تراجعت حدة الحرائق في تونس بعد أسبوع من انطلاقها، تلك التي اجتاحت مناطق جبلية شمال غرب البلاد، بعدما أمكن السيطرة على جزء كبير منها، بعد أن تسببت في خسائر كبيرة، وفقًا لمسؤولين تونسيين.
وبفضل جهود رجال الإطفاء الذين استنفروا وحداتهم رغم تشتت تركيزهم في كثير من المناطق لوقف الكارثة، خمدت نيران أغلب الحرائق التي اندلعت منذ السبت قبل الماضي في مناطق بمحافظة جندوبة المتاخمة للحدود مع الجزائر، مثل عين دراهم وفرنانة وطبرقة.
2000 هكتار خسائر
بلغت خسائر تونس في أسبوع واحد فقط جراء هذه الحرائق 2000 هكتار، فيما كانت الخسائر السنوية تبلغ 1300 هكتار، حسب وزارة الفلاحة التونسية، التي أكدت أن هذه الحرائق غير عادية، إلى جانب تسجيل تضرر 23 منزلًا بمنطقة عين دراهم التابعة لمحافظة جندوبة، وقد بلغت الحرائق في مناطق مختلفة من البلاد نحو 100 حريق اندلعت بشكل متزامن تقريبًا في جبال محافظات جندوبة وبنزرت والكاف والقصرين وقفصة.
خلال هذه الحرائق اضطرت السلطات التونسية لإجلاء عدد من العائلات التي تعيش في المناطق الجبلية بعين دراهم الواقعة في أقصى الشمال الغربي وفي سجنان بمحافظة بنزرت
فيما كانت بداية هذه الحرائق يوم الـ 29 من يوليو، إذ اجتاحت موجة من الحرائق 8 محافظات تمت السيطرة على أغلبها باستثناء 4 حرائق في محافظات بنزرت وجندوبة وباجة والقصرين بسبب كثافة الغابات وتفرق التجمعات السكنية داخل المناطق الجبلية واستمرار ارتفاع درجات الحرارة، وتم تسخير كل الإمكانيات المتاحة لإخمادها والسيطرة عليها، إلا إنها كانت كبيرة ما استدعى جلب مزيد من التعزيزات من الحماية المدنية والجيش والحرس الوطني.
وخلال هذه الحرائق اضطرت السلطات التونسية لإجلاء عدد من العائلات التي تعيش في المناطق الجبلية بعين دراهم الواقعة في أقصى الشمال الغربي وفي سجنان بمحافظة بنزرت قبل أن يعودوا إلى منازلهم، ولا تزال لجنة مجابهة الكوارث في هذه المناطق تعقد اجتماعاتها بصفة دائمة، لجمع المعلومات والتحسب لأي طارئ.
بفعل فاعل
لئن أكد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني في تونس العميد خليفة الشيباني أن العوامل الطبيعية أسباب بديهية لاندلاع الحرائق، نظرًا إلى موجة الحر التي تشهدها البلاد (درجات الحرارة في جندوبة التي شهدت حرائق كثيفة بلغت في الظل 47 وفي الشمس 59 درجة)، إلا أن اندلاع هذه الحرائق بشكل مكثف ومتسارع (نحو 60 حريقًا متزامنًا) يوحي بوجود “شبهة عمل إجرامي” وهو ما دفع السلطات المعنية إلى فتح تحقيق في الغرض، وهو ما أكده العميد في ندوة صحفية عقدت لتوضيح الأمر، حيث أشار إلى أن بعض الحرائق أسبابها أعمال إجرام متعمدة.
خسائر كبيرة خلفتها الحرائق
كما أشار العميد خليفة الشيباني إلى فتح 26 قضية بالتنسيق مع النيابة العمومية على علاقة بالحرائق، تم خلالها إيقاف 4 أشخاص لقيامهم بحرق أراضي الدولة، وأوضح الشيباني أن التحقيقات الأولية كشفت أن بعض المتورطين “أعوان حظائر عرضيين تم انتدابهم ثم التخلي عنهم” أضرموا نيرانًا كي يتم الاستنجاد بهم في إخمادها، وكذلك لاحقًا لاستغلالها في جمع الفحم، كما تحدث عن خلافات عائلية أدت إلى إحراق بعض الأراضي.
