“الفوبيا أو الخوف المرضي: مرض نفسي يُصاب به الإنسان نتيجة حادث ما أو خلل نفسي ما، وتُسبب الفوبيا شعور غير عقلاني بالخوف المفرط من شيء أو موقف ما” تعريف الفوبيا.
دأب الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ ظهوره على الساحة السياسية المصرية أن يُحير المصريين ويصدمهم من خلال كلماته التي تنطلق في خطاباته، والمصريون إزاء كلامات الرجل أنواع: فهناك المؤيدون المصفقون المصدقون المحبون، وهناك الرافضون الزاجرون المكذبون الكارهون، وهناك من المصريين من يسمعون ولا يهتمون، وهناك من يهزون رؤوسهم ولا يعون ما يقال، وهناك من تخترق الكلمات آذانهم وتأبى عقولهم وقلوبهم أن تتخيل أو حتى تتصور أن هذا الذي يقال كان يمكن أن يقال حتى في أسوأ الكوابيس التي تنطلق في أحلك الليالي السوداء.
فقد أكد الرئيس السيسي في مؤتمر شبابه الماضي أنه يجب أن يكون لدى الشعب “فوبيا” من إسقاط الدولة المصرية، ويجب أن يعمل الإعلام على هذا لحماية مصر من السقوط.
كما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسي المفكرين والإعلاميين أن يخصصوا أسبوعًا لتحذير المواطنين والتأكيد على فوبيا إسقاط الدولة المصرية!
وكذلك قال السيسي في تصريحات سابقة له إن أهل الشر وجدوا أن التكلفة المادية للحرب المباشرة مع مصر ستكون كبيرة، ولذلك رأوا أن إسقاط الدولة من الداخل أرخص لهم.
ولست هنا في مجال نفي أن مصر تواجه تحديات كثيرة وأخطار كبيرة ومؤامرات عديدة، ولكن ما أريد الحديث عنه وتسليط الضوء عليه هو كيف يمكن مواجهة تلك التحديات والأخطار والمؤامرات؟
الجماهير خرجت في نهاية التجربة مع ناصر أقوى مما كانت في بداية التجربة، ولعل ذلك عائد إلى رؤية عبد الناصر لكيفية مواجهة أسلوب “الانقلاب من الداخل”
هل تكون المواجهة عبر الحل الأمني وحده، وبخلق حالة فوبيا بعقول ونفوس المصريين كما قال الرئيس السيسي ودعا إعلامه لذلك؟ أم تكون بالعمل السياسي والتنمية الاجتماعية ورفع حالة الوعي الثقافي والسياسي للمواطن؟
ولأن الرجل وأنصاره ومؤيديه وحملة مباخره والمستفيدين منه يرون ويقولون ويؤكدون ويقسمون بأغلظ الأيمان كل دقيقة وكل ساعة وكل يوم أن مصر اليوم تشهد مؤامرات لم يسبق لها مثيل وتواجه اليوم ما لم تواجهه من قبل عبر تاريخها الطويل والممتد.
ولذلك فقد اخترت مقارنة التجربة السيساوية اليوم بتجربة مصر الناصرية التي كانت موجودة بالأمس القريب في مواجهة التحديات والأخطار والمؤامرات، لنرى الفارق في الرؤية والتعامل مع الأخطار بين البكباشي الزعيم والجنرال الرئيس.
