كيف ستصمد قطر في حال استمرار الأزمة الخليجية لمدة طويلة؟

1024400562

أمهلت منظمة التجارة العالمية مهلة 60 يومًا لإجراء مشاورات بين كل من قطر الدولة التي اشتكت للمنظمة ضد دول الحصار التي فرضت حصار بحري وبري وجوي على قطر في 5 يونيو/حزيران الماضي. وتعتبر هذه المهلة فترة لمناقشة المسألة وإيجاد حل مرض دون المضي قدما في التقاضي”، لكن “بعد 60 يوما، إذا أخفقت المشاورات في حل النزاع، يجوز لصاحب الشكوى أن يطلب من هيئة قضائية الفصل فيها”.

وأردفت منظمة التجارة أن المشاورات الثنائية بين الطرفين هي المرحلة الأولى من التسوية الرسمية للمنازعات وهي تتيح للطرفين فرصة لمناقشة المسألة وإيجاد حل مرض دون اللجوء إلى التقاضي.

مع استمرار أمد الأزمة لستين يومًا وعدم ظهور ملامح حل في الأفق تنبئ بانتهاءها في وقت قصير، اتخذت قطر وسائل عديدة لكسر الحصار والصمود إثر توقعات باستمرار الحصار لفترة طويلة.

قطر تسعى لاستدامة علاقاتها الاقتصادية مع دول العالم

أشارت تقارير عديدة إن الحصار الذي فرض على قطر سمح لها بفتح ممرات تجارية جديدة مع دول حول العالم حيث تمكنت من توسيع علاقاتها التجارية مع العديد من دول العالم. بل وتعتبر قطر إن هذه المرحلة حساسة وهامة وتمثل بالنسبة لقطر مرحلة جديدة، لأن النجاح فيها سيمكن قطر من ترسيخ مكانتها على خريطة الاقتصاد العالمي وتحقيق استقلالها وأمنها الاقتصادي كما أشار لذلك وزير الاقتصاد والتجارة القطري الشيخ أحمد بن جاسم آل ثاني.

وتابع الوزير آل ثاني، أثناء افتتاح أعمال منتدى “لقاءات العمل الثنائية التركية القطرية” في ولاية إزمير التركية أن “قطر تمكنت من كسر الحصار في غضون ساعات من خلال تفعيل استراتيجياتها وخططها الاستباقية التي وضعتها منذ سنوات طويلة للتصدي لمواجهة أية أزمات محلية أو عالمية”، حسبما نقلت عنه وكالة الأنباء القطرية الرسمية.

تكمن أسوأ السيناريوهات بالنسبة لقطر في حال تم عرقلة شحن الغاز القطري وهذا أمر سيكون بمثابة تصعيد عال من قبل دول الحصار، وسيقود إلى تدخل من قبل الدول المستوردة للغاز القطري وحلفاء قطر لمنع حصول هكذا أمر.

ومنذ بدء الأزمة، افترضت دول الحصار أن تطبيق ضغط على قطر عبر حصارها بريًا وبحريًا وجويًا، سيؤدي لرضوخ قطر لقائمة المطالب المقدمة من تلك الدول، وراهنت على أزمة غذائية تخلو فيها الرفوف من المنتجات، والآن بعد انقضاء نحو شهرين يؤكد المعنيون أن هذا التصور بعيد  المنال وأن هناك خُططا مدروسة تحول دون وقوعه.

فبعد مضي 60 يومًا على االحصار، عملت قطر على خطط طويلة الأمد تنفذ بالتوازي مع الخطط العاجلة من أجل منع أي نقص في الأسواق القطرية. وسعت قطر أيضًا لتوطيد علاقاتها الاقتصادية مع بعض الدول حول العالم لكسر الحصار والتغلب عليه واليوم تسعى لاستدامة هذه العلاقات تحوطًا لاستمرار الحصار إلى أمد غير معلوم. ومن أمريكا إلى أوروبا إلى الدول الإقليمية، سعت قطر لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع تلك الدول. 

