تخشى “إسرائيل” بشكل كبير من صورتها في الغرب خصوصًا فيما يتعلق بالانتقادات الحقوقوية التي لها تأثير على محاولات فرض الاحتلال واقعًا جديدًا استيطانيًا ضد الفلسطينيين، حيث ندد الاتحاد الدولي للصحفيين في الخامس والعشرين من يوليو السابق ضمن أحداث القدس الأخيرة بسوء معاملة قوات الاحتلال الإسرائيلي للصحفيين الذين يغطون الاحتجاجات الفلسطينية في المدينة المقدسة.
العالم الغربي لم يعد مقتنعًا بسياسة الاحتلال الإسرائيلي، وما يروجه من أكاذيب مستمرة، حتى على المستوى الرسمي
القنوات الإعلامية الغربية شنت هجومًا شديدًا على سياسة الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الصحفيين، واعتبرته أمر يمس الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يخشاه الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاول بشكل دائم التماشي مع شكل القانون الدولي وحقوق الإنسان، لتبرير جرائمه ضد الفلسطينيين كما حدث في حي الشجاعة إبان حرب عام 2014 من استخدام سياسة “الأرض المحروقة” أو ما يعرف بـ”حنبعل”، مبررًا الإبادة في حق المدنيين لوجود مقاتلين في البيوت.
العالم الغربي لم يعد مقتنعًا بسياسة الاحتلال الإسرائيلي، وما يروجه من أكاذيب مستمرة، حتى على المستوى الرسمي فقد تعرض عدد من الناطقين باسم الاحتلال لهجوم لاذع من قبل الجماهير أو المستوى السياسي الرسمي في المحافل الدولية خصوصًا فيما يتعلق بقضية “الاستيطان”.
وعن تأثير تراجع تصنيف الاحتلال في حرية الصحافة ضمن الإطار الدولي يرى مدير مركز الدراسات الإقليمية في فلسطين والمختص في شأن الاحتلال الإسرائيلي أيمن الرفاتي أن الحرية التي يعطيها الاحتلال الإسرائيلي لإعلامه الخاص في نقد الوضع الداخلي والحكومي هي ضمن رقابة أمنية مشددة، حيث تشرف لجنة تابعة لرئيس الحكومة الصهيونية مباشرة على الإعلام، وتمتلك الحكومة حق منع الصحفيين من العمل في مناطق العمل الخاصة بهم، ويستند الاحتلال على هذا القانون للتغطية على جرائمه بحق الفلسطينيين ومنع دخول الصحفيين لأماكن المواجهة.
تراجع الاحتلال الإسرائيلي في حرية الصحافة مع اشتداد حملة المقاطعة الدولية عليه، أكاديميًا واقتصاديًا وثقافيًا والتي يواجهها بزيادة ضغطه على الإعلام الغربي
وقال الرفاتي لـ”نون بوست”: “الاحتلال الإسرائيلي دائم القلق والخوف على شرعيته وهي العقدة التي تواجهه منذ قيامه، لذلك يحاول التعاطي مع شكل القانون الدولي، ويتأثر على المدى البعيد بهذه التقارير التي تبقى في العقل الباطن للجماهير الغربية خصوصًا باقتران اسم الاحتلال الإسرائيلي بالجريمة والفصل العنصري”.
ويأتي تراجع الاحتلال الإسرائيلي في حرية الصحافة مع اشتداد حملة المقاطعة الدولية عليه، أكاديميًا واقتصاديًا وثقافيًا والتي يواجهها بزيادة ضغطه على الإعلام الغربي، وفق ما يرى الناشط في المقاطعة الدولية BDS والباحث في مركز الدراسات السياسية والتنموية والمختص بتغطية الإعلام الأجنبي للقضية الفلسطينية يوسف غبن أن اللوبي الصهيوني له تأثير سيادي على الصحافة الرئيسية في العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة من خلال mainstream، أدى ذلك لتصدير الرواية “الإسرائيلية” في قالب من المظلومية لتضليل الجماهير الغربية.
وقال غبن لـ”نون بوست”: “لا يمكن الضحك على الجماهير الغربية في عصر المعلوماتية فحجم الصور والفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي التي ينشرها الصحفيون والمتعاطفون مع القضية الفلسطينية تثبت فشل الاحتلال في السيطرة على الجماهير، بالعكس تطور الأمر للأسوأ حيث هناك مقاطعة لمنتجات المستوطنات دوليًا، ومقاطعة أكاديمية فاعلة من كبار الأساتذة للإشراف على طلبة “إسرائيليين” في البحث العلمي، ويعاني الاحتلال بشكل كبير من حملات المقاطعة ضده”.