فلقد جربت الجبهة الداخلية المصرية في عهد جمال عبد الناصر جميع أنواع التأثيرات من كل قوى المنطقة وقتها عليها، من الرجعية العربية (السعودية ومن شايعها) والإمبريالية العالمية (الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الاحتكاري كله ومعهم “إسرائيل” ومن حالفهم) بل وفي وقت من الأوقات كان معهم الشيوعية الدولية من موسكو ومن وقف في صفها وأيدهم، وبالإضافة الى كل ذلك الثورة المضادة في الداخل من يمين يهرب إلى الخلف على طريق الجهل (إخوان مسلمين)، ويسار يندفع إلى الأمام صوب المجهول (الشيوعيين) ومعهم بشاوات العهد القديم من كل صنف ونوع، ولقد جربوا جميعًا الغواية والاحتواء، ثم بذر بذور الشك والريبة بين الشعب وقيادته، والتجويع بالخنق والحصار الاقتصادي والاغتيال، جربوا إرسال التهديد تلو التهديد، جربوا المؤامرة وإرسال الأساطيل (السويس 1956) جربوا استخدام أسلوب شُرطي المنطقة (إسرائيل في حرب يونيو 1967).
هكذا كان الوضع مع عبد الناصر المعارك تلو المعارك، والمواجهات تلو المواجهات، هكذا كانت المعارك والمواجهات تختلط وتتشابك وتتلاحم، كم كانت الحرب ممتدة وعنيفة وقاسية، وكم كان الحصار خانقًا.
فكر ورؤية عبد الناصر أن الانقلاب من الداخل أو إسقاط الدولة كما يسميه السيسي اليوم ، يواجه ويُحارب بتنمية المواطن والمجتمع
لقد عاش الشعب المصري هذا كله مع قيادته التي آمن بها وأحبها لأنها أحبته بالفعل قبل القول، لأنها أقرنت القول بالعمل لصالحه هو وليس لصالح فئة بعينها، عاشه معه بحواسه كافة، عاشت معه بكل ما يمتلك من قوة وعزم وصبر وإيمان.
والعجيب أن الجماهير خرجت في نهاية التجربة مع ناصر أقوى مما كانت في بداية التجربة، ولعل ذلك عائد إلى رؤية عبد الناصر لكيفية مواجهة أسلوب “الانقلاب من الداخل” أو ما يُطلق عليه الجنرال الرئيس السيسي اليوم “إسقاط الدولة”.
كانت ثورة يوليو 1952 قد قامت في مصر، وكانت الولايات المتحدة تجهز لحصار الاتحاد السوفيتي الشيوعي عن طريق الأحلاف العسكرية بين دول المنطقة وكانت مصر من بين أهم الدول التي ترغب أمريكا إدخالها وضمها لتلك الأحلاف.
“إن مواجهة الغزو من الداخل لا يكون بالجيوش وإقامة الأحلاف بل ببناء مدارس للتعليم ومصانع للعمال، وإقامة مجتمع تسوده وتحكمه قيم المواطنة للجميع والعدالة الاجتماعية للكافة”. جمال عبد الناصر
وفي محضر المباحثات التي جرت بين وزير الخارجية الأمريكية وقتها جون فوستر دالاس ومجموعة من الضباط الأحرار في مصر ومن بينهم البكباشي جمال عبد الناصر وقتها عام 1953 في القاهرة، حاول دالاس بكل الأشكال والطرق إقناع عبد الناصر بالدخول إلى الحلف المقرر إقامته أمريكيًا من أجل حصار الاتحاد السوفيتي وقتها، ومن أجل ذلك بين دالاس لناصر أن الروس طامعون في المنطقة، ويستخدمون أسلوب الانقلابات من الداخل للسيطرة على الأنظمة التي تعارضهم أو لا تخضع لرغباتهم.
ويقول المحضر التفصيلي لهذه المقابلة إن ناصر رد على دالاس بقوله: أشرتم في حديثكم إلى الإمبراطورية الشيوعية التي تبنتها روسيا، وأشرتم إلى أن روسيا استولت بعد الحرب على شرق أوروبا وأقامت فيه حكومات موالية، وضربتم مثل تشيكوسلوفاكيا بالذات، ولنفرض أنني – لمجرد الجدل والمناقشة – سلمت بصحة ما تقولون، فهل لي أن أسأل ما تاريخ اليوم الذي زحف فيه الجيش الأحمر على تشيكوسلوفاكيا لكى يخضعها ويضمها للإمبراطورية الجديدة.
