بعد المأزق الذي وقعت فيه نتيجة استغلال المقدسات الإسلامية لتصفية حساباتها السياسية مع خصومها بمنع القطريين من أداء العمرة والحج، لم تجد المملكة العربية السعودية بدًا من شن هجوم جديد على دولة قطر متهمة إياها بالوقوف وراء دعاوى تدويل الحرمين الشريفين.
الإحساس السعودي بالخطر من دعاوى تدويل الحرمين أجبر الصحف السعودية على شن حرب كلامية على الدوحة، حيث قالت صحيفة “الرياض” في افتتاحيتها الإثنين الماضي إن آخر الدلائل على عقم التفكير السياسي في قطر ولجوئه إلى تبني طروحات عقيمة لا علاقة لها بالتفكير العقلاني ولا المنطق السليم هي (تدويل الحرمين الشريفين) أي بمعني تدويل المسؤولية عن الحرمين لتكون الدول الإسلامية من تدير الحرمين الشريفين، ذلك الطرح نعرف أنه ليس ناتجًا عن فكر قطري، وحتى لو نتج عنه لما استغربناه، لكنه طرح إيراني محض تبنته القيادة القطرية عن قصد.
بدوره كتب فيصل العساف في صحيفة “الحياة” اللندنية قائلًا: “ما كانت تخجل إيران من الإقدام عليه، تفعله اليوم قطر من دون اعتبار للنتائج الوخيمة التي تنزلق إليها، وإذا كان مبدأ “هي خاربة خاربة” الذي تنطلق منه قطر عنوان المرحلة وهو الذي يقودها سياسيًا، فإنه في واقع الأمر انتحار سياسي يعبر عن حال اليأس والتقهقر والعزلة التي تسير بها إلى حتفها، ليس لأن المطلب يعد سابقة في التاريخ الإسلامي، وليس لطبيعة الأعذار الوهمية والبكائيات القطرية الكاذبة التي تنقضها الوقائع على الأرض، وليس لأن قطر في واقع الأمر تستعدي بذلك شعبها المتدين – بطبيعته – رغم محاولات الإغراء وتغيير هويته التي مارستها السلطة عليه”.
الشعوب الإسلامية بأسرها اليوم تحذر السلطات السعودية من عدم تسييس الحج والعمرة
هجوم الإعلام السعودي الأخير على قطر كشف عن خوف كبير داخل أروقة النظام السعودي الحاكم من تدويل قضية الحرمين الشريفين، كما أكد أن السلطة الحالية لن تقبل بالاستغناء عن الإشراف على الحرمين وفرض الوصاية عليهما نظرًا لما يمثلانه من قدسية ومكانة وأهمية لدى أكثر من مليار ونصف من المسلمين المنتشرين في أرجاء المعمورة، وهو ما بوأ المسؤولين السعوديين مكانة رفيعة لدى الزعماء المسلمين من العرب والعجم، ومنع السعوديين من الخروج عن ولاة أمورهم، وجعل العلماء والدعاة يدعون لهم في كل صلاة ومناسبة.
وزير الخارجية السعودي عادل الجبير هو الآخر انزعج من الأصوات القطرية المنادية بتدويل الأراضي المقدسة، حيث قال على هامش اجتماع رباعي دول الحصار في العاصمة البحرينية المنامة: “هذا الكلام لا يأتي إلا من عدو” في إشارة إلى إيران، مضيفًا أن هذه الأصوات تضع نفسها في خانة هذا العدو، معتبرًا طلب قطر بتدويل المشاعر المقدسة من قبيل إعلان الحرب على المملكة التي تحتفظ بحق الرد على أي طرف يعمل في مجال تدويل المشاعر المقدسة.
الرد القطري على الاتهامات السعودية لم يتأخر كثيرًا، حيث نفى محمد بن عبد الرحمن آل ثان وزير خارجية قطر طلب بلاده “تدويل الحج”، قائلًا إنه لم يصدر أي تصريح عن أي مسؤول قطري بشأن تدويل الحج، ولم يتم اتخاذ أي إجراء من شأنه النظر في قضية الحج كقضية دولية، مشيرًا إلى أن قطر لم تسيس الحج، بينما تم تسييسه للأسف من قبل السعودية.
عند الحديث عن مكة المكرمة والمدينة النبوية يجب التأكيد على أنهما ليستا ملكًا لآل سعود ولا يخضعان لأهواء حكام الدولة السعودية
تأكيد وزير الخارجية القطري عدم دعوة بلاده لتدويل الحرمين الشريفين لا يمكن له أن يغطي الحقيقة الواضحة وهي أن الشعوب الإسلامية بأسرها اليوم تحذر السلطات السعودية من عدم تسييس الحج والعمرة أو ترك الدول الإسلامية مجتمعة تنال شرف تنظيم هذين الشعيرتين بعيدًا عن فرض الوصاية والشروط والإملاءات التي كان آخرها منع القطريين من العمرة والحج وفرض رسوم 2000 ريال على القادمين لتأدية العمرة خلال الموسم الأخير.
الدعاوى القطرية غير الصريحة لتدويل الحرمين الشريفين وفرض وصاية إسلامية عليه لم تكن جديدة، فقد سبق أن طالبت إيران في أكثر من مناسبة بهذا المطلب كان آخرها قبل سنتين بعد كارثة الحج في مشعر “منى”، حيث تسبب تدافع الحجاج في سقوط مئات القتلى والجرحى كان معظمهم من الإيرانيين.
عند الحديث عن مكة المكرمة والمدينة النبوية يجب التأكيد على أنهما ليستا ملكًا لآل سعود ولا يخضعان لأهواء حكام الدولة السعودية، وإنما هما ملك للأمة الإسلامية جمعاء، فمن حق المسلمين بمختلف ألوانهم ومذاهبهم وجنسياتهم زيارتهما لأداء العمرة والحج وفق احترام القوانين وآداب الزيارة، وليس من حق الحكومة المركزية أو أمراء المناطق قمع الحجاج والمعتمرين وإهانتهم والزعم بأنهم يخدمون ضيوف الرحمان بعيدًا عن تصفية الحسابات السياسية بين الحكومات، وليس مثلما حدث خلال شهر رمضان السابق عندما طردت الفنادق النزلاء القطريين وألغت حجوزاتهم، كما توجه عدد من السعوديين إلى القطريين بالشتيمة والإهانة داخل المسجد الحرام، وفق ما تم توثيقه في فيديوهات منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
السلطات السعودية اليوم بين 3 خيارات، إما مواصلة سياسة استغلال الحرمين الشريفين في الضغط على الدول وتصفية الحسابات السياسية بمنع المعتمرين والحجاج من دخول مكة والمدينة، أو الابتعاد عن ذلك والسماح للمسلمين في كل مكان بأداء عباداتهم على أكمل وجه بعيدًا عن المضايقات والضغوطات، أو التسليم والموافقة على تدويل الحرمين والبدء في إجراءات تسليم مقاليد تنظيم الحج والعمرة لهيئة إسلامية تتكون من جميع الدول المسلمة، تكون وظيفتها الأساسية الإشراف على المدينتين الأكثر قداسة عند المسلمين وتسيير أمورهم وشؤونهم وتنظيم عباداتهم على أكمل وجه.