اتهم تونسيون ما أطلقوا عليهم مافيا الغابات بالوقوف وراء هذه الحرائق
وقبل ذلك كان رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد قد أعلن اعتقال عدد من المتورطين في إشعال حرائق بشكل متعمد، وذكر الشاهد عقب لقائه الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في اجتماع خصص لبحث كارثة الحرائق التي اجتاحت غابات ومناطق جبلية ومناطق سكنية، أن الحرائق كانت بفعل فاعل.
إلى جانب ذلك اتهم تونسيون ما أطلقوا عليهم مافيا الغابات بالوقوف وراء هذه الحرائق، وحسب قولهم فإن الغابات التونسية تنتج سنويًا مادة “الخفاف”، وتعتبر مادة الخفّاف من أهم المنتجات الغابية الأساسية التي توفرها غابات محافظة جندوبة حيث يقدر معدل إنتاجها السنوي بـ70 ألف قنطار وتساهم بنسبة 90% من مجمل الإنتاج الوطني، وإلى جانب الخفاف توفر غابات الفلين العديد من المنتجات الأخرى ذات القيمة الاقتصادية العالية أهمها الخشب إلى جانب عدة أنواع من الفطريات ومنتجات أخرى كالزيوت الروحية.
ويوجه هذا المنتج بنسبة 90% إلى التصدير، منها 70% نحو بلدان أوروبا الجنوبية على غرار البرتغال التي تستقبل وحدها 59% من الإنتاج ثم إيطاليا بنسبة 11%، ويضطلع إنتاج الخفاف في الجهة بدور محوري في تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية إذ يوفر نحو 4800 موطن شغل وقرابة 150 ألف يوم عمل في السنة.
ليست الوحيدة
إلى جانب حرائق تونس عرفت الجزائر والمغرب وإيطاليا وفرنسا حرائق مماثلة، أدت إلى إجلاء آلاف السكان إلى مناطق آمنة بسبب الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة في هذه الفترة، ففي فرنسا اندلعت حرائق في جنوب البلاد وجزيرة كورسيكا نهاية الشهر الماضي، وأسفرت عن تدمير نحو 1400 هكتار من الغابات وفق ما أعلنت السلطات الفرنسية.
طائرة مكافحة للحرائق ترش المياه على الحرائق التي تلتهم غابات جنوب فرنسا
وكان أكبر هذه الحرائق بقرية باستيدون في منطقة فوكلوز، حيث التهمت النيران التي أججتها الرياح القوية نحو 600 هكتار من الغابات، وجرى إجلاء مئة من السكان في قرية ميرابو ونقل أكثر من 10 من الأحصنة في إسطبل إلى أماكن أكثر أمنًا، كما اضطرت السلطات الفرنسية لإجلاء آلاف السكان بالقرب من بورم ليه ميموزا في جنوب فرنسا إثر حريق أتى على نحو 400 هكتار من الغابات.
حسب إحصاءات رسمية نشب 68 حريقًا أتت على 734 هكتارًا من الغابات بمحافظة الطارف في الجزائر
وفي الجزائر اعتقلت السلطات عددًا من الأشخاص قالت إنهم كانوا سببًا في اندلاع حرائق في الغابات شهدتها بعض الولايات مؤخرًا وقدمتهم للمحاكمة، وقال وزير الداخلية نور الدين بدوي، الخميس الماضي، في أثناء تفقده لعملية إخماد حرائق في ولاية الطارف شمال شرقي الجزائر: “هذه الحرائق سببها الرئيسي الحرارة غير العادية، لكن يوجد بعض المجرمين الذين استعملوا كل الوسائل لتأزيم الوضع، تم توقيف عدد منهم بناء على تحقيقات مختلف مصالح الأمن”، وحسب إحصاءات رسمية نشب 68 حريقًا أتوا على 734 هكتارًا من الغابات بمحافظة الطارف، في الفترة بين 29 من يوليو الماضي و2 من أغسطس الحاليّ.
واندلع حريق في شمال البرتغال أيضًا السبت أدى إلى إخلاء مركز للألعاب المائية وإغلاق طريق سريع، ويعمل أكثر من 70 من رجال الإطفاء و21 آلية على إخماد هذا الحريق على بعد 55 كيلومترًا عن مدينة بورتو.