تأتي نتائج حملة المقاطعة بعد المشكلة الأولى التي واجهها الاحتلال عام 2007 في التعامل مع الجيل الشاب الصاعد في أمريكا والغرب، حيث ارتبطت صورة جيش الاحتلال الإسرائيلي ذهنيًا “بالإجرام”
نقطة التحول في المقاطعة الأكاديمية حققها عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكنج والذي انضم لحملة المقاطعة الأكاديمية مما أدى لتراجع ملحوظ في تصنيف “إسرائيل” علميًا ضمن الأبحاث العلمية المنشورة، ولينضم للحملة الدولية لمقاطعة الاحتلال الإسرائيلي المغني الشهير “بينك فلويد” والذي دعا زملاءه في نجوم موسيقى الروك “التصدي لجرائم إسرائيل من الفصل العنصري والتطهير العرقي، بسبب تنصل الحكومات الغربية ومجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة عن القيام بذلك”.
وتأتي نتائج حملة المقاطعة بعد المشكلة الأولى التي واجهها الاحتلال عام 2007 في التعامل مع الجيل الشاب الصاعد في أمريكا والغرب، حيث ارتبطت صورة جيش الاحتلال الإسرائيلي ذهنيًا “بالإجرام”، مما دعا الكيان الصهيوني لاستحضار الحسناوات للخدمة في الجيش ومقابلة الجنود الجدد في الخدمة العسكرية، كذلك سعت من خلال إظهار صور الحسناوات لإشعال روح الفانتازيا لدى الجيل الأمريكي الشاب بأن الجيش “الإسرائيلي” هو جيش رقيق يدافع عن هؤلاء الحسنوات، مثل انتشار صور لأبرز الممثلات الإسرائيليات بزي عسكري على مجلات الإثارة كمجلة “Maxim” الأمريكية.
وكانت النائبة “الإسرائيلية” كوليت أفيتال، والقنصل العام السابق في نيويورك قالت في تصريح سابق، تعليقًا على نشر صور مجندات جيش الاحتلال بمجلة “Maxim” الأمريكية: “القنصلية الإسرائيلية دفعت باتجاه قرار النشر بعد أبحاث على الجيل الصاعد في أمريكا، فنحن نعاني من صورة “إسرائيل” لديهم، لذلك يجب أن نعني الكثير لهم، هناك أشياء جميلة ومثيرة يمكن استخدامها للاستفادة من هذه الشريحة، بأن تظهر امرأة شبه عارية، أعلم أن البعض في “إسرائيل” اعتبر الصور غير ملائمة، لكننا سعيدون بنتائج الصور”.
وأكد الخبير في الشأن الإسرائيلي والكاتب السياسي المعروف عدنان أبو عامر أن الأشهر الأخيرة خرجت تقارير شبه دورية ناتجة عن مركز أبحاث مراقبة المنظمات غير الحكومية “الإسرائيلي” لمعرفة كيف تعاملت وسائل الإعلام الغربية مع أحداث الأقصى الأخيرة ضمن الصراع الفلسطيني مع الاحتلال الإسرائيلي، واعتبر أبو عامر أن هذه التقارير أظهرت انزعاجًا عامًا في الوسط الرسمي للكيان.
وقال أبو عامر لـ”نون بوست”: “الاحتلال الإسرائيلي يمتلك سلاحًا خطيرًا وغير مسيطر عليه من المنظمات الحقوقية وهو اعتبار أي صوت يتعاطى مع الرواية الفلسطينية أو يتنكر لحق اليهود في فلسطين بأنه معادٍ للسامية، ويستخدم اللوبي الإسرائيلي في أمريكا وروسيا والغرب نفوذه للضعط على القنوات الإعلامية العالمية لتبني الرواية الإسرائيلية في التعاطي مع الأخبار الفلسطينية”.
مع استمرار صراع العقول ومخاطبة الجماهير يتقدم عصر الصورة والفيديو لنفي الادعاءات “الإسرائيلية”، ويشكل حرجًا كبيرًا لها في ظل الانتقال من الإعلام التقليدي
وأضاف أبو عامر: “الجبهة الإعلامية في مواجهة الاحتلال لا تقل خطورة عن الجبهة العسكرية في الميدان، والاحتلال يعلم ذلك جيدًا، لذلك يجب تكثيفها خصوصًا الجماهير الغربية”.
آخر المواجهات العالمية حدثت بين الاحتلال الإسرائيلي من جهة ووكالة رويترز العالمية للأنباء من جهة أخرى، حيث هاجم رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوكالة بتهمة الاقتراب من الرواية الفلسطينية في التعاطي مع أحداث القدس الأخيرة، حيث استخدمت مفردات فلسطينية كالمسجد الأقصى والحرم القدسي.
ومع استمرار صراع العقول ومخاطبة الجماهير يتقدم عصر الصورة والفيديو لنفي الادعاءات “الإسرائيلية”، ويشكل حرجًا كبيرًا لها في ظل الانتقال من الإعلام التقليدي للإعلام التواصلي الرقمي، لا يستغرق الأمر دقائق معدودة حتى يرى الجمهور الغربي بشكل واضح ما يجرى في الأراضي الفلسطينية، وهي مواجهة سيعاني منها الاحتلال الإسرائيلي مستقبلًا في صورته أمام العالم.