وبالتوازي مع المسار السياسي الدبلوماسي الذي يقوم به وزير الخارجية والوزارات المعنية بتقديم شكاوي ضد المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بأضرار قطر بسبب الحصار. كما حصل لدى رفع قطر شكوى لمنظمة التجارة العالمية، وشكوى للمنظمة الدولية للطيران المدني، كما شُكلت لجنة للمطالبة بتعويضات عن أضرار الحصار للقطاعين العام والخاص.

أما على الصعيد الدولي، فقد عملت على توقيع صفقة شراء مقاتلات إف- 15 مع الولايات المتحدة بقيمة 12 مليار دولار، كما توصلت كل من قطر وألمانيا، لاتفاق يتيح فتح قطر ملفاتها أمام الاستخبارات الألمانية، وفي آخر الصفقات القطرية في خضم الأزمة الخليجية، عمدت قطر لتوقيع صفقة مع إيطاليا بقيمة 5 مليارات يورو لشراء سبع قطع عسكرية بحرية من إيطاليا، سيتم البدء بها ابتداءًا من العام المقبل في إطار بنود العقد المبرم عام 2016.

ومن الدول التي تسعى قطر أن يكون لها دور كبير في تجاوز الأزمة، تركيا، والتي تعد أحد الدواعم الرئيسية التي ساهمت في درء السوء عن قطر بسبب الحصار، بالأخص بعد إعلان تركيا إرساء القاعدة العسكرية التركية في قطر وتعزيزها بالمعدات والجنود الأتراك.

تسعى قطر عبر التقارب الحاصل بين قطر وتركيا وإيران، لتفعيله بشكل أكبر ليصبح أكثر استدامة لها مع استمرار الحصار وطول أمده

إضافة إلى الجانب الاقتصادي، حيث زادت الصادرات التركية للدوحة زادت بنحو 15% الشهر الماضي وارتفعت الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، لتتعدى 35 مليار دولار. وحققت الصادرات التركية من المنتجات والسلع إلى دولة قطر خلال شهر حزيران/ يونيو الماضي، ارتفاعًا وصل إلى 51.5%، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي. حيث بلغت قيمة الصادرات التركية نحو 53.5 مليون دولار بحسب مجلس المصدرين الأتراك.

وأرسلت تركيا نحو 200 طائرة و16 شاحنة وسفينة واحدة، تحمل مياها ومنتجات حيوانية وفواكه وخضرًا لقطر، منذ بداية الحصار، ولا تزال عمليات التصدير مستمرة، وسط توقعات بزيادتها وتنوعها، لتشمل مواد البناء، بعد اللقاءات المستمرة بين رجال الأعمال والمسؤولين من كلا البلدين.

إلى ذلك اعتمدت قطر أيضًا أحد أهم البدائل في مواجهة الأزمة، وهي توطين الكفاءات العليا، وأصحاب الخدمات الجليلة في قطر عبر منحهم إقامات دائمة، حيث وافق مجلس الوزراء القطري على مشروع قانون بشأن بطاقة إقامة دائمة لغير القطريين، تُمنح بضوابط لعدد من الفئات، من بينهم “الذين أدوا خدمات جليلة للدولة، وذوو الكفاءات الخاصة التي تحتاج إليها الدولة“.

وستمنح بطاقة الإقامة الدائمة بحسب وكالة الأنباء القطرية، حامليها عددًا من الامتيازات، “والتي تتمثل في معاملتهم معاملة القطريين في التعليم والرعاية الصحية في المؤسسات الحكومية”. كما “تمنحهم الأولوية في التعيين بعد القطريين في الوظائف العامة العسكرية والمدنية”. كما يكون لحامل تلك البطاقة “الحق في التملك العقاري وفي ممارسة بعض الأنشطة التجارية من دون شريك قطري، وذلك وفقاً للقرارات التنفيذية التي سيصدرها مجلس الوزراء وفقاً لأحكام هذا القانون”.