جون فوستر دالاس: إن الشيوعيين تسللوا من خلف ظهر “جان مازاريك” واستولوا على تشيكوسلوفاكيا بانقلاب من الداخل، وانتهى الأمر بأن انتحر جان مازاريك نفسه وقفز من نافذة مكتبه بعد نجاح الغزو الشيوعي في بلاده.
جمال عبد الناصر: أنا أسأل عن دور الجيش الأحمر، هل كان له دور؟
جون فوستر دالاس: أوضحت أن الغزو كان من الداخل.
جمال عبد الناصر: لذلك فإنني أرى أن الدفاع الفعال عن الشرق الأوسط في صيانة الجبهات الداخلية فيه، فإن هذه هي الجبهات، وليست جبهات القتال على الحدود، هي التي ستتعرض للغزو، الغزو من الداخل، هل أنا واضح؟
وأكمل عبد الناصر قائلًا: الدفاع عن أوطاننا ضد أسلوب الغزو من الداخل لا يتأتى إلا برفع المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للمواطن، إن مواجهة الغزو من الداخل لا يواجه بالجيوش وإقامة الأحلاف بل ببناء مدارس للتعليم لرفع المستوى العلمي والثقافي للجيل الجديد ومصانع للعمال واستصلاح مزيد من الأراضي وإقامة مجتمع تسوده وتحكمه قيم المواطنة للجميع والعدالة الاجتماعية للكافة.
أي أن المواجهة تكون بالتنمية وليس بالسلاح أو الدخول إلى الأحلاف أو استخدام إجراءات أمنية تعسفية ضد المواطنين، بذلك الطريق وحده يمكن مواجهة فكرة أو أسلوب الانقلاب من الداخل.
وأضاف عبد الناصر قائلًا: سوف أقول لك رأيي وأنت حُر بعده، قد تجد في هذه المنطقة زعيمًا أو زعماء يخدعون أنفسهم ويقبلون الذي تقول، ويشاركون على كره من شعوبهم الواعية، في مثل هذه المشروعات، ولكن ماذا ستكون النتيجة؟ الزعماء الذين ستجدهم لن تصبح لهم في أوطانهم قيمة، لأنهم سوف يفقدون زمام قيادة شعوبهم، سوف يصبحون زعماء من غير شعوب، جنرالات من غير عساكر، ذلك لأن شعوبهم لم تعد تثق بهم.
إذا وصلنا إلى هذا الحد، فإن الخطر الكبير بعد ذلك إن قيادة هذه الشعوب التي لا تثق بزعمائها سوف تنتقل إلى زعامات أخرى تحت الأرض تتجاوب مع الشعب وتعطيه من الشعارات الوطنية ما يبلور أمانيه، هكذا تجد نفسك في بلد، حكامه الظاهرون لا يحكمون فعلًا، والحكام الفعليون لا يظهرون فوق الأرض، أو بمعنى أكثر دقة حكام يعملون لك، وشعوبهم تعمل ضدك وضدهم، حكام يتلقون منك الوحي والتوجيه، وشعوبهم تبحث عن وحيها في مكان آخر بعيدًا عنهم وعنك.
ما حدث في 25 من يناير و30 من يونيو أن الجماهير خرجت للمطالبة بتغيير أوضاع لم تعد قادرة على تحملها، ثم إن تلك الجماهير بمفردها لم تكن قادرة على التغيير فنادت الجيش المصري للوقوف بجانبها واستجاب الجيش
أي أن فكر ورؤية عبد الناصر أن الانقلاب من الداخل، أو إسقاط الدولة كما يسميه السيسي اليوم، يواجه ويُحارب بتنمية المواطن والمجتمع، فالقوى الخارجية تستثير ذلك المواطن بسوء أحواله وضعف معيشته وشظف عيشته وظُلم المجتمع له، فإذا استطاع هو تحسين حياة ذلك المواطن ورفع مستوى معيشته والرقي بوعيه وإدراكه الثقافي والسياسي، يكون قد سد المدخل وأغلق الباب الذي يمكن من خلاله أن تدخل القوى المضادة المتآمرة على الوطن.
