قال رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر حاليًّا تحتاج إلى 6 سنوات لحلها بشكل كامل، حتى تستعيد الدولة مسار النمو الذي يحلم به كل مواطن، لافتًا إلى أن الحكومة وضعت خطة ثابتة لهذا الهدف تنتهي بحلول 2030.
وحمّل مدبولي ما أسماه “الاضطرابات السياسية” المحيطة ببلاده، مسؤولية إرهاق كاهل الدولة بمزيد من الأعباء الإضافية الجديدة، منوهًا إلى أن العالم كله يموج بنفس المشكلات والاضطرابات، جاء ذلك خلال احتفالية تسليم أول ثلاثة أبراج إدارية، ضمن منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، أحد المشروعات العملاقة التي استنزفت رصيد مصر الدولاري.
رئيس الوزراء مصطفى مدبولي يقول في لقاء متلفز إن مصر تحتاج 6 سنوات من الآن لاستعادة مسار النمو الذي كانت عليه قبل الأزمة العالمية pic.twitter.com/K32xoAtx9l
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) January 15, 2024
يبدو أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ليس وحده الذي يجيد لغة الوعود وتسويف الأحلام والأماني والنجاحات التي تبناها منذ اليوم الأول لولايته الأولى عام 2014، فالحكومة وعلى ولسان رئيسها ووزرائها يسيرون على نفس النهج، حتى إن كان ذلك بأوامر عليا من القيادة السياسية.
تصريحات مدبولي أحدثت حالة من الصدمة والإحباط لدى الشارع المصري الذي كان يؤمل نفسه بتحسن نسبي في الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها منذ سنوات مع بداية الولاية الثالثة للسيسي، لا سيما أنه دفع كلفة الإصلاح الاقتصادي المزعوم أثمانًا باهظة على مدار السنوات التسعة الماضية، تقشف وتصفير للدعم وبطالة وتضخم وتهاوي لقيمة العملة المحلية (الجنيه).. فإلى متى يتحمل المصريون تلك الوعود؟ ولماذا لا يمل النظام من لغة التسويف المستهلكة دون تجديد؟
مطالبًا المصريين بالصبر.. 10 سنوات من الوعود
– بدأ السيسي عهده بخطاب عاطفي يتناغم مع رؤيته التي تغيب عنها دراسات الجدوى والإستراتيجيات العلمية المعروفة، مكتفيًا بالوعود البراقة بشأن تحسين أوضاع المصريين مبكرًا، حتى قبل توليه السلطة، فخلال حملته الانتخابية وعلى هامش لقاء متلفز له مع عدد من الإعلاميين في 6 مايو/أيار 2014 (قبيل توليه السلطة بقرابة شهرين) قال: “المواطن سوف يشعر بتحسن خلال عامين، تحسن في الاقتصاد والتعليم والصحة في حياته عامة”، دون أن يوضح الآلية والكيفية والأدوات التي يمكنه من خلالها ترجمة تلك التعهدات إلى واقع مُعاش.
– في العام ذاته وبعد استلامه مقاليد الحكم، أشار السيسي إلى أن عام 2015 وهو العام الأول للحكم سيكون “عام الرخاء”، حيث يتلمس المصريون الفارق الواضح في المستوى، تزامن ذلك مع مشروع قناة السويس الجديدة التي جمع حينها نحو 65 مليار جنيه من المصريين، (9 مليارات دولار آنذاك)، وقتها قال الرئيس إن هذا المشروع سيجعل المصريين من أغنياء العالم خلال عام واحد فقط، وذلك قبل أن يعترف لاحقًا أن المشروع برمته كان بهدف رفع الروح المعنوية للشعب بعدما فشل في تحقيق الهدف الاقتصادي منه.
– وقبل نهاية عام 2014 وخلال افتتاح مشروعي مطار الغردقة الدولي والميناء البحري، طالب السيسي المصريين بالصبر عليه لمدة عامين، قائلًا: “أيها المصريون البسطاء! اطمئنوا يا مصريين؛ خلال عامين سترون النتائج”.
– في 28 ديسمبر/كانون الأول 2016، وهو الموعد المحدد مسبقًا لتحسن الأوضاع ورؤية النتائج المبهرة، إذ بالرئيس يجدد طلب مهلة جديدة للمصريين بالصبر، لكنها هذه المرة 6 أشهر، أي في منتصف عام 2017، حيث تعهد أن الأمور ستكون أفضل كثيرًا، ومرت الأشهر الست ومن بعدها ستة أخرى وما زال المصريون ينتظرون.
