حاول مؤسس موقع فيسبوك العملاق، مارك زوكربيرج، الترويج لموقعه الشهير لأول مرة في مقابلة تلفزيونية قبل نحو 14 عامًا، وفي حديثه قال زوكربيرج إنه يأمل هو وفريقه أن يصل عدد المستخدمين إلى 500 شخص من طلاب الجامعات، لكن بعد سنوات عديدة من انطلاق موقع فيسبوك وصل عدد مستخدميه إلى ملياري شخص، فهل كان يخطط زوكربيرج لهذا دون أن يعترف أم أنه كان يتبع قاعدته التي قالها في خطابه الأخير في أثناء حفلة تخرجه من جامعة هارفرد “الأفكار لا تتشكل بشكل كامل دون عمل، بل تصبح واضحة فقط عندما تعمل عليها، لذلك عليك دائمًا أن تبدأ بالعمل أولا”، وإن كانت هذه عادة زوكربيرج في وصوله إلى غايته، فما الذي يعمل عليه الآن مارك لتحقيق أفكاره التي لا نعرفها؟
ما الذي وضع مارك زوكربيرج في محط شك؟
قال زوكربيرج “بعد هذا العام الصاخب آمل أن أنجز التحدي الذي قطعته على نفسي وهو زيارة الناس في جميع الولايات الأمريكية والتحدث معهم وتعرف أحوالهم المعيشية وأعمالهم وأفكارهم المستقبلية” بعد أن أعلن زوكربيرج مشروعه بشأن زيارة الولايات الأمريكية جميعها خلال عام 2017 وزيارة أهالي هذه المدن، أثيرت الكثير من الشكوك والتكهنات أن زوكربيرج لديه طموحات سياسية في الترشح لمنصب الرئاسة لعام 2020 أو بعد ذلك بالرغم من نفيه لهذه الأقوال والخطط، هذا وقد زار مارك بالفعل 20 ولاية أمريكية في النصف الأول من العام، و30 ولاية تتم زيارتها حاليًا في النصف الثاني من السنة.
صدرت نتائج لاستطلاع للرأي في شهر فبراير /شباط عام 2016 تكشف عن شعبية زوكربيرج الكبيرة، إذ حصل مارك على نسبة 22% كأفضل رئيس تنفيذي ملياردير، فبالتالي يرى البعض أن جولته حول المدن الأمريكية ستكون وسيلة ناجحة لبناء ملف سياسي له من خلال شعبيته المحتمل زيادتها بشكل أكبر في نهاية العام.
هناك دليل آخر على أن مارك يرغب في بدأ مشواره السياسي وذلك من خلال ملاحظة المقابلات التي أجراها زوكربيرج مع الناس في أثناء رحلته داخل المدن الأمريكية، إذ ابتعد مارك عن لقاء أطباء الأسنان أو الأطفال أو فناني المسارح أو المحاسبين الماليين، وفضل اللقاء بالأشخاص الذين قد يقوموا بمدح جهوده مثل زوجات الجنود ورجال الدين والمحاربين القدامى والمعلمين، كما التقى مارك بالأشخاص الذين تجمع وظيفتهم بين السياسة وخبرتهم المهنية مثل الصحافيين ووضباط الشرطة والعاملين في مجال النفط ومع الأشخاص الذين يتعافون من إدمان المخدرات، بجانب اجتماعه مع الأفراد الذي يعتزون بوطنيتهم الأمريكية مثل المزارعين والصيادين وأصحاب الأعمال الصغيرة.
في شهر ديسمبر /كانون الأول من العام الماضي كُشفت ملفات غير رسمية أن مارك واثنين من أعضاء مجلس الإدارة ناقشوا كيف يمكن لزوكربيرج الاحتفاظ بسيطرته على موقع فيسبوك مع البدأ في تحقيق أهداف مهنية في مجال السياسة، ويعتبر البعض أن زوكربيرج بدأ بالفعل في الصعود على سلم السياسة، ففي عام 2013 قدم فيسبوك الدعم لتوسيع برنامج التأشيرة والهجرة الخاص بوادي السيليكون والذي يهدف إلى توظيف العمال الأجانب المهرة، كما أنه كثف جهوده الخيرية التي وصلت إلى منح 3 مليارات دولار لعلاج جميع الأمراض أو الوقاية منها أو السيطرة عليها من الانتشار والتفاقم، من خلال مبادرة “تشان اتش وان بي”، ويذكر أن زوكربيرغ عين مستشارًا سياسيًا سابقًا لهذه المبادرة يدعى ديفيد بلوف، وهو الذي أمن فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008، كما أنه عين مستشارًا سياسيًا آخر شارك في تنظيم الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون واسمه جويل بنينسون، هذا وفقًا لصحيفة الغارديان.