علاقات ثلاثية بين قطر وتركيا وإيران

تسعى قطر عبر التقارب الحاصل بين قطر وتركيا وإيران، لتفعيله بشكل أكبر ليصبح أكثر استدامة لها مع استمرار الحصار وطول أمده. حيث عطَّلَ حظر النقل، الذي فرضته دول الحصار، على الطرق التجارية لقطر، مؤثرًا على واردات حيوية مثل الطعام ومواد البناء. علمًا أن لقطر حدود برية مع السعودية فقط، بينما توجه جزءًا كبيرًا من بضائعها عبر الموانئ في الإمارات.

وقبل فرض العقوبات كانت قطر تستورد نصف إلى أكثر من ثلثي سلعها وخدماتها عبر معبر سلوى مع السعودية وعن طريق الموانئ الإماراتية. وأُجبِرَت خطوط الطيران القطرية على إعادة توجيه رحلاتها لتتجاوز المناطق المفروض عليها حظرٌ في المجال الجوي، ما يزيد من طول الرحلات وتكلفتها. وباستثناء مصادر الطاقة تستورد إمارة قطر تقريبا جميع مستلزمات الحياة اليومية من أغذية وأدوية وألبسة ومواد بناء وأدوات منزلية وغيرها الخارج. ولولا نجدة تركيا ونوعًا ما إيران، عن طريق إقامة جسر جوي شكلت عموده الفقري الخطوط الجوية القطرية لحصلت كارثة حقيقية في الإمدادات الحيوية.

من المقرر أن يشارك اليوم وزير الاقتصاد القطري والتركي مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني حسن روحاني، والاجتماع مع المسؤولين الإيرانيين بهدف إقامة علاقات ثلاثية تتناول مسألة النقل والتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن.

ومن المتوقع أن قطر استهلكت في الفترة الماضية جزءًا من الاحتياطيات المالية والاستتثمارات الأجنبية التي تصل قيمتها إلى نحو 300 مليار دولار بعد الصدمة التي حصلت في الأسواق جراء الأزمة الخليجية. بإمكان قطر تعويض الخسائر التي تمنى بها بسبب قطع الإمدادات وارتفاع تكاليف المنتجات والخدمات الموردة من تركيا وإيران مقارنة مع السعودية والإمارات، عبر احتياطاتها المالية الضخمة، ولكن لمنع استنزاف تلك الاحتياطيات تدفع قطر إلى حلول خلاقة أكثر عملية عبر فتح طرق بحرية وبرية أخرى تخفف من تكاليف النقل لينعكس تكاليف المنتجات الموردة.  

ولتوطيد العلاقة مع البلدين أكثر، عقدت الخميس الماضي فعاليات ملتقى الأعمال القطري – التركي في مدينة أزمير التركية، وتم خلال الملتقى الاتفاق على تعزيز التعاون، سواء في مجالات التصدير أو الإنتاج المشترك، إضافة الى التعاون في النقل البحري بشكل خاص، وتم الكشف عن افتتاح خط بحري جديد من ميناء طارجة قرب اسطنبول إلى ميناء حمد بحيث يساهم هذا الخط في تقليل زمن الرحلة من شهرين إلى 8 أيام فقط، ما سيقلل أيضًا كلفة الشحن.

وفي هذا السياق ذكر وزير الاقتصادي التركي، نهاد زيبكجي، في تصريحات له للأناضول أمس الجمعة 4 أغسطس/آب، نرغب بشكل ثلاثي من العلاقات بين تركيا وقطر وإيران، لبحث مسألة نقل المنتجات إلى قطر بشكل عملي وبأقل تكلفة والتوصل إلى اتفاق.

وأشار الوزير أنهم يبحثون عن بدائل مختلفة للتجارة الخارجية مع قطر عن طريق البر، مشيرًا إلى أن أسهلها ستكون عبر إيران. ومن المقرر أن يشارك اليوم وزير الاقتصاد القطري والتركي مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس الإيراني حسن روحاني، والاجتماع مع المسؤولين الإيرانيين، بهدف إقامة علاقات ثلاثية تتناول مسألة النقل والتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن.

زادت الصادرات التركية للدوحة بنحو 15%  الشهر الماضي وارتفعت الاستثمارات المتبادلة بين البلدين، لتتعدى 35 مليار دولار.