– في 24 يوليو/تموز 2018، جدد السيسي الطلب مرة أخرى، حين قال: “اصبروا وسترون العجب العجاب في مصر”، لكنه لم يحدد سقفًا زمنيًا لهذا الصبر، إلا أنه وقبل نهاية العام وعد بأن مصر في 30 يونيو/حزيران 2020 ستكون “دولة ثانية” على حد قوله.
– رافق السيسي في تلك الوعود البراقة التي خدر بها الشعب طيلة تلك السنوات بعض أعضاء حكومته وأجهزته المالية والمصرفية، كما جاء على لسان محافظ البنك المركزي المصري – آنذاك – طارق عامر في 27 يناير/كانون الثاني 2017، حين وعد المصريين بتحسن الأوضاع وأن الدولار سيستقر عند سعر 8 جنيهات خلال شهرين.
– وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2017، عزف وزير التموين والتجارة الداخلية علي مصيلحي على ذات الوتر، حين أكد أن عام 2018 سيكون أفضل اقتصاديًا للشعب المصري من حيث تحمل الأعباء الاقتصادية والكلفة التي يدفعها لتمرير برنامج الإصلاح الاقتصادي.
– في 3 يوليو/تموز 2018، تعهد رئيس الحكومة مصطفي مدبولي، بأنه خلال عامين فقط – أي بحلول 2020 – سيشعر المصريون بنتائج الإصلاح، منوهًا إلى أن الحكومة لن تترك شخصًا واحدًا فقيرًا، وأن الأمور ستصبح أفضل مما يتمناه الشعب في هذا العام الذي كان قد تعهد السيسي سابقًا بأن مصر ستكون فيه “دولة تانية”.
هذا حال المصريين بعد تلك الوعود
من عام الرخاء في 2015 إلى عامي النتائج المبهرة في 2016 و2017 مرورًا بالعجب العجاب في 2018، وصولًا إلى “دولة تانية” في 2020، ماذا حصد المصريون من تلك الوعود؟ وهل أوفى الرئيس وحكومته بما تعهدوا به أمام الشعب المصري الذي طالبوه بالصبر والتحمل ودفع كلفة الإصلاح الاقتصادي على مدار عشر سنوات كاملة؟
أولًا: تهاوت العملة المحلية إلى مستويات قياسية، من 6 جنيهات للدولار عام 2014 إلى 31 جنيهًا للدولار عام 2023 (ويصل السعر في السوق السوداء اليوم إلى نحو 55 جنيهًا للدولار)، وهو ما انعكس بطبيعة الحال على القيمة الشرائية لرواتب المصريين وأجورهم، ومن ثم على أسعار السلع والخدمات، إذ وصل حجم التضخم إلى معدلات لم تعرفها مصر قبل ذلك، فضلًا عن آتون الفقر الذي زُج إليه عشرات الملايين من المصريين.
ثانيًا: قفزت الديون الخارجية من 41.7 مليار دولار حين تولى السيسي الحكم إلى 165 مليار دولار بنهاية عام 2023، بما يمثل نحو 40.3% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وتستنزف خدمات الدين وفوائده وأقساطه الجانب الأعظم من موازنة الدولة التي يفترض تخصيصها لتلبية احتياجات المواطنين.
الدين الخارجي قصير الأجل لمصر يسجل أعلى مستوياته للربع الأول من السنة المالية 2023-2024https://t.co/6iqmJXmB1T#بانكير pic.twitter.com/hpTnopD9KW
— بانكير – Banker (@BANKER__NEWS) January 15, 2024
ويمثل هذا الرقم الهائل للدين الخارجي سكينًا فوق رقبة الاقتصاد المصري لعدة سنوات قادمة، ففي العام الحاليّ 2024 مصر مطالبة بسداد 29 مليار دولار، وفي عام 2025 مطالبة بسداد 19.4 مليار دولار، ثم في العام التالي 2026 مطالبة بسداد نحو 22.8 مليار دولار، أقساط وفوائد دين.
ثالثًا: هروب الاستثمارات الأجنبية من مصر، نتيجة السياسات الاقتصادية والمالية الخاطئة، والتي ثبت فشلها على مدار سنوات دون رؤية واضحة أو نية حقيقية لتغييرها أو إعادة النظر فيها، وهو ما أدى في النهاية إلى فقدان الاستثمار الأجنبي شعور الأمان في السوق المصري، خاصة في ظل بعض الإجراءات والقرارات غير القانونية التي أرعبت المستثمرين والصادرة عن رأس هرم السلطة في البلاد.