“الأمريكي المجتهد” يتبع استراتجيات واسعة ومدروسة في جميع تحركاته وخطاباته ومنشوراته، إذ يعمل لديه فريق كامل يتكون من 12 شخصًا يعملون على إعداد وإدارة صفحته الخاصة على فيسبوك وتعليقاته وتنسيق أحاديثه
يقول مارك عن مبادرة تشان زوكربيرج الذي أطلقها في عام 2015 “عملي متعلق بتحقيق التواصل عبر العالم ومنح كل شخص صوتًا للتعبير عن نفسه، أريد شخصيًا الاستماع إلى المزيد من هؤلاء الأشخاص خلال العالم الحالي، سيساعدني ذلك في إدارة العمل بشركة فيسبوك تشان زوكربيرج”.
كما تذكر صحيفة بلومبيرج أن “الأمريكي المجتهد” يتبع استراتجيات واسعة ومدروسة في جميع تحركاته وخطاباته ومنشوراته، إذ يعمل لديه فريق كامل يتكون من 12 شخصًا يعملون على إعداد وإدارة صفحته الخاصة على فيسبوك وتعليقاته وتنسيق أحاديثه، وحتى ظهوره من خلال البث الحي المباشر يكون وفق خطة مسبقة وضمن تنظيم معين، كما أن لديه عدد من المصورين المحترفين الذين يهتمون بصورته الشخصية، إضافة إلى إنشائه Internet.org وهي الذراع الخيري والتي يهدف فيسبوك من خلالها الوصول إلى الدول النامية التي يصعب وصول خدمة الإنترنت إليها، والعمل على التفاوض مع بعض شركات الاتصال في الهند وأنجولا لتحقيق هذه الخدمة.
لا سيما أن مارك أعلن في أكثر من مناسبة أنه يهدف إلى جعل فيسبوك الوسيط الوحيد لتبادل المعلومات في العالم، لكن هل حصته التي تبلغ 22% من الشركة تسمح له بالوصول إلى هذه الغاية أم أنه يحتاج إلى دفعة من العالم السياسي ليحقق هذا المبتغى؟
ماذا لو لم يكن زوكربيرج يطمح في رئاسة أمريكا؟
هناك جانب آخر من التكهنات يقول أن زوكربيرج مكتفي بحكم العالم من خلال منصة فيسبوك التي تؤثر بشكل مباشر على حياة أكثر من ملياري شخص، وذلك من خلال تقنيات الاتصال والتواصل وخصائص إتمام صفقات البيع والشراء وتحول واجهات هذا الموقع إلى مصدر لأهم الأخبار العالمية اليومية.
في حال بقاء زوكربيرج رئيسًا للفيسبوك فقط وليس أمريكا فلدينا على الأقل خيار تسجيل الخروج من موقعه
وفي محاولة لتبرير تصرفات وطموحات زوكربيرج يصفها البعض بالإجراءات العادية جدًا، فمن مهمة زوكربيرج تحسين صورة فيسبوك وصورته الشخصية، خاصة بعد حالة القلق التي أصابت موقع فيسبوك عقب الانتخابات الأمريكية الأخيرة، بعد أن أجري الموقع استطلاع رأي للمستخدمين الأمريكيين عن ما إذا كانوا يعتقدون أن فيسبوك موقع مفيد للعالم، وكانت الإجابات أن فيسبوك مصدر للمعلومات الخاطئة والأخبار المزيفة وإعدادات البيانات الخصوصية غير آمنة، وفيسبوك سبب في قلة التفاعلات الواقعية اليومية وضعف العلاقات الاجتماعية، فمن المنطقي أن يحاول زوكربيرج حماية إمبراطوريته بكل ما يملك من فطنة.
إن لم تكن الرئاسة هي هدف زوكربيرج لعام 2020 فهذا لحسن حظ العالم، فإن كان فيسبوك دولة سيكون من أكثر الأنظمة قمعية في العالم بسبب الرقابة الشديدة على المستخدمين وضعف الخصوصية الشخصية، أما في حال بقاء زوكربيرج رئيسًا للفيسبوك فقط وليس أمريكا فلدينا على الأقل خيار تسجيل الخروج من موقعه، هذا بحسب رأي الصحفي آليكس هيم في صحيفة الغارديان.
لماذا لم يقتنع العالم بعدم رغبة مارك أن يصبح رئيسًا لأمريكا؟
قد لا يكون الملياردير الشاب صادقًا تمامًا بشأن خططه المستقبلية، أو ببساطة يحاول مارك أن يترك خياراته مفتوحة، لكن اهتمامه المبالغ بعدد كبير من القضايا المهمة في العالم يجعل الشكوك في نواياه تزيد.