وكان عبد الناصر يردد دائمًا: “لا يستطيع أحد أن يستغل إلا ما هو قابل للاستغلال، فإذا كان لديك ضعف ما واستغله خصومك فالحق عليك أنت”.
هكذا كانت نظرة جمال عبد الناصر، وحينما قرر الإصلاح السياسي والاجتماعي فعل ذلك بتوزيع الأعباء بدرجات متفاوتة ما بين الفقراء والأغنياء.
أما اليوم فنحن نرى نظامًا يسد كل الطرق ويغلق الأبواب كافة، ويمنع ويُقصى كل الآراء التي تتحدث عن العدالة الاجتماعية، ليس ذلك فحسب بل يعمل بجد وهمة ليعيد الحاضر إلى الماضي، استبقاءً لنفوذ طبقة معينة على المجتمع وحفاظًا على ممتلكات ومكتسبات تلك الطبقة، ولعل الظروف والأمور بعد ثورة يناير تحتاج وقفة مع بعض الفئات التي شاركت في الثورة:
فهناك فئة من أبناء الثورة المخلصين من تملكته الحماسة وارتفع بخياله إلى عنان السماء وبطموحاته حتى وصل الى السماء السابعة، وعندما أطل على الواقع الحقيقي للبلد هاله ما رآه وشاهده، ورفض أن ينزل من عليائه في السماء إلى أرض الواقع، فانفصل عن الجماهير ومشاكلها، فعزل نفسه بنفسه عن الشارع الذي كان يساهم في قيادته طيلة أيام الثورة في الميدان، وبذلك يكون قد ترك الساحة بإرادته لأبناء الثورة المضادة.
وهناك من أبناء الثورة من ظل على الأرض، ولكنه أخطأ حينما قرر أن يلعب الثورة وقت السياسة، فقام في محاولة للضغط على النظام القائم بالاعتصامات وتعطيل الطرق، فاستغلت القوى المضادة للثورة تصرفاته في إظهار الثورة بأنها فوضى هدفها الهدم وليس البناء.
وهناك فئة شاركت في الثورة وعندما لاحت لهم بشائر النصر هرولوا متعجلين ليحصدوا نصيبهم في الغنائم المنظورة بدءًا من الظهور الإعلامي في الفضائيات حتى الحصول على المناصب وبريقها الجذاب، ناسين أو متناسين أو متغافلين أو طامعين عن أن النصر النهائي للثورة لا يكون بإسقاط رأس النظام بل في تحقيق أهداف الثورة.
وهناك من راقبوا الثورة من بعيد حتى يروا ما الذي سيكون عليه موقفهم، وحينما رأوها تكاد تنتصر قفزوا على ظهور الشرفاء من أبنائها كالعادة ليحصلوا مكاسب لم يساهموا في صنعها.
الثورة المضادة تريد من الناس أن يصدقوا أن الثورة فوضى، ومن شارك فيها إما متآمرين مع جهات خارجية ومن ثم يكونون خونة للوطن أو مدمنين مخدرات أو منحلين باحثين عن المتعة الحرام في خيام الاعتصام
ولكن بعد فترة من ظننا بأننا نجحنا وأن الثورة انتصرت، ورفعنا للأعلام وإنشادنا للأناشيد، فجأة تبددت الآمال التي كانت الأصابع تتصور أنها أطبقت عليها ووجدنا:
أن هناك فئات ممن شاركت في الثورة خُلعت قلوبهم من وعورة الطريق الثوري الصعب وفضلوا عليه الطريق الناعم المزركش بالمناصب والمنافع، وبعضهم الآخر لم يكن الطريق الثوري يلائم مصالحه من الأساس فتوقفوا عن السير وقاموا بالمشاركة مع آخرين في طعن الثورة في الظهر بخنجر مسموم، وبعضهم الآخر لم يجد من الإيمان بالنفس داخله ما يحفزه على المضي والاستمرار إلى نهاية الطريق.