رابعًا: نتيجة منطقية لتلك الوضعية خفضت المؤسسات المالية الاقتصادية العالمية نظرتها العامة في تقييمها للاقتصاد المصري، وعلى رأسها وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني، ووكالة “ستاندرد آند بورز” ووكالة فيتش العالمية، وهي التخفيضات التي تعزز فقدان الثقة في الاقتصاد الوطني وتتسبب في عزوف الاستثمارات الأجنبية عن السوق المصري.
نفس السياسات.. لا جديد يذكر
هل تلوح في الأفق أي إرهاصات تنبئ بأن الوضع قد يسير في الاتجاه الصحيح؟ هل تغيرت السياسات المتبعة منذ سنوات وثبت فشلها؟ هل أعيد النظر في الهيكل الإداري والتنظيمي والفكري الذي يدير الملف الاقتصادي؟ تساؤلات تفرض نفسها على ألسنة العامة والمتخصصين في مصر عقب تصريح رئيس الحكومة بأن الأزمة الاقتصادية ستنتهي بحلول 2030.
الكثير من إجابات تلك التساؤلات ربما يجيب عنها المشهد المتناقض الذي ظهر عليه رئيس الوزراء وهو يتعهد أمام المصريين بتحسن الأمور في غضون 6 سنوات، ففي الوقت الذي يطالب فيه الرجل الثاني في الدولة الشعب المصري بالصبر على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية الأخيرة بحسب رؤيته للأحداث، إذ به يعلن عن مشروع “البرج الأيقوني” في العاصمة الإدارية، بكلفة 3 مليارات دولار في دولة يبلغ حجم دينها الخارجي أكثر من 40% من إنتاجها المحلي، علمًا بأن هذا البرج هو أحد الأبراج العشرين المقرر تدشينهم في العاصمة الإدارية الجديدة.
وفي الجانب الآخر من الصورة أعلنت محافظة المنيا (جنوب) في نفس اليوم، عن توقف مصنع سكر أبو قرقاص المبني عام 1869 وأحد أكبر مصانع صناعة السكر في مصر، بسبب العجز عن توفير الكميات المطلوبة من قصب السكر، ليُسدل الستار عن هذا الكيان الصناعي البالغ من العمر 155 عامًا.
المشهد الاقتصادي خلال الشهر الأخير يكشف بشكل كبير إصرار النظام الحاليّ على المضي قدمًا في ذات السياسات الاقتصادية التي تعتمد في عصبها على الاقتراض من الخارج، وهو ما يعني مزيدًا من الأعباء الدولارية في مقابل استنزاف للموازنة العامة للدولة وإخضاعها لشروط وإملاءات الدائنين.
خبرين زفت، وخبر عظيم
الزفت:
-الاعلان عن البرج الايقوني ذو ال٣ مليار دولار، في مصر التي يعاني شعبها الأمرين من الفقر والاسعار المجنونة
– في نفس الوقت ، خبر عن توقف مصنع سكر عمره ١٥٥ سنة في المنيا،
الخبر العظيم:
انضمام ناميبيا "التي عانت من توحش الاحتلال الألماني" لجنوب افريقيا في…— Gamal Eid (@gamaleid) January 14, 2024
في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي نشرت الجريدة الرسمية المصرية قرار رئيس الجمهورية رقم 452 لسنة 2023 بشأن الموافقة على اتفاق قرض بمبلغ 500 مليون يورو من بنكي ديوتشه وأي بي سي لصالح وزارة المالية، وقبلها بـ14 يومًا فقط وافق السيسي على قرض آخر بقيمة 500 مليون دولار من البنك الدولي للإعمار والتنمية.
وفي 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي وافق الرئيس على اتفاق بين مصر والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بشأن حصول القاهرة على قرض بمبلغ 250 مليون يورو لتدشين مترو الإسكندرية، فيما تذهب كل التوقعات إلى احتمالية حصول الدولة المصرية على قروض إضافية خلال العام الحاليّ من بعض البلدان الخليجية والأوروبية.
وتكشف تلك المؤشرات بصورة أو بأخرى أن الأمور فيما هو قادم لن تختلف كثيرًا عما كانت عليه خلال السنوات الماضية، فالمقدمات ذاتها حتمًا تقود إلى نفس النتائج، وأن الرهان على مخرجات مغايرة لنفس المدخلات لا يعدو كونه خيالًا يداعب السلطة في مصر وأنصارها في المنصات الإعلامية والاقتصادية.