عاشت أوكرانيا نهاية الأسبوع الماضي أكثر أيام تاريخها دراماتيكية، إذ أدت المواجهة الدامية التي عاشها ميدان التحرير في العاصمة كييف إلى تصاعد موجة الاحتجاجات جعلت الرئيس فيكتور يانوكوفيتش يغادر قصره مخلفا خلفه فراغا سياسيا كبيرا سيقلب الموازين الجيوسياسية القائمة بين روسيا والاتحاد الأوروبي.
وأمام مشهد هروب الرئيس يانوكوفيتش، وأمام لحظة انسحاب قوات الأمن المفاجئ من العاصمة كييف، وجب طرح التساؤلات التالية:
من سيمثل الشرعية؟
هل هناك أمل في الحفاظ على أوكرانيا موحدة؟
كيف سيتمكن الأوكرانيون من الحد من التأثير الروسي والأوروبي؟
والمعلوم هو أنه لا يحق لأي طرف سياسي أن يدعي أن له شرعية قيادة المرحلة القادمة، فالمعارض التقليدي ليانوكوفيتش هو حزب “فاذر لاند” خرجت رئيسته يوليا تيموشنكو، الرئيسة السابقة لأوكرانيا، خرجت من الحكم في سنة 2010 بعد انتخابات لم يدعي أحد أنها مزورة ولم تقاطعها المكونات السياسية للبلاد.
ومن المكونات الأخرى للائتلاف المعارض، نجد أوليه تياهنيبوك، رئيس حزب سفوبودا(قومي)، والذي كان القوة التي تصدت لقوات يانوكوفيتش، إذ انضمت قوات الشرطة المنتمية لمدينة ليفيف (مدينة حزب سفوبودا) للمتظاهرين في العاصمة وتصدت للقوات الخاصة التي حاولت قمع المتظاهرين.
وأما المكون الثالث للمعارضة فهو بطل الملاكمة السابق، فيتالي كليتشكو، الذي يترأس التحالف الديمقراطي للتغيير، والذي حصل على مصداقية وشعبية كبيرة في الأسابيع الماضية بقيادته للمفاوضات التي جرت مع يانوكوفيتش.
وبينما لم تعلن الأحزاب المعارضة إلى الآن عن خطتها لحكم البلاد خلال الفترة القادمة، يبقى الغموض قائما حول ما إذا كان هناك صيغة يمكن أن تحكم من خلالها أوكرانيا في الفترة القادمة، خاصة في ظل التزام مائة برلماني من أنصار بانوكوفيتش للصمت حيال هذه التطورات.
عدم توازن جيو سياسي:
تشهد أوكرانيا انقساما حادا بين شقيها الشرقي والغربي، إذ يتجه المواطنون المقيمون في غرب أوكرانيا والمنتمون إلى الأغلبية الكاثولوكية، صوب أوروبا مطالبين بشراكة اقتصادية حرة معها، في حين يتجه الأوكرانيون المقيمون في المدن الشرقية ومعظمهم من الأرثوذكس الذين يتكلمون الروسية صوب روسيا ويطالبون بتوطيد العلاقات معها.
ونتيجة هذا الانقسام، هي أن نصف الأوكرانيين احتفلوا بالأمس بسقوط يانوكوفيتش وبقرب انطلاق صفحة جديدة من العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، في حين لازال النصف الآخر من الشعب يطالب بعودة يانوكوفيتش ويرفض “الثورة” وما نتج عنها، ويطالب الكرملين الروسي بالتدخل للدفاع عن أوكرانيا وإعادة يانوكوفيتش.
في نفس الوقت، وعلى مستوى أكبر من أوكرانيا، وفي حال استمرار غلبة أوروبيي أوكرانيا على أنصار يانوكوفيتش، سيخسر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورقة جيوسياسية هامة طال ما استخدمها لفرض سياساته في المنطقة، وبخروج هذه الورقة من يد بوتين واقترابها من الاتحاد الأوروبي، ينتظر أن تتغير الموازين ليس في أوروبا فقط وإنما في أوروبا وآسيا، خاصة ونحن نعلم أن معظم الغاز الروسي المصدر نحو الغرب يمر من أوكرانيا.
وفي انتظار التغيرات التي ستأتي بها الأيام القادمة، وفي انتظار أن تحدد أوكرانيا بوصلتها صوب إحدا الوجهتين أوروبا أو روسيا، يبقى الأمر الثابتة هو أن الاتحدا الأوروبي استطاع أن يقف في وجه روسيا وأطاح بأقوى حلفائها لمجرد رفضه لعقد اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.
المصدر: الجزيرة الانجليزية