وكانت النتيجة الأخيرة مأساة حقيقية، فالثورة المضادة تضرب الثورة، ثم تسبق بالشكوى، والثورة المضادة تطعن الثورة في ظهرها ثم تستدر الدموع ندية سخية على الحال الذي وصلت إليه البلاد والعباد من جراء الفوضى المسماة ثورة.
والثورة المضادة تريد من الناس أن يصدقوا أن الثورة فوضى، ومن شارك فيها إما متآمرين مع جهات خارجية، ومن ثم يكونون خونة للوطن، أو مدمنين مخدرات أو منحلين باحثين عن المتعة الحرام في خيام الاعتصام.
والثورة المضادة تريد من الناس أن يصدقوا كل ذلك، ووسيلتهم إلى هذا أن يكذبوا ويكذبوا ويصرخوا ويصخبوا ثم تتهدج أصواتهم وتترقرق عبراتهم وتصبح حكايتهم لا أول لها ولا آخر.
وفى وجه ضرباتهم، وأمام طعناتهم، وفى وسط الصراخ والصخب والدموع سقطت الثورة مغشيًا عليها، والدليل على ذلك أنها أتت باليمين الديني الرجعى كي يقودها إلى مبتغاها ومناها في مستقبل زاهر سعيد.
ولست أعرف كيف كان في استطاعة الجماهير أن تحتفظ بثباتها، وهى ترى اليوم الذي تصوروه، يوم النصر الوطني، يتحول ليصبح يوم الانكسار الكبير، ثم وهم يرون الذين استنجدوا بهم ليحاربوا معهم، يعطونهم ظهورهم ويذهبون إلى الناحية الأخرى.
ولعل كثيرون تساءلوا عن طبيعة موقف وعلاقة الجيش بثورتي 25 من يناير و30 من يونيو؟
ولعلني أحاول الإجابة بتلخيص دور وعلاقة الجيش بالشعب منذ 25 من يناير وحتى 30 من يونيو كالتالي:
إن ما حدث في 25 من يناير و30 من يونيو أن الجماهير خرجت للمطالبة بتغيير أوضاع لم تعد قادرة على تحملها، ثم إن تلك الجماهير بمفردها لم تكن قادرة على التغيير فنادت الجيش المصري للوقوف بجانبها واستجاب الجيش، بغض النظر عن النوايا الحقيقية لكل من الطرفين الجماهير والجيش.
إن الجماهير بمفردها لم تكن قادرة على فرض التغيير أو إزاحة كلا النظامين (مبارك -مرسى) لأنها لم تكن تملك القوة الكافية في تلك المرحلة من التطور الاجتماعي ولو كانت فعلت لكانت دخلت في مواجهات كانت ستكلفها الكثير من الخسائر، وقد أشفقت على نفسها منها.
وكذلك الجيش لم يكن يستطيع التدخل بمفرده لفرض التغيير دون خروج الجماهير وندائها عليه ومطالبتها إياه بالتدخل لحماية مطالبها من بلطجية الحزب الوطني ومليشيات الإخوان، لأنه لوكان فعل ذلك دون طلب من الجماهير لعُد ذلك انقلابًا على السلطة الشرعية المنتخبة ديموقراطيًا على الفور، أي أن ما حدث في يناير وحتى يونيو أن قوة الجيش التي خرجت استجابة لنداء الجماهير، واستخدمت قوتها لفرض مطالب الجماهير الواسعة التي خرجت للميادين.
