسهل للمستهلكين”.
ويشير فريدهوف إلى أن هذه العبارات المطبوعة على غلاف المنتجات الغذائية خدعة تسويقية، ويجب دائمًا قراءة المكونات وإن كانت تحتوي على السكر والدهون والدقيق الأبيض فمن المؤكد أنها ليست الخيار الأفضل لمن يبحثوا عن الطعام الصحي، ومن الأفضل شراء الأطعمة الطازجة وتحويلها إلى وجبات تلائم احتياجاتنا ونظامنا الصحي، دون أن نستسلم إلى الخيارات السهلة والتي عادة ما تكون خادعة لسوء الحظ.