وإلى عدم إمكانية استدامة استخدام طائرات الشحن لنقل المنتجات كما ذكر الوزير، مؤكدًا مواصلة نقل بعض المنتجات جوًا، ولاسيما الحليب ولحم الدجاج الطازجين. وتابع الوزير أنه “سيكسب النقل عن طريق البحر أهمية، ونخطط إرسال 4 سفن كبيرة على الأقل إلى قطر شهريًا. أما البديل الآخر فهو النقل عن طريق البر لنقل طرود مرنة وصغيرة. ونفكر ببدائل مختلفة وأسهلها هي الإرسال عبر إيران”.

ومن المتوقع أن تحظى تركيا بعقود أكثر في الفترة المقبلة فيما يخص البناء والتطوير العقاري وبالأخص في مشاريع كأس العالم 2022 الذي تستضيفه قطر. حيث فازت أول من أمس، شركة إنشاءات تركية، وهي شركة “تكفين إنشاءات” بعقد مشروع في قطر بقيمة 200 مليون دولار، خاص بإنشاء طريق ويستكمل المشروع خلال 27 شهرًا.

وكانت قطر وتركيا قد صادقتا الخميس الماضي، على مذكرة تفاهم في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، تشمل تبادل الخبرات التقنية ونتائج الأبحاث العلمية في هذين القطاعين. وسيعمل البلدين على تشجيع التعاون الاستثماري بين المؤسسات والشركات الخاصة المعنية في مجال التسويق الزراعي. ونصت المذكرة على تعاون الطرفين في مشاريع مشتركة في مجال الري وحماية النباتات وإقامة المختبرات البيطرية، فضلاً عن تأسيس لجنة توجيهية زراعية مشتركة لمراقبة سير التعاون وتقييمه، وستعقد اللجنة اجتماعاتها بشكل دوري في كلا البلدين.

أخيرًا فإنه حتى مع استمرار الحصار لفترة طويلة، فإن استمرار تدفق الغاز الذي يعد شريان الحياة بالنسبة لقطر حيث تشكل صادرات قطر من الغاز والنفظ نسبة 80% من عائداتها، وإذا لم تحصل هناك أي اختناقات في شحن الغاز الطبيعي المسال إلى دول العالم حيث تعد تتربع قطر على عشر مصدريه فإن طول فترة الحصار لن يؤثر سوى إيجابًا على قطر عبر تعزيز قدراتها المحلية أكثر والاستعداد أكثر لمستقبل مستدام.

فيما تكمن أسوأ السيناريوهات لقطر في حال تمت عرقلة شحن الغاز القطري وهذا أمر سيكون بمثابة تصعيد عال من قبل دول الحصار، وسيقود إلى تدخل من قبل الدول المستوردة للغاز القطري وحلفاء قطر لمنع حصول هكذا أمر.

في حال استثناء سيناريو عرقلة خطوط الغاز من قبل دول الحصار، فإن قطر ماضية في تطوير اقتصادها واستدامة مواردها عبر مجموعة من الدول التي تربطها بها علاقات تجارية متينة، فيما ستكون دول الحصار على مسافة واحدة من خسارة إيرادات التصدير إلى بلد، يعد امتداد طبيعي وجغرافي لها، فضلا عن أن قطر ستظهر بمظهر منتصر بسبب كسرها للحصار المفروض عليها.

تعد العلاقات بين تركيا وقطر بشكل خاص وإيران من حهة أخرى، من أهم البدائل التي أسهمت في التخفيف من حدة الأزمة الخليجية على قطر والتي من المتوقع أن تستمر إلى أمد غير معلوم. إضافة إلى الإجراءات المحلية التي اتخذتها قطر من رفع الشكاوى للمنظمات الدولية وتشجيع الاستثمارات المحلية وإقرار تشريعات جديدة كنوع من تشجيع المستثمرين وأصحاب الكفاءات على الاستقرار في قطر، والاستمرار في الخط السياسي الدبلوماسي الداعي لتغليب لغة الحوار والرافض لأي إملاءات من قبل دول الحصار على قطر.