وفي ما يخص البيئة والتغير المناخي ومصادر الطاقة المتجددة ناقش مارك مسألة التغير المناخي عدة مرات وخاصة عندما تحدث عنه أثناء إلقائه لخطاب تخرجه في هارفرد معبرًا عن قلقه بهذا الشأن ومعتبرًا إياه من أكبر التحديات التي تواجه الأجيال الحالية، إضافة إلى تعليقه على انسحاب الولايات المتحدة من مؤتمر باريس لتغير المناخي حيث قال “الانسحاب من اتفاقية باريس قرار سئ بشأن البيئة والاقتصاد ويضع أطفالنا في خطر”، وأضاف “لا يمكننا إيجاد حل لهذه المشكلة دون الانضمام إلى المجتمع الدولي لانقاذ العالم من هذه المشكلة البيئية قبل فوات الآوان”، كما أعلن مارك عدة مرات من خلال منشوارته على صفحته الشخصية أنه يهتم بقضية البيئة، وإثباتًا لذلك ستقوم فيسبوك ببناء مراكزها معتمدة على مصادر الطاقة المتجدة بنسبة 100%.
أما بشأن جهود مارك في القطاع الصحي فلا بد من معرفة أن زوكربيرج ينفق المليارات من أمواله الخاصة على البحوث المساعدة في مكافحة الأمراض والوقاية منها، فقال مارك عندما عين مستشار باراك أوباما السابق، ديفيد بلوف لإدارة شركته الخيرية تشان “نحن بحاجة لإحداث تغيير، إذ تنفق حكوماتنا 50 مرة ضعف في علاج الأشخاص بدلًا من الإنفاق على الوسائل التي ستساعدهم على الوقاية من هذه الأمراض”.
يعتقد مارك أنه من المفترض أن تكون أمريكا مكانًا آمنًا للاجئين السياسين قائلًا إن الولايات المتحدة الأمريكية دولة بنيت بأيادي المهاجرين، وعلينا أن نفخر بذلك
وعندما رُزق زوكربيرج بابنته ماكس، غاب شهرين عن عمله وكتب على حسابه الشخصي “أظهرت الدراسات أنه عندما يقضي الوالدان وقتا طويلًا مع مولودهم الجديد، فإن هذه الأسرة تحظى بعلاقة وثيقة وجيدة”، إذ يذكر أن شركة فيسبوك تمنح الآباء الجدد إجازة تصل إلى 4 شهور من إجازة السنة الأولى.
وفي عدة مرات ذكر زوكربيرج أنه يحظى بلقاءات خاصة مع مدمني المخدرات مسبقا والتي قال عنها إنها واحدة من أسوأ الأزمات الصحية التي يواجهها العالم.
وبما يتعلق بشؤون الهجرة يعتبر زوكربيرج من مؤيدي قانون “دريم” الذي من شأنه حماية الأطفال المهاجرين غير الشرعيين وتقديم المساعدات لهم حتى يتمكنوا من العمل أو الذهاب في الولايات المتحدة، إذ قال بهذا الخصوص “نحن بحاجة إلى حكومة تركز على إصلاح الإجراءات القانونية الخاصة بالهجرة”، ودعمًا لهذه القضية قدمت بريسيلا تشان، زوجة زوكربيرج، مئات من المنح الدراسية الجامعية للطلاب.
هناك نحو 95 مليون شخص يتابع حساب زوكربيرج، وهذا العدد أكثر من متابعي ترامب وكلينتون وأوباما مجتمعين.
كما يعتقد مارك أنه من المفترض أن تكون أمريكا مكانًا آمنًا للاجئين السياسين قائلًا إن الولايات المتحدة الأمريكية دولة بنيت بأيادي المهاجرين، وعلينا أن نفخر بذلك، وجاء هذا بعد قرار دونالد ترامب بحظر المسلمين من السفر إلى أمريكا، وفي مسألة بناء الجدار على حدود المكسيك أضاف قائلًا “نحن نجتهد إلى بناء الجسور بين الناس والعالم الآخر، لا أن نضع المزيد من الحدود”.
من الناحية الاقتصادية بدأ زوكربيرج بدعم فكرة الدخل الأساسي الذي توفره الحكومات لعامة الشعب مثل حكومة ألاسكا، وقال “فكرة الدخل الأساسي في ألاسكا قد يكون درسًا لبقية البلاد أيضًا، فلقد خلق اقتصاد ألاسكا فكرة تاريخية مذهلة”، كما دعا لتوفير شقق سكنية بأسعار معقولة، فلقد كشف فيسبوك مؤخرًا أنه يعمل على إنشاء مجمع سكني من 200 شقة للإيجار بأسعار معقولة.
هذه بعض المؤشرات التي أدت إلى الشك في نفي مارك زوكربيرج للآراء التي تقول إنه سيرشح نفسه لرئاسة أمريكا، فلم يحصر زوكربيرج طموحاته المستقبلية بحكم ملياري شخص على فيسبوك إن كان يستطيع أن يرأس أقوى دولة في العالم؟ على العلم أن هناك نحو 95 مليون شخص يتابع حساب زوكربيرج، وهذا العدد أكثر من متابعي ترامب وكلينتون وأوباما مجتمعين.