ثم إن “القوة” التي استخدمها الجيش تحولت الى “سُلطة” بتولي قائد ذلك الجيش زمام الأمور في البلاد وجلوسه على كرسي العرش! بعد 30 يونيو، وفي انتخابات لم يكُن له فيها منافس حقيقي في ظل تسخير جميع وسائل الإعلام لحشد الجماهير لذلك المرشح الجنرال عبد الفتاح السيسي، والحق يقال بأن القطاع الأوسع من الجماهير كان يريده في ظل حالة من الكفر بكل النُخب المُزيفة.
ثم إن قطاعًا عريضًا من الجماهير المصرية الواسعة تعامل مع الرجل واللحظة الزمنية وقتها على حسب تعريف “التفاؤل” الذي يقول: “بأن المتفائل هو شخص يتعلق بالأمل على حساب التجربة”، التجربة تقول له: كفانا بينما الأمل يقول: فلنحاول.
هناك كل يوم مع كل قرار أو تصريح للرئيس أسباب حقيقية للخلاف مع قطاع عريض من الشعب المصري، والحاصل أن أوجه الخلاف أصبحت تتسع ولا تضيق
وكان قرار الأغلبية من الشعب المصري: فلنحاول من جديد عل الجنرال المخابراتي السيسي يكون أفضل من سابقيه الدكتور الفضائي مرسي والجنرال الطيار مبارك! هذه هي الصورة بكل ما فيها من سخرية الواقع الحزين وعبث الأقدار الأليم!
وبعد مرور تلك المدة من تولي السيسي الحكم تدفقت مياه كثيرة تحت الجسور وتغيرت أحوال وتبدلت مواقف واختلفت ظروف وأفعال.
ووسط غضب وسخط الغالبية العظمى من الشعب المسكين من سياسات النظام وقرارات حكومته التي لا يعبأن بالفقراء المعدمين، ويُصران على أن يقتلوه كمدًا وفقرًا ويعذبوه بالدين الذي أصبح لا يطاق.
وفي البداية بدأت الرياح التي كانت تهب من قصر الاتحادية تُلقى علي الشعب المصري ألواناً وأشكالاً من الوسـاوس والمخاوف والشكوك! وخصوصًا في مسألة تحمل تكاليف الإصلاح الاقتصادي المزعوم، وانحياز سياسات الرجل للأغنياء ضد الفقراء.
ثم إن الأخبار التي بدأ يسمعها الشعب والقرارات والأفعال التي يراها صادرة من الرئيس وحكومته كانت تنزع الاطمئنان من صدره، لتغرس الأشواك بدلاً منها، وكان أكبر الأشواك المغروسة في قلوب ونفوس وعقول المصريين اتفاقية تسليم جزيرتي صنافير وتيران للسعودية.
وأصبح هناك كل يوم مع كل قرار أو تصريح للرئيس أسباب حقيقية للخلاف مع قطاع عريض من الشعب المصري، والحاصل أن أوجه الخلاف أصبحت تتسع ولا تضيق، وتكبُر ولا تصغر، و تزيد بدلاً من أن تقل، ومن ثم زادت احتمالات التصادم وقلت إمكانية التفاهم وذلك ليس خطأ فقط بل خطر أيضًا وأمر مخيف على حاضر الوطن ومستقبل أبنائه.
وفي النهاية لعله يأتي اليوم الذي يقول الرئيس السيسي لشبابه الذي يجمعهم حوله كل شهر تحت شعار “اسأل الرئيس”، ليقول لهم ما قاله الرئيس الأسبق مبارك للدكتور خالد جمال عبد الناصر النجل الأكبر الزعيم (حسب ما يروى الأستاذ محمد حسنين هيكل): “كانت نصيحة مبارك لخالد قُرب نهاية اللقاء قوله: “اسمع يا ابنى: تبسبس آه، تهلس آه، لكن تسيِّس لأ”!
وترجمة القول: “تبسبس” من بيزنس (Business) ـ و”تهلس” (مفهومة دون ترجمة)، وتسيِّس (من السياسة)! وبالتالي فالحكمة المقصودة هي أن كل المجالات حلال، وأما مجال السياسة فهو الحرام